فتاوى خاصة لذوى الاحتياجات الخاصة

(السؤال 2) ينهج بعض آباء الأطفال المعاقين نهجاً معيناً، وذلك بإيواء أطفالهم بمراكز المعوقين الداخلية، ما موقف الدين الإسلامي من هذا التصرف؟
الجواب: لا بأس بذلك، وحيث أن الحكومة أيدها الله تعالى قد أولت المعاقين عناية كبيرة، وهيأت لهم مراكز لتربيتهم وتغذيتهم وحضانتهم، والقيام بشؤونهم وحاجاتهم، فإن على الآباء أن يسجلوا أولادهم المعاقين في المراكز الحكومية، وذلك لراحتهم وإيوائهم ورعايتهم، وحتى لا يتكلفوا بنفقة الحضانة والعلاج ونحو ذلك، ومن اختار منهم أن يؤوي ولده في مراكز أخرى، أو يتولى علاجهم بنفسه فلا حرج عليه في ذلك، والدين الإسلامي لا يمنع من إيواء الطفل في مراكز داخلية أو خارجية. أجاب عنه فضيلة الشيخ ابن جبرين _ حفظه الله _
 
(السؤال 3) إذا كان لدي أخ أصم وأبكم فهو لا يسمع ولا يتكلم كما هو معلوم ، وطبعا لا يعرف شيئا عن الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا يعرف شيئا عن أحكام الإسلام ولا يعرف شيئا من القرآن . كيف يكون التوجيه والحالة هذه؟
الجواب: هذا لا بد أن يفعل معه ما يعلم به عقله بالإشارة إذا كان بصيرا . وينبغي أن يعلم الصلاة بالفعل؛ فيصلي عنده وليه أو غيره ويشار له أن يفعل هذا الفعل ، مع بيان الأوقات بالطريقة التي يفهمها أو بتعليمه الصلاة كل وقت بالفعل بعد أن يعلم أنه عاقل ، ويكتب له إن كان يعرف الكتابة حقيقة العقيدة الإسلامية وأركان الإسلام مع بيان معنى الشهادتين . وهكذا بقية أحكام الشرع توضح له كتابة . ومن ذلك أحكام الصلاة من الوضوء والغسل ومن الجنابة وبيان الأوقات وأركان الصلاة وواجباتها وما يشرع فيها وبيان السنن الراتبة وسنة الضحى والوتر إلى غير ذلك مما يحتاجه المكلف لعله يستفيد من الكتابة . ومتى علم عقله بأي وسيلة ، ثبت أنه من المكلفين إذا بلغ الحلم بإحدى علاماته المعلومة ولزمته أحكام المكلفين حسب علمه وقدرته . أما إن ظهر من حاله أنه لا يعقل فلا حرج عليه ، لأنه غير مكلف ، كما جاء في الحديث الصحيح : رفع القلم عن ثلاثة الصغير حتى يبلغ والمعتوه حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ أجاب عنه سماحة الإمام ابن باز _ رحمه الله _(( مجموع فتاوى ومقالات /الجزء الخامس ))
 
(السؤال 4) ما حكم إستخدام الصور لتعليم الطلاب الصم أمورهم الدينية، مثل تعليمهم الصلاة؟
الجواب: يجوز ذلك للحاجة الماسة، فإن الصم البكم لا يسمعون ولا ينطقون، فيلاقي المعلم صعوبة في إفهامهم وإيصال المعلومات إلى أذهانهم، ففي الصور المرسومة تقريب للمعنى، ووسيلة إلى تصور المراد، وإدراك المتصور منه كرسم القيام في الصلاة، وقبض اليدين على الصدر، وكتابة اسم ( قيام ) ورسم الركوع وكتابة كلمة ( ركوع ) وهكذا بقية الأعمال إذا توقف الفهم على الرسم، واستخدام الصور المرسومة، سواء على السبورة أو على ورقة ونحو ذلك. أجاب عنه فضيلة الشيخ ابن جبرين _ حفظه الله _
 
