تسونامي البدانة
بقلم: د. فادي رضوان
حَقائق وأرقام عن مُشكلةِ العصر الصّحية
شهدَ العصرُ الحديث، مع انطلاق الثّورة الصّناعية في أوربّا، تغيرات هائلة في عاداتِ الناس وسُلوكهم اليوميّ. صحيحٌ أنّ البدايَة كانت في الغرب الأوربي، غيرَ أنّ انطلاقة عصرِ الأنوار الأوربيّ سرعان ما وجدت أصداءً وتجاوباً في كافّة أنحاء المَعمورة، حتّى صار العلم ومعايير الأتمتة والتقانة مِعياراً عالميّاً لقياس مدى تحضّر الأمم ومُسايرتها للعصر.
كانت انعكاسات دُخول الآلات والأتمتة لاحقاً ووسائِل الإنتاج الزراعيّ العلمي والتّطوّرات الطبية العلمية هَائلةً على صحّة البشر.
فمن النواحي الإيجابية شهدَ عصرنا الحديث قفزة نوعيّة في مُتوسّط العمر المأمول life expectancy للإنسان – وهو قياس إحصائي لمعدل السّنوات الإضافية التي قد يعيشها الفردُ إذا استمرّت اتّجاهات الوفاة الحاليّة على حالها – من عمر الثلاثين تقريباً في العصور الوسطى، إلى أن وصل لـ67,2 عالمياً في عام 2010. ورافق تلك القفزة الكميّة في أعمار البشر المتوقّعة، قفزةٌ نوعيّة في جودة حياتهم ومَدى الصحّة التي يعايشونها، فمع غزارة الإنتاج الزراعي وتنوّعه ومع تقدّمِ وَسائل النقل (عبر القارّات أحياناً) لتلك المنتجات، ناهيك عن القفزة الصحيّة الهائلة، أصبحت حياة الناس عامرة بالصحّة والرّخاء النسبي، مع توفر وقتٍ أكبر أمامهم للتسلية والنشاطات الذّهنية البعيدة عن تأمين القوت اليومي الشاق فيما مضى من عُهود.
غير أن تلك التحوّلات الهائلة في الوسائل المعيشيّة كانت أسرع من قدرة الإنسان على تعديل سُلوكه على نحوٍ يتلاءم مع رَغَد العيش وقلّة النشاط البدني الطارئان على حياته. فصار هناك خللٌ في معادلة “العرض والطلب” بلغة أهل الاقتصاد، فطلب الإنسان للطّعام لم ينخفض بالسّرعة الكافية لمجاراةِ معدّل انخفاض نشاطه البدني الحارق لما يستهلكه من الطّعام، بل إنّ ما حدثَ هو العكس تماماً، فقد ازدادت أمامه الخيارات الغذائية كماً ونوعاً، ومن هنا كانت بداية موجة تسونامي البدانة العالميّة.
ما هي البدانَة؟
عَرّف لسان العرب البدانة على أنّها الضّخامة وكثرة اللّحم، فجاء فيه أنّ “البدانة، وهي كثرةُ اللحم، وبَدُنْتُ أَي سَمِنْتُ وضَخُمْتُ”. وعرف “الصّحاح في اللغة” البدانة على نحوٍ مُشابه قائلاً “بَدَنَ الرجل بالفتح يَبْدُنُ بُدْناً، إذا ضَخُمَ. وكذلك بَدُنَ بالضم يَبْدُنُ بَدانَةً، فهو بادِنٌ، وامرأةٌ بادِنٌ أيضاً وبَدينٌ”. وعلى نفس المنوال عرّفت باقي قواميس اللّغة مفهوم البدانة. وقد يكون هذا التعريف البسيط للبدانة على أنّها ضخامة الجسم واكتنازه بالشّحوم كافٍ لقارئٍ ومتابع عامّ، لكنّه لا يفي بالمعايير العلمية والطبية الدّقيقة التي تحتاجُ لتعريفٍ دقيق موضوعي للبدانة يتجاوزُ وجهات النظر الذّاتية والحضارية، فمن يكون سميناً بالنسبة لثقافة ما قد يكون مُعتدلاً بالنسبة لثقافةٍ أخرى.
