علاج السكر بالخلايا الجذعية
يعتبر علاج السكر بالخلايا الجذعية أحد أهم الأهداف التي يسعى إليها الباحثون في القرن الواحد والعشرين. وقد كثر الحديث عن أهمية هذا العلاج في شفاء مرضى الداء السكري تماماً، وعدم حاجتهم بعد الآن لحقن الإنسولين اليومية.
فما هي الخلايا الجذعية؟ وهل يشكل هذا العلاج أملاً ينقذ البشرية من الداء السكري أخيراً؟
ما هي الخلايا الجذعية؟
الخلايا الجذعية بالانجليزية Stem cells هي شكل من الخلايا الغير ناضجة والتي لم تتمايز بعد، ولكن ما يميزها هو قدرتها على التطور إلى مختلف أنواع الخلايا والقدرة على أداء وظيفتها على أكمل وجه. لذا فهي تعد مرشحاً قوياً لعلاج مرض السكري الذي يؤثر على ملايين البشر حول العالم وكذلك معالجة العديد من الأمراض المختلفة.
ما هي مصادر الخلايا الجذعية؟
يمكن الحصول على الخلايا الجذعية من العديد من المصادر المختلفة لإجراء الاختبارات المخبرية واستخدامها في العلاج ، ومن هذه المصادر:
- الأجنة.
- المشيمة.
- الحبل السري.
- نقي العظم.
- الخلايا الدموية.
- الأسنان.
ما هي أنواع الداء السكري؟
الداء السكري بشكل عام هو ارتفاع مستوى السكر في الدم بسبب خلل في وظيفة الخلايا بيتا أو الخلايا B الموجودة في البنكرياس. وظيفة هذه الخلايا هي تصنيع وإفراز الأنسولين اللازم لضبط سكر الدم. وللسكري نوعين مختلفين في آلية الحدوث والتدبير:
السكري من النوع الأول أو السكري الشبابي
هذا النوع من السكري يمكن أن يحدث في أي عمر، لكنه أشيع ما يحدث في سن الطفولة والمراهقة، يكون إفراز الجسم من الأنسولين قليلاً جداً أو معدوماً، بفعل اضطرابات مناعية ذاتية تصيب المريض.
فتقوم مناعة الجسم بشن هجمات وتعمل على تدمير خلايا بيتا أو خلايا β المنتجة للأنسولين في جزر لانجرهانز داخل البنكرياس، وهذا يعني أنه يحتاج إلى جرعات يومية من حقن الإنسولين للمحافظة على مستوى طبيعي لسكر الدم.
السكري من النوع الثاني
ويمثل هذا النوع ما يقارب 90% من مرضى الداء السكري حول العالم. وتشيع نسبة الإصابة به عند البالغين بسبب السمنة الزائدة ونظام الحياة الغير صحي.
يكون إفراز هرمون الإنسولين طبيعياً في هذا النوع، لكن الجسم غير قادر على استخدامه لضبط مستوى سكر الدم. وذلك بسبب مقاومة خلايا الجسم للأنسولين الذي ينتجه البنكرياس.
حجر الأساس في علاج السكري من النوع الثاني هو نمط الحياة الصحي، والذي يشمل ممارسة الرياضة والنظام الغذائي الخاص. فيما يحتاج العديد من المرضى إلى الأدوية الفموية و/أو جرعات الأنسولين للحفاظ على مستوى طبيعي لسكر الدم.
آلية علاج السكر بالخلايا الجذعية
يعمل فريق من الباحثين على استخدام الخلايا الجذعية في علاج الداء السكري وذلك باستبدال أو تجديد الخلايا بيتا في البنكرياس. وهناك آليتين مختلفتين لعلاج السكر بالخلايا الجذعية:
زراعة الخلايا الجذعية
يتم زراعة الخلايا الجذعية في جسم المريض، لترتبط بنسيج البنكرياس الغير فعال، ثم تتطور لتشكل خلايا بيتا جديدة، ويستمر ذلك حتى تتشكل نسبة طبيعية من هذا الخلايا في الجسم.
تطوير خلايا بيتا مخبرياً
حيث يتم في هذه الطريقة نمو الخلايا الجذعية وتطويرها في المختبر لتصبح خلايا منتجة للأنسولين، ثم يتم استخدامها لتجديد خلايا البنكرياس الغير فاعلة في جسم المريض.
باستخدام هذه التقنيات يمكن السيطرة بنجاح على داء السكري من النمط الأول، وبدون الحاجة لأي مساعدة من خلايا المريض.
بينما في مرضى الداء السكري من النمط الثاني فإن الخلايا الجذعية تعمل على دعم الخلايا بيتا للمريض، وبهذا تتغلب على مقاومة أجسام هؤلاء المرضى لهرمون الإنسولين.
ما مدى فعالية علاج السكر بالخلايا الجذعية ؟
على الرغم من التقدم الكبير في الأبحاث الجينية في مجال الطب وخاصة علاج السكر بالخلايا الجذعية، إلا أن هذه الأبحاث ما زالت تحتاج إلى مزيد من الوقت للنجاح في تقديم العلاج الشافي للداء السكري بنوعيه.