(السؤال 5) هل الصم والبكم مكلفون وعليهم أداء الواجبات الشرعية ؟
الجواب: الحمد لله أوضح سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أن الولد الأبكم والأصم إذا كان قد بلغ الحلم يعتبر مكلفاً بأنواع التكاليف من الصلاة وغيرها ، وأضاف أنه يعلم ما يلزمه بالكتابة والإشارة لعموم الأدلة الشرعية الدالة على وجوب التكاليف على من يبلغ الحلم وهو عاقل ، ويحصل البلوغ بإكمال خمسة عشر عاماً أو بإنزال مني عن شهوة في الاحتلام أو غيره وبإنبات الشعر الخشن من حول الفرج وتزيد المرأة أمراً رابعاً وهو الحيض . ودعا سماحته ولي أمر الأصم الأبكم إلى أن يؤدي عنه ما يلزمه من زكاة وغيرها من الحقوق المالية وعليه أن يعلمه ما يخفى عليه بالطرق الممكنة حتى يفهم ما أوجب الله عليه وما حرم عليه . واستشهد سماحته بقول الله سبحانه : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) التغابن/16 ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) وبين سماحته أن المكلف الذي لا يسمع أو لا ينطق أو قد أصيب بالصمم والبكم عليه أن يتقي الله ما استطاع بفعل الواجبات وترك المحرمات . إن عليه أن يتفقه في الدين حسب قدرته بالمشاهدة والكتابة والإشارة حتى يفهم المطلوب كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله . م/9 ص/336.
 
(السؤال 6) الشخص المتخلف عقلياً البالغ هل يجب على النساء أن يتحجبن عنه؟
الجواب: إذا كان التخلف شديداً، بحيث لا يعقل ولا يفهم، ولا يدرك المعاني وليس له الشهوة التي تبعثه إلى النظر واللمس ونحو ذلك، ولا همة له نحو النساء، بل هو كالطفل او أقل حالة، فلا حاجة إلى التحجب عنه، ويدخل في قوله تعالى ( أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال) (النور:31) أما إذا كان يعقل بعض هذه الأشياء، وله ميل إلى النساء، ويظهر من كلامه أنه يحس بشهوة، فلا يمكن من دخوله على النساء، ويلزمهن التحجب عنه، لقصة ذلك المخنث الذي قال لأخي أم سلمة: إذا فتحتم الطائف فإني سأدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أرى هذا يعرف ما ها هنا لا يدخل عليكن " رواه البخاري وغيره والله أعلم. أجاب عنه فضيلة الشيخ ابن جبرين _ حفظه الله
 
(السؤال 7) ما حكم إجراء عملية لتعقيم الأشخاص المصابين بأمراض وراثية خطرة، ثبت انتقالها من السلف إلى الخلف، مع العلم بأن إجراء مثل هذه العملية لا تعطلهم عن القيام بأعمالهم اليومية كما أنها أيضاً لا تؤثر على أجسامهم أو عقولهم؟
الجواب: ينظر في تلك الأمراض الوراثية، فإن كانت خطرة بحيث تعوقهم عن العمل للدنيا، أو العمل للآخرة، أو كانت مؤثرة على الأبدان بمرض شديد، يؤثر على البدن ضعفاً في الجسم، وألماً في الأعصاب أو العظام، أو تعطيل شيء من الحواس، كحاسة الشم أو الذوق، أو البصر، ويصعب مع ذلك علاجها، أو لا تزول بالعلاج، وكان من خطرها أيضاً انتقالها إلى الجليس والمخالط، وثبت أيضاً انتقالها إلى الفروع كالذرية انتقالاً محققاً، ففي هذه الأحوال يجوز أن يعمل لأولئك الأشخاص عملية التعقيم الذي هو قطع النسل، حتى لا يتأثر المجتمع بذرية يحملون تلك الأمراض الخطرة التي تعوقهم عن العمل، أو تؤثر في أبدانهم، أو عقولهم، فيكونون عالة وكلاً على المجتمع، مع الإيمان بأن قدر الله غالب، وأن التعقيم قد ينجح وقد لا ينجح، فكم من عقيم قد ولد، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في العزل، وقال: " ما عليكم أن لا تفعلوا فإنه ما من نفس منفوسة إلا الله خالقها " وأن الله تعالى قد علم عدد من سوف يولد، ومن سوف يخلق إلى يوم الدين، ثم لابد أن تكون تلك العملية لا تعوقهم عن أعمالهم اليومية، ولا تؤثر على أجسامهم، ولا على عقولهم. أجاب عنه فضيلة الشيخ ابن جبرين _ حفظه الله_
 