ولا حتّى التّعريف الطّبي البسيط للبدانة على أنّها تراكمٌ زائد للشّحوم تحت الجلد وفي الأنسجة الدّاخلية يحقق الآمال الطبية التي تحتاج لأرقام مُحدّدة تصف البدانة وتصنّفها على خفيفة أو متوسطّة أو شديدة، وذلك بهدف وصف مخاطر وتدبيرات كلّ فئة. من هنا نشأ أوّل تعريف طبّي “رقمي” مقبول للبدانة على أنّها وزن جسم للفرد أعلى بـ20% من مُتوسط وزن الفئة الجنسية والعمرية ذاتها، أو بأن تمثّل الشّحوم 16% أو أكثر من وزن الجسم الكلي.
لوضع معادلات تقدّرُ هذه الزيادة في شحوم الجسم اُبتكرت عدّة طرق لتقديرها، لعلّ أشهرها وأكثرها تداولاً وانتشاراً هو ما نعرفه باسم مُؤشّر كتلة الجسم Body Mass Index أو ما نعرفهُ اختصاراً بـ: BMI والذي يُقاس بتقسيم وزن الجسم (بالكيلوغرام) على مربّع الطول (بالمتر). وبحسب نتيجة هذه المعادلة البسيطة تُصنَّف الأوزان كما في الجدول التّالي:
قيمة الـBMI (كغ\م2) التصنيف
أقل من 18،5 نقص وزن
18،5-24،9 وزن صحي
25-29،9 فَرط وزن
30-34،9 بدانة 1 (معتدلة)
35-39،9 بدانة 2 (متوسطة)
40 أو أكثر بدانة 3 (شديدة)
ومع أنّ مؤشّر كتلة الجسم أداةٌ مفيدة لتقدير الوزن الصحي للجسم، غير أنّه لا يقيس النسبة المئويّة لدهون الجسم، ما قد يؤدي لبعض الأخطاء. فمثلاً قد يكون لدى الرّجل ذو العضلات المفتولة مؤشّر كتلة جسم مُرتفع، لكن يكون عنده شحوم جسم أقلّ بكثير من الشّخص غير الرّشيق الذي يكون عنده مؤشّر كتلة جسم أقلّ.
هناك قياساتٌ أخرى لقياس البدانة تهدف لتلافي بعض أخطاء مُشعر كتلة الجسم، أشهرها:
• سُمك الطيّة الجلدية Skin fold thickness: وهو إجراءٌ يقيس الدّهن تحت الجلد مباشرة بمسك طيّة جلدية والدّهن تحتها وقياسه باستخدام فرجار. ونستخدم هذه الطّريقة أساساً لقياس السّمنة النسبية والنسبة المئوية لدهون الجسم.
• قياس مُحيط الخصر ونسبة الخصر إلى الورك: نستخدمُ محيط الخصر أحياناً كقياسٍ بسيط لبدانة الجسم، رغم أنّه قد يعطي أخطاء في التّقدير. غير أنّ الأبحاث تقول أنّ المخاطر الصحية تزداد عندما يكون محيط الخصر أكثر من 94 سنتمتر عند الرّجال، وأكثر من 80 سنتمتر عند النساء. ونسبة محيط الخصر إلى الورك أقلّ شيوعاً من قياس محيط الخصر.
أضواء على مشكلة البدانة
عاماً بعد عام، تنوء مشكلة البدانة بثقلها على كافّة المجتمعات في العالم، لاسيما في الدّول التي أنجزت خطوات كبيرة في الرّخاء الاقتصادي. فالبدانة عامل خُطورة رئيسي كما تقول منظّمة الصحّة العالمية في الإصابة بعددٍ من الأمراض المزمنة، بما في ذلك السّكري والأمراض القلبية الوعائية والسّرطان. وتُلاحظ منظّمة الصحّة العالميّة أنّ مشكلة البدانة لم تعد مُنحصرة في الدّول ذات الدّخل المرتفع، بل إن الأرقام آخذة بالارتفاع على نحوٍ دراماتيكي في البلدان ذات الدّخل المتوسّط والمنخفض. كما نشرت مجلة “لانسيت” الطبية دراسة حديثة كشفت أنّ 30% من سكّان العالم يعانون من البدانة وفي العام 1980، كان هناك 857 مليون شخص يعانون من الوزن الزّائد أو البدانة، أمّا في العام 2013، فإن الرّقم كان يساوي 2.1 مليار شخص.