فقد تبين أن الخلايا الجذعية الجنينية نجحت في تجديد الخلايا بيتا، لكن ما زال هناك رد فعل مناعي ذاتي على هذه الخلايا لمرض السكري من النوع الأول. ومقاومة على الأنسولين عند مرضى السكري من النوع الثاني.
وعادةً هناك حاجة لعلاج إضافي للتأكد من أن الجسم لن يحارب الخلايا الجديدة، ويستجيب لها في إنقاص مستوى سكر الدم للحدود الطبيعية.
العلاج المشترك بالخلايا الجذعية والأدوية
حتى يستخدم العلماء الفئران لتجربة هذه التقنية تم وضع الفأر على نظام غذائي مرتفع الدسم والكربوهيدرات. لتظهر أعراض الداء السكري من النوع الثاني عليه مثل السمنة، سوء تحمل السكر والمقاومة على الأنسولين. فيما ارتفعت مستويات سكر الدم لديهم إلى قيم مرتفعة جداً.
ثم قاموا بزراعة خلايا جذعية جنينة في الفأر وتطورت هذه الخلايا ببطء إلى خلايا منتجة للأنسولين. وبعد بضعة أشهر بدأت علامات التحسن تظهر على الفأر وخاصةً في تنظيم مستوى سكر الدم ولكنها لم تكن كافية.
لذا لجأ العلماء إلى إضافة العلاج الدوائي كمتمم لزرع الخلايا الجذعية، ليلاحظوا تحسن مذهل في قدرة الفأر على المحافظة على سكر دم طبيعي، وتخلصه من الوزن الزائد في جسمه.
هل يمكن تطبيق علاج السكر بالخلايا الجذعية على البشر؟
رغم نجاح التجارب المخبرية بنسبة عالية، لكن ما زال علماء الخلايا الجذعية مترددين في تطبيق هذا العلاج على البشر. وذلك بسبب بعض الحالات التي تطورت بها الخلايا الجذعية إلى خلايا مفرزة للأنسولين ولكنها لم تعمل بطريقة سليمة.
ففي بعض الحالات كانت هذه الخلايا تفرز مقادير عالية من الأنسولين، وفي حالات أخرى لم تفرز مقادير كافية منه.
يعمل العلماء على تطوير خلايا بيتا أكثر حساسيةً لمستوى السكر في الدم، وقادرة على إفراز المقدار الملائم من الأنسولين. ثم يجب تطوير آلية لضمان سلامة هذه التقنية وإجراء التجارب السريرية الكافية قبل تطبيق هذه التقنية في علاج مرض السكري بالخلايا الجذعية البشرية .
دور الخلايا الجذعية لعلاج اختلاطات الداء السكري
اقترح العلماء الاستفادة من خصائص الخلايا الجذعية العديدة في علاج اختلاطات الداء السكري. ومن أشيع هذه الاختلاطات اعتلال الشبكية السكري، اعتلال الأوعية المحيطية، اعتلال الكلية السكري والاعتلال العصبي السكري. وقد لوحظ تحسن هام في هذه الاختلاطات بزرع Stem cells.
اعتلال الشبكية السكري
يحدث اعتلال الشبكية السكري بسبب ضعف وتمزق الأوعية الدموية فيها بفعل التنكس العصبي السكري في نسيج الشبكية، وبسبب معدلات الموت العالية لخلايا الشبكية، فإن الحل الأمثل يكون باستبدال هذه الخلايا.
وقد أثبتت الدراسات أن زرع الخلايا الجذعية العصبية في فئران مصابة باعتلال الشبكية السكري، أدى إلى استعادة الرؤية وضمان طويل الأمد لوظيفة الشبكية لديها.
اعتلال الأوعية المحيطية
على الرغم من التطور الكبير في العلاج السريري والجراحي لهذا الاختلاط ، إلا أن العلاج بالخلايا الجذعية قد يكون له دوراً هاماً في استعادة الجريان الدموي الطبيعي والحد من نقص التروية.
فقد لوحظ في التجارب على الحيوانات إفراز الخلايا الجذعية لعوامل نمو الاوعية الدموية. وفعاليتها في علاج الداء الإكليلي واختلاطات الداء السكري.
الاعتلال العصبي السكري
لوحظ في الدراسات دور الخلايا الجذعية في علاج اعتلال الأعصاب عند مرضى السكري، وذلك عبر إعادة تشكل الأوعية المغذية للأعصاب واستعادة مادة الميلين Myelin حول الأعصاب.
اعتلال الكلية السكري
وهو من أشيع أسباب حدوث القصور الكلوي، ويحدث بسبب تغيرات في البنية الطبيعية للنسيج الكلوي. وقد أثبتت التجارب فائدة زرع الخلايا الجذعية في علاج هذا الاختلاط واستعادة الوظيفة الكلوية الطبيعية. وذلك بالآليات التالية:
- إصلاح وترميم النسيج الكلوي.
- تعديل الاستجابة المناعية.
- تأثيرها المانع للتليف.
بسبب هذه النتائج الإيجابية المشجعة للتجارب المخبرية، فقد أعطى العلاج بالخلايا الجذعية أملاً كبيراً لمرضى الداء السكري حول العالم في الشفاء التام ، واستعادة حياتهم الطبيعية في المستقبل القريب.