(السؤال 8) ما حكم أن يوصي الأب بجزء معين من تركته لولده المعاق ؟
جواب فضيلة الشيخ ابن جبرين: لا يجوز أن يخص أحداً من أولاده بشيء زائد على إخوته إلا لمبرر، ولا شك أن كونه معوقاً مما يسوغ أن يخص بشيء يناسبه كمنزل وقف ونحوه، فأما التمليك فأرى أنه لا يجوز، لحديث : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم .
 
(السؤال 9) هل يدخل المعاقون ضمن الفئات المخصصة للزكاة ؟
جواب فضيلة الشيخ ابن جبرين: إذا كان المعوق لا يقدر على الكسب ولا العمل وليس له من ينفق عليه من أب أو أخ أو أحد عصبته الذي يرثونه، فإنه أهل للزكاة، ويدخل في الفقراء والمساكين، فأما إن كان أحد ورثته ثرياً فإنه يلزم بالنفقة عليه، ولا يستحق الزكاة، أو كان يحسن صنعه كناسخ أو كاتب أو محترف بخياطة أو خرازة أو تجارة ونحو ذلك، فإنه لا تحل له الزكاة ، وذلك إن كثيراً من المعاقين معهم ذكاء وفطنة ، فتعلموا وعملوا في أعمال يدوية يستطيعون مزاولتها وهم قعود، ويكتسبون منها مالاً كافياً لهم، فهو أولى من اعتمادهم على ما في أيدي الناس، فإذن أحل وأطيب ما أكل الرجل من كسب يده والله أعلم .
 
(السؤال 10) ما حكم استخدام بعض العبارات التي قد يقولها أحد والدي الطفل المعاق للاحتجاج على هذا القدر؟
الجواب: لا مانع من الكلام مع الطفل المعاق بما يخفف عنه الحزن، وكذلك لا بأس بأن يتكلم أحدهما مع الناس بمثل قوله: هذا قدر الله وخلقه، ولا راد لما قضى، وقد رضينا بتدبيره، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وقدر الله وما شاء فعل فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه يخلق ما يشاء فاوت بين خلقه لتعرف نعمته، ويشكره المعافون، ويعترفون بفضله عليهم، فأبواه قد يصيبهما الحزن عند ما يولد هذا المعوق الناقص في الخلقة، ولكن يجب الرضاء بقضاء الله تعالى وقدره، ويحرم الاعتراض على الله في خلقه، والتسخط لعطائه، ويصبر ويحتسب، ليحصل له الأجر الكبير على تحمله ما تحمله من الأذى والتعب والمشقة، وفي ذلك خير كثير. أجاب عنه فضيلة الشيخ / ابن جبرين _ حفظه الله _ .

