طرق للتنبؤ المبكر بالسكر
وفقا للعديد من الإحصائيات الحديثة فإن مرض السكري من النوع الثاني بات خطرا شاملا يهدد البشرية بعد أن تفاقمت نسب الإصابة بالمرض إلى حد الوباء العالمي، وقد بات معروفا من الناحية العلمية وجود الكثير من عوامل الخطورة التقليدية يستخدمها الأطباء لحساب فرص الإصابة بالمرض مثل تقدم السن والتاريخ العائلي للإصابة بالمرض وزيادة الوزن والبدانة في منطقة البطن والتدخين وعدم ممارسة الرياضة بانتظام.
وكذلك الإصابة باضطرابات أيضية (التمثيل الغذائي) مثل متلازمة الأيض Metabolic syncdrome وتشحم الكبد غير الكحولي NAFLd ومقاومة خلايا الجسم لهرمون الإنسولين Insulin resistance بالإضافة إلى الكثير من القياسات الكيميائية بالدم مثل فحص سكر الدم عند الصوم FBS وقياس نسبة الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي HbA1c بالإضافة إلى قياسات حديثة تعتمد على نواتج المسارات الأيضية بالجسم Metabolites وقياس هرمونات النسيج الدهني مثل هرمون أديبونيكتين Adiponectin للتنبؤ المبكر بالسكري أو مضاعفاته.
والمعروف أن ظهور أعراض السكري من النوع الثاني يسبقها إخفاقات طويلة المدى تصل إلى عدة سنوات في المسارات الأيضية المتعلقة بسكر الغلوكوز بالجسم، وقد أثار هذا الأمر فضول العلماء للبحث عن تقنيات دقيقة لقياس مستويات نواتج عمليات الأيض وتحديد الإخفاقات الأيضية Metabolic errors التي تصيب الجسم في وقت مبكر للتنبؤ بالإصابة المستقبلية المحتملة بالمرض وإتاحة الفرصة لوضع استراتيجيات فعالة للوقاية والعلاج المبكر قبل ظهور أعراض المرض أو مضاعفاته.
الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي:
اختبار الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي HbA1c يقيس النسبة المئوية لجزيئات الهيموغلوبين الحاملة للأكسجين في خلايا كرات الدم الحمراء التي يكون الغلوكوز ملتصقا بها وهو الاختبار المفضل لدى الملايين من الأطباء لقياس مدى التحكم في نسبة الغلوكوز لدى المصابين بالسكري.
وهو اختبار بسيط بالدم لا يحتاج إلى إجراءات الصيام المعتادة لقياس السكر بالدم ويعبر عن قيمة الاختبار بنسبة مئوية يتم تحويلها من خلال جداول محددة إلى قيمة رقمية تشير إلى متوسط مستوى الغلوكوز بالدم خلال فترة ثلاثة أشهر سابقة للاختبار.
وفي عام 2010 أوصت الجمعية الأميركية للسكري ADA باعتماد اختبار الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي كأحد الاختبارات المسحية Screening test للتشخيص المبكر لمرض السكري بين البالغين والأطفال، واعتبار نسبة الاختبار أعلى من 6.5% مؤشرا على حدوث السكري وفي حالة تراوح النسبة بين 6 إلى 6.4% في اختبارين منفصلين تشير إلى حالة ما قبل السكري Prediabetes.
التنبؤ بالسكري:
* تم تطوير اختبار بالدم للتنبؤ بالسكري قبل حدوثه بـ10 سنوات، ففي دراسة نشرت خلال شهر مارس (آذار) 2011 في مجلة «كنتشر ميديسن»، أكدت تمكن فريق من الباحثين بجامعة ماساتشوستس الأميركية من التوصل إلى طريقة جديدة تعتمد على قياس 5 أحماض أمينية بالدم للتنبؤ بحدوث السكري من النوع الثاني قبل حدوث المرض بنحو 10 سنوات لدى عامة السكان. كما تستطيع أيضا تحديد احتمالات الإصابة المستقبلية لدى الأشخاص الذين يعانون من المخاطر التقليدية للإصابة بالمرض مثل مرضى السمنة وزيادة الوزن وتشحم الكبد ومقاومة الجسم للإنسولين.