وتقول أرقام منظّمة الصحّة العالميّة أنّ هناك 3,4 مليون حالة وفاة في العالم سنويّاً تحدث بسبب كونهم مُفرطي الوزن أو بدينين.
والأمر اللافت للنظر كذلك أنّ مشكلة البدانة لم تعد منحصرةً بعالم الرّاشدين، بل باتت تقتحم بقوة عالم الأطفال، بل وعالم الأطفال الصّغار. فمنظّمة الصحّة العالمية تقدّر أنّ في عام 2012، كان هناك 40 مليون طفل تحت عمر الخامسة مُصابين بفرط الوزن في العالم. وفي الولايات المتّحدة الأمريكية تتحدّث أرقام مراكز ضبط الأمراض والوقاية منها CDC أنّ 17% من الأطفال والمراهقين الأمريكيين (أي 12,5 مليون) بين عمري 2-19 سنة يعانون من البدانة وفرط الوزن.
أمّا في الدول العربية فتشير الأبحاث إلى بلوغ البدانة في بعض الدّول العربية لأرقام هي بين الأعلى في العالم. فقد نشر الخبير السّعودي الدكتور فؤاد نيازي دراسة مؤخّراً أوضح فيها أنّ معدّلات السّمنة في المملكة العربية السّعودية ارتفعت بنسبة 30% خلال السّنوات العشر الأخيرة وقال إنّ نسبة السّمنة في النساء أكثر من الرّجال حيث أنّ 29% من الرّجال يعانون من زيادة الوزن فيما تعاني 37% من النساء من السّمنة وأكّد أنّ هذه النسب هي من أعلى المعدّلات في العالم خاصة بين النساء. وأوضحت دراسة أخرى أن معدّل زيادة الوزن هو 36.9 % من إجمالي السّكان بالسّعودية.
وفي مصر قال تقرير صادر عن وكالة «جلوبال بوست» الأمريكية عام 2009 أن المصريين احتلّوا المرتبة الأولى عربياً والخامسة عالمياً في قائمة أكثر ١٠ شعوب بدانة في العالم. وفي دراسة مصرية أجراها “معهد تكنولوجيا الأغذية” المصري حول السّمنة والتّوازن الغذائي، أشارت إلى أنّ السّمنة في مصر زادت بصورة كبيرة، حيث وصلت إلى 35,6% بين النساء في مقابل 32% من الأطفال المصابين بالتقزُّم الناتج عن سوء التّغذية، حيث شملت الدراسة 121 ألف أسرة مصرية من 20 محافظة من محافظات مصر.
إجمالي التقارير والأبحاث يشير إلى أنّ الدّول العربية لا تقف بمعزلٍ عن هذا التسونامي الآخذ باجتياح العالم بسرعةٍ هائلة وبمعدّلات كبيرة. ويطرح أمام الوزارات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني، ناهيك عن العائلات والأفراد، ضرورة الإسراع في اتخاذ إجراءات عاجلة تهدف للوقاية من داء العصر هذا، ووضع خطط علاجية له. صحيح أنّ البدانة من أكثر المشاكل شيوعاً في الممارسة الطبية، ورغم سهولة تشخيصها وتحديد أسبابها، فإنّها من أصعب الأمراض علاجاً، وأقلها شفاء أو تحسّناً على المدى البعيد. والتّصدّي لها يحتاج لتضافر جهود الكثير من الجهات وللتركيز على نشر برامج توعية صحيّة مستدامة.
المراجع
1. CIA—The World Factbook—Rank Order—Life expectancy at birth
2. http://www.baheth.info/all.jsp?term=%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%86%D8%A9
3. http://www.medicalnewstoday.com/info/obesity/
4. http://en.wikipedia.org/wiki/Obesity\
5. http://www.noo.org.uk/NOO_about_obesity/measurement
6. http://arabic.cnn.com/scitech/2014/06/03/5-studies-you-may-have-missed-33
7. http://www.who.int/topics/obesity/en/
8. http://www.cdc.gov/obesity/data/childhood.html
9. http://www.alulanews.com/news.php?action=show&id=778
10. http://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=235419
11. http://www.vercon.sci.eg/indexUI/uploaded/fatness111/fatness.htm
راااااااااااااااااااااااااااااااائع جدا