اقرأ أيضا:  الاعاقة السمعية : التقييم الاجتماعي للصم

(السؤال 11): امرأة ولدت في شهرها السادس بطفل مكتمل النمو ما عدا البصر، ويوجد مشاكل في الجهاز التنفسي للطفل (الرئة)، وأدخل هذا الطفل العناية المركزة، وقد قال الأطباء: إنه لو عاش سيصبح شبه معاق وأنه سيعيش كفيفاً ولن تكون لديه المقدرة على الإدراك، وسيكون حجمه أقل من الطبيعي، وخيّروا أهل الطفل بأمرين إما بقاؤه في العناية وتحت الأجهزة، واحتمال عيشه بنسبة 50%، وإما سحب الأجهزة عنه، وبالتالي وفاته فاختار الأهل سحب الأجهزة، وذلك لكي لا يعيش معاقاً وما إلى ذلك، فبقي الطفل بعد سحب الأجهزة منه حوالي سبع ساعات ثم توفي. السؤال: هل العمل الذي فعله الوالدان صحيح، ولا يترتب عليه أمر محرم، وإذا ترتب عليه أمر محرم، فما الواجب فعله؟ أفتونا مأجورين، وجزاكم الله خيراً.
جواب فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة: ما فعله الوالدان خطأ يجب عليهم التوبة والاستغفار منه، إلا أن يكون المستشفى مضطراً إلى سحب الأجهزة لوجود مريض أحوج من هذا الطفل وأرجى. فإن كان الوالدان وافقا على سحب الأجهزة بغير ضرورة – كما ذكرت – فأرى أن عليهما الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجدا فصيام شهرين متتابعين. والله أعلم.