اعتمدت الدراسة على تحليل قاعدة بيانات لنحو 2400 شخص بالغ خضعوا لدراسة فرعية مشتقة من دراسة فرامنغهام الشهيرة لدراسة عوامل الخطورة المتعلقة بأمراض القلب، بين أعوام 1991 إلى 1995، أصيب 200 منهم بمرض السكري من النوع الثاني خلال فترة المتابعة التي استمرت على مدار 12 عاما.
الاحماض الامينية و مرض السكري:
قام الباحثون بمقارنة قياسات 61 مادة كيميائية ناتجة عن عمليات التحول الأيضي بالدم لمجموعة الأشخاص الذين أصيبوا بالسكري من النوع الثاني ومجموعة مماثلة من نفس النوع والعمر وعوامل الخطورة التقليدية المؤدية لكنهم لم يصابوا بالمرض.
وأكدت النتائج العلاقة بين ارتفاع مستويات الأحماض الأمينية (آيسوليوسين Isoleucin، ليوسين Lucein، فالين Valne، تيروسين Tyrosine، فينيل ألانين Phenylalanine) وزيادة مخاطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني بنحو 4 أو 5 أضعاف كما أكدت أن قياس عدة أحماض أمينية (3 على الأقل) يزيد فرص التنبؤ بالإصابة مقارنة بقياس حمض أميني واحد.
ويفسر الباحثون العلاقة بين ارتفاع الأحماض الأمينية بالدم وزيادة مخاطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني إلى احتمال تأثير ارتفاع هذه الأحماض الأمينية بشكل سلبي على المسارات الأيضية المتعلقة بالغلوكوز أو المساهمة في إحداث سمية مزمنة مدمرة للميتوكوندريا (مصادر الطاقة بالخلايا)، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى حدوث خلل أيضي يواكبه ظهور أعراض المرض.
هرمون النسيج الدهني:
كما أكدت دراسة تحليلية نشرت خلال شهر يوليو (تموز) 2009 في دورية رابطة الجمعية الطبية الأميركية «JAMA» العلاقة بين انخفاض مستوى هرمون «أديبونيكتين Adiponectin» بالدم وزيادة مخاطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني وذلك طبقا لتحليل نتائج 13 دراسة أجريت على أكثر من 14 ألف شخص وأكثر من 2600 حالة مصابة بالسكري من النوع الثاني.
واعتبر الباحثون انخفاض مستوى هرمون أديبونيكتين بالدم إنذارا بالإصابة المستقبلية بالسكري من النوع الثاني كما أشاروا إلى أهمية استخدام قياس الهرمون لتمييز الأشخاص الذين قد يستفيدون من التداخلات العلاجية لاضطرابات النسيج الدهني Adipose tissue dysfunction ومضاعفاته الأيضية ومنها الإصابة بالسكري من النوع الثاني.
ويفرز هرمون أديبونيكتين، الذي اكتشف حديثا عام 1994 م من قبل النسيج الأديبوسي (الدهني) بالجسم إلى مجرى الدم ويلعب دورا مهما في تنظيم عمليات التحول الأيضي المتعلقة بالغلوكوز وتكسير الأحماض الدهنية. وتتناسب قياساته عكسيا مع نسبة الدهون في أجسام البالغين بدرجة أكثر وضوحا من الأطفال وحديثي الولادة، كما يلعب دورا مهما في منع الاضطرابات الأيضية المؤدية إلى حدوث السكري من النوع الثاني والسمنة وتصلب الشرايين وتشحم الكبد غير الكحولي NAFLD ومتلازمة الأيض Metabolic syndrome.