(السؤال 12) سؤالي عن الأطفال الذين ولدوا وتعذّبوا وماتوا وهم صغار… فهم غير مكلّفين ؛ فإن كان البلاء لتكفيّر الذنوب ؛ فإنّه ليس لديهم ذنوب فتكفّر عنهم في الإبتلاء لأنهم غير مكلّفين . وإن كان عقاباً فهم لا يعاقبون لأنّهم غير مكلّفين ، ولكم جزيل الشكر والدعاء
جواب فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
المؤمن يؤمن بأن الله هو الخالق لهذا الكون المتصرف فيه بما شاء سبحانه وتعالى ، وأنه سبحانه وتعالى لا يسئل عما يفعل ، ومن أسماء الله الحسنى اسم الحكيم فلا يصنع شيئا سبحانه إلا لحكمة وبحكمة ، والانسان بعقله القاصر قد يدرك هذه الحكمة أو لا يدركها . وهذه المصائب التي تلحق الأطفال الصغار ليس بالضرورة أن تكون عقابا لهم بل تكون هذه الابتلاءات رحمة من الله بهم ، أو امتحانا لآبائهم ، فمن صبر ورضي فله الجنة ومن سخط فهو من أهل النار .
ويوضح فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد ـ من علماء المملكة العربية السعودية ـ بعضا من الحكمة في إيلام الله للأطفال فيقول فضيلته :
ـ يجب أن نعلم يا أخي أن أي مؤمن بوجود الله ، وكونه ربا خالقا، ولو كان هذا المؤمن بوجود الرب من غير المسلمين ، يعلم أن هذا الرب يتميز عن خلقه من جميع الوجوه فليس هناك مجال للمشابهة والمقارنة بينه وبين خلقه ولذا يقول الله تعالى : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) الشورى/11 .
ـ وإذا كان المالك للشيء في الدنيا يتصرف فيه كيف شاء دون أن يحاسبه الخلق على ذلك لأن هذا الشيء هو ملكه ؛ فإن الله الخالق الذي ليس كمثله شيء له أن يتصرف في ملكه كيف يشاء ، ونوقن ـ نحن المسلمين ـ أن ربنا الذي خلقنا له الحكمة البالغة التي لايمكن أن يتطرق إليها أدنى نقص بأي وجه من الوجوه ،بل وكل مؤمن بوجود الرب ، وقد رضي به ربا يلزمه أن يؤمن بذلك ، وإلا فهو يؤمن برب ناقص.
ومعلوم عند من له أدنى عقل وإيمان أن الرب لا يمكن أن يكون ربا حتى يكون كاملا من كل وجه بعيدا عن أي نقص ، وإلا فهو ليس برب على الحقيقة . ونحن بدورنا ولأننا خلق من خلق الله ، لا يمكن أن نصل إلى إدراك شيء يسير من حكمته إلا بعد تعليمه لنا فما علّمناه من حِكم أفعاله فهمناه ، و صدقناه . وما كتمه عنا مما اختص بعلمه آمنا به وعلمنا أنه لا يفعل شيئا إلا لحكمة عظيمة ،لأنه هو الحكيم العليم ، ولايمكن بحال أن يتطرق إلى قلوبنا احتمال أن نحاسبه على ما يفعل في ملكه وخلقه ، وإلا فقد تعدينا على مقام الربوبية وتعدينا طورنا ، وزعمنا أن بإمكاننا أن نعلم ما يعلمه سبحانه ، وهذا لايمكن أن يقوله إلا ملحد لايؤمن بوجود رب أصلا ـ نعوذ بالله من ذلك ـ .
ـ وإذا كنا نقر لأهل التخصص في تخصصهم ـ وهم من البشر ـ دون أن نناقشهم في ذلك كالأطباء والمهندسين وغيرهم ، وذلك لأن مستوانا التعليمي لا يسمح لنا بفهم كل ما يذكرونه ، فلأن نقر للعليم الذي لا يغيب عن علمه شيء بأن ما يتصرف به في شؤون خلقه ونحن لا نفهمه أنه هو الحكمة والصواب ولاشك ؛ من باب أولى وأحرى .
ـ إننا نحن البشر نعد من الحكمة أحيانا أن نفعل بعض الأمور المكروهة لنا لما فيها من الفائدة ، ولو لم نفعلها لأصبحنا متهمين بنقص الحكمة والعقل ، فمثلا المريض الذي يخاف على نفسه الهلاك ويعلم أن شفاءه بإذن الله إذا شرب هذا الدواء ، فإن الحكمة هي أن يشرب ذلك الدواء ولو كان مُراً ، ولو لم يشربه لعد تقصيرا منه ونقصا في عقله ، وهكذا في أمور كثيرة في حياتنا نفعلها ونحن لها كارهون لما يترتب عليها من المصالح .
ولله عز وجل المثل الأعلى ، وليس هناك مجال لقياسه على خلقه ، فهو يفعل سبحانه في ملكه بعض ما يبغضه لما يترتب على ذلك من الحكم العظيمة ؛ التي نعجز عن إدراكها أو كثير منها .
وقد تتضح لنا بعض الحكم اليسيرة ، وذلك من رحمة الله بعباده المؤمنين أن يريهم بعض حكمه في الدنيا لتطمئن قلوبهم ، فمثلا لو أردنا أن نلتمس بعض ما يمكن أن نفهمه من بعض الحكم من خلق الله للصبي ثم وفاته بعد ذلك ، فربما لو عاش هذا الصبي لارتكب الموبقات والمعاصي العظيمة ، فأوجب له ذلك الخلود في النار أو دخولها مدة طويلة ، أو إغواء غيره كأبويه كحال الغلام الذي قتله الخضر في قصته مع موسى عليه السلام ( وهي في سورة الكهف ) .
كما أنه ربما لو عاش هذا الصبي لتعرض لمتاعب كثيرة يكون الموت بالنسبة لها رحمة من الله .
وأيضا فلو خلقه معاقا مثلا فربما منعته هذه الإعاقة عن كثير من المعاصي التي لولاها لفعل هذه المعاصي فعوقب عليها يوم القيامة .
ـ كما أنه ليس بالضرورة أن يكون كل مرض أو إعاقة عقوبة ، بل قد تكون امتحانا لوالديه ، فيكفر الله عنهم من سيئاتهما ، أو يرفع في درجاتهما في الجنة إذا صبرا على هذا البلاء ، ثم إذا كبر هذا الصبي يمتد الامتحان له ، فإن صبر مع الإيمان فقد أعدّ الله للصابرين أجرا عظيما لايمكن أن يقدر ولا يحسب ، فقال سبحانه ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب) الزمر/10 ، ونحن المسلمين لا تنتهي حياتنا بوفاتنا بل نحن نؤمن أن وراء الموت جنة ونارا ، هي التي فيها الحياة الحقيقية ، فأهل الخير يجدون جزاء ما عملوه من الخير في الدنيا بانتظارهم عند الله ، وأهل الشر كذلك ، فلا يمكن أن يستوي الطيب والخبيث ، وهكذا فمن ابتلي وصبر لا يمكن أن يضيع هذا الصبر عند الله ، بل ربما يتمنى الذي لم يصب في الدنيا بمثل مصيبته أن يكون قد أصيب بمثل مصابه لما يرى له من المكانة العظيمة .
والأدلة على هذا كثيرة في الكتاب والسنة فمنها :
قوله سبحانه ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) البقرة/155 .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ " رواه مسلم .
وبهذا يتبين لك أن المصائب التي تجري على الأبرياء في نظرنا ، بل وعلى جميع الناس ليس بالضرورة أن تكون عقوبة ؛ بل قد تكون رحمة من الله لكن لأن عقولنا قاصرة فإننا في كثير من الأحيان نعجز عن فهم حكمة الله في ذلك ، فإما أن نكون مؤمنين بأن الله أعدل منا وأحكم وأعلم وأرحم بخلقه ، فنسلّم له ، ونرضى ونحن مقرين بعجزنا لمعرفتنا بحقيقة أنفسنا ، وإما أن نتبجح بعقولنا القاصرة ، ونغتر بأنفسنا الضعيفة ونأبى إلا محاسبة الله والاعتراض عليه ، وهذا لا يمكن أن يخطر بقلب أي مؤمن بوجود ربٍ خالقٍ مالك حكيم كامل من كل وجه . ولو فعلنا فقد عرضنا أنفسنا لغضب الله ومقته، ولن يضر الله شيئا .
ولذا فقد نبه الله على ذلك بقوله سبحانه: ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) الأنبياء.
ـ كما أن من ضعف الإنسان وقصر نظره ؛أن يقتصر على رؤية المصائب ، ولا يتفطن لما فيها من الفوائد ، ولا ينظر في بقية النعم الأخرى له وفيما حوله ، فنِعم الله على بني البشر لا تقارن بمقدار ما يصيبهم به من المصائب .ولو كان هناك إنسانٌ كثير الإحسان ولكنه لا يحسن أحياناً فإن نسيان إحسانه يعد من الجحود والنكران ، فكيف بالله سبحانه وله المثل الأعلى ، فكل تصرفاته في الكون هي خير ولا يمكن أن تكون شراً من جميع الوجوه.
وأيضاً فإن الأنبياء والرسل هم أحب الخلق إلى الله ومع ذلك فهم أشد الناس بلاء وأكثرهم مصائب ، فلماذا ؟ ليس عقوبة لهم ولا لهوانهم على ربهم ، ولكن لأن الله يحبهم فقد ادخر لهم كامل الأجر ليستوفوه في الجنة و كتب عليهم هذه المصائب ليزيدهم رفعة ودرجة. فهو سبحانه يفعل ما شاء كيف شاء متى شاء لا معقب لحكمه ولا راد لأمره وهو الحكيم العليم . والله أعلم .

اقرأ أيضا:  ماذا تعرف عن متلازمة اسبرجر ؟ Asperger syndrome

(السؤال 13) أختي حامل في الشهر الخامس وقد قرر الطبيب أن الجنين سيولد معاقاً، فعل يجوز لها إسقاط الحمل ؟
فتوى فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين:
لقد اتفق العلماء على عدم حواز الإجهاض بعد الشهر الرابع من الحمل أي بعد مضي مائة وعشرين ليلة حيث تنفخ الروح في الجنين ، لحديث عبد الله بن مسعود: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويأمر بأربع كلمات ، يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد ) رواه البخاري ومسلم .
ومن العلماء من حرم الإجهاض قبل الأشهر الأربعة أيضاً ، وهذا هو الحق إن شاء الله ، فلا ينبغي لامرأة مسلمة أن تجهض مولودها إلا إذا ثبت أن هناك خطراً محققاً على حياة الأم ، ويعتبر في تحديد هذا الخطر قول الطبيب الحاذق الثقة.
وأما إخبار الطبيب بأن المولود سيكون معاقاً فإن هذا الأمر لا يجيز الإجهاض ، وعلى هذه المرأة أن تصبر وتحتسب ، وإذا وقع الإجهاض منها فإن ذلك يعتبر جريمة موجبة للغرة – وهي دية الجنين وقدرها 212 جراما من الذهب- لأنه قتل لنفس محرمة وتلزمها كفارة القتل الخطأ عند بعض أهل العلم .
وينبغي على الأطباء أن يتقوا الله في النساء المسلمات فلا يجوز لهم أن يسهلوا لهن عملية الإجهاض إلا في الحالات التي يتهدد الخطر فيها حياة الأم لأن من شأن عملية الإجهاض فتح باب الفساد على مصراعيه ويلحق أضراراً بالغة في المجتمع المسلم .
والله أعلم
 
(السؤال 14) كيف يتغلب المعوق على إعاقته ويندمج في المجتمع ويصبح أكثر فاعلية حتى من الأصحاء؟
جواب فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي: لكي يتغلب المعوق على إعاقته يجب أن يعي أن الطريق مفتوح أمامه ، وأن من المعوقين ممن سبقوه قد تفوقوا في كثير من العلوم والفنون ، وعلى المجتمع أن يعطي للمعوق الفرصة للنهوض ، ولا يقاطعه ، أو يتجاهل دوره ——- التغلب على الإعاقة أمر يحتاج إلى وعي وثقافة، فعلى المعوق أن يعلم من بداية الأمر أن الطريق مفتوح أمامه، ونوعّي المجتمع أن يعامل هؤلاء بما يشجعهم ويقوي إرادتهم، لا يكونوا مع الزمن عليهم كما يقولون، بل عوناً لهم …
وأذكر هنا قول الله تعالى ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) العمى في الحقيقة ليس عمى البصر بل هو عمى البصيرة، فالإنسان قد يكف بصره ولكن إذا كان عنده بصيرة فإنه يستطيع أن يؤدي مهمته في الحياة ولا يعوقه ذلك أبداً، وقد رأينا كثيراً من المسلمين في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة ومن بعدهم أصيبوا بالعمى في أواخر حياتهم، سيدنا عبد الله بن عباس أصيب بالعمى في آخر حياته، وبعض الناس عيره بهذا فوقف بن عباس وقال: "أن يسلب الله من عيني نورهما ففي لساني وقلبي منهما نور، عقلي ذكي وقلبي غير ذي دخل وفي فمي صارم كالسيف مشهور"
سلبت نور العينين ولكن لم أسلب نور القلب، عندي قلب وعندي عقل وعندي لسان كالسيف، ورأينا في التاريخ الإسلامي أشياء كثيرة منها، تيمور لانك الحاكم المغولي الكبير الفاتح، فلانك يعني : الأعرج، ومع ذلك فتح الفتوح في العالم ووصل لما وصل إليه،
إننا لسنا في حاجة للوعي والثقافة فقط ، إنما نحن في حاجة أيضاً إلى الإيمان والإرادة، إذا الإنسان رزق الإرادة لا ينهزم أبداً ولا يقنط ولا ييأس "فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون).

موقع الاسلام اليوم- بيت الأسرة  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *