برامج التدخل المبكر الرئيسة مع الأطفال المعرضين لخطر الإصابة بالإعاقة العقلية
أولا / مشروع ابيسيدريان ( The Abecedarian Project) :
تأسس هذا المشروع في خريف عام 1972 في مركز تطوير الطفل بكارولينا الشمالية ولقد بدئ كمحاولة لتجميع فريق من الباحثين مختلفي الآراء الذين كان همهم توضيح أن الإعاقة العقلية يمكن الوقاية منها ، وان يفحصوا كيف أن العمليات البيولوجية والسيكولوجية تتأثر بالمحاولات الوقائية .
أما الأطفال المعنيون ، فقد حددوا حسب مؤشر الخطورة العالية الذي تم تطويره من قبل موظفي المركز ، واشتملت عوامل الخطورة علي الحالة التعليمية للام والأب ، ودخل العائلة ، وغياب الأب ، وسجل عمل الأب ، ونسبة ذكاء ألام والأب ، ومعلومات عن الاخوة والأخوات والعائلة الممتدة ، وصفات العائلة الأخرى .
وقد شارك في برنامج البحث أربع مجموعات ، وفي كل مجموعة ، تم تحديد أزواج متناظرة أو متطابقة من المشتركين بطريقة عشوائية للمجموعة التجريبية أو المجموعة الضابطة . ثم تم تزويد جميع المشتركين بإضافات غذائية وعناية مجانية ، لكن الذين طبق عليهم برنامج التدخل المبكر النهاري المكثف هم أفراد المجموعة التجريبية فقط .
وهذا التدخل الذي بدأ في الشهور الثلاثة الأولى من العمر استمر حتى اصبح الطفل مستعدا لدخول المدرسة ، ويتعلق بمشاركة الطفل في برنامج منظم وموجه للطفل بمعدل 6- 8 ساعات يوميا ، وبمعدل 50 أسبوعا في السنة .
وتركز مناهج التدخل علي تعليم أنواع متعددة من المهارات لأطفال المجموعة التجريبية . وحتى الثالثة من العمر ، فان الأطفال يتلقون مناهج تتألف من اكثر من 300 بند في المجالات اللغوية والحركية والاجتماعية والذهنية . وبعد سن الثالثة يتم التركيز علي مجالات العلوم والرياضيات والموسيقى والاستعداد للقراءة ثم القراءة . ويجري تعليم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 3 سنوات في الغالب بطريقة فردية ونسبة الأطفال إلى المعلمين في هذه المرحلة هي ( 3 : 1)
واما في المراحل اللاحقة ، فان التعليم يصبح بطريقة المجموعات الصغيرة ( حيث تصبح نسبة الأطفال إلى المعلمين 4 : 1 أو 5 : 1 ) .
ومع أن جميع جهود التدخل ننظر إليها الآن حسب ارتباطها بنظرية النظم العامة ، إلا أنها قد وجهت نحو الأطفال المعرضين لخطر الإصابة بالإعاقة العقلية اكثر من توجيهها نحو أمهاتهم وآبائهم وإخوانهم وعائلاتهم .
ونتيجة لذلك ، فان معظم نتائج البرنامج تخص الأطفال أنفسهم . واكثر النتائج ملائمة وثبوتا هي أن أداء أطفال المجموعة التجريبية كان اعلي بكثير في اختبارات الذكاء من أطفال المجموعة الضابطة في جميع مراحل العمر التي تزيد عن 18 شهرا . وفي التقرير الأخير وصلت ثلاث من المجموعات الأربع سن الخامسة ، بتفوق أطفال المجموعة التجريبية علي أطفال المجموعة الضابطة بزيادة تصل إلى 8 نقاط في نسبة الذكاء .
أما في مجال المهارات الاجتماعية ، وجد أن أطفال المجموعة التجريبية يتمتعون بثقة اجتماعية اكبر من أطفال المجموعة الضابطة عند سن 6 شهور و 12 شهر و18 شهر من العمر حسب مقاييس سجل سلوك الأطفال . كما وجد أيضا أن تجربة المشاركة في برامج التدخل ساعدت في جعل أطفال المجموعة التجريبية اكثر نشاطا واكثر فعالية في تفاعلهم مع أمهاتهم من أطفال المجموعة الضابطة .
ويبدو أيضا أن الأمهات قد تأثرن بالبرنامج النهاري لأطفالهن ، حيث اصبحن اكثر ثقافة وتعليم من أمهات المجموعة الضابطة مع أن التعليم كان متساويا عندما دخل الأطفال البرنامج أول مرة وليس من الواضح بالضبط لماذا حدثت هذه النتيجة أو سبب حدوث ذلك . فربما عبر الموظفون المركزون عن اهتمامهم بالتعلم بطريقة ذكية ، أو ببساطة لان أمهات أطفال المجموعة التجريبية كن غير مشغولات بالعناية بأطفالهن . ويبدو أيضا أن التحصيل الوظيفي عند أمهات المجموعة التجريبية قد تأثر إيجابيا بوضع الطفل تحت العناية النهارية الكاملة .
ويبدو أننا نستطيع أن نستنتج دون وجل أن هذا المشروع يعتبر مجهود معقولا ومتميزا يمثل حالة مثالية لاختبار القيمة المستقبلية للأسلوب التثقيفي قبل المدرسي ذي المنهج المركزي ، وكما نوه هؤلاء الباحثون فان الزيادات الصغيرة التي حدثت يمكن أن تحدث ببرامج اقل تركيزا وكثافة واقل تكلفة أي برامج تولي اهتماما وعناية اكبر للعوائد والكفاءات العائلية .
ثانيا / مشروع ميلوا كي ( The Milwaukee Project) :
الهدف من هذا المشروع تحديد هوية الأطفال المعرضين لأعلي درجة من الخطورة للإصابة بالإعاقة العقلية ، وتسجيلهم في برنامج مكثف من برامج التدخل المبكر ، ولقد كان المقياس الرئيسي لنتائج أطفال المجموعة التجريبية درجاتهم في اختبارات الذكاء ومجالات فردية متعددة مثل ( اللغة ) وذلك أثناء مشاركتهم في البرنامج واثناء التحاقهم بالمدارس الحكومية . بالإضافة إلى ذلك فقد تدخل العاملون في المشروع بأمهات أطفال المجموعة التجريبية أملين أن تصبح هذه الأمهات ذات الدخل المحدود قادرة في الحصول علي وظائف وان يربين أطفالهن بطريقة اكثر نجاحا .
ولقد بدا المشروع بمسح للإعاقة العقلية عند (سكان ميلوا كي ) ، ووجد أن الأحياء ذات الدخل المنخفض والأحياء الواقعة في وسط المدينة هي المناطق التي ترتفع فيها نسبة الإعاقة العقلية عند الأطفال اكثر من غيرها .
ولقد شمل المشروع نفسه 40 عائلة من ذوات الخطورة العالية ، من عائلات الطبقة السوداء ذات الوضع الاقتصادي المنخفض علي أن يكون الطفل حديث الولادة من أم ذات نسبة ذكاء تبلغ 75% أو اقل . ولقد وزعت العائلات الأربعين بطريقة عشوائية إلى مجموعتين إحداهما تجريبية والثانية ضابطة . فالعائلات الضابطة العشرون كانت تختبر بشكل دوري علي مدي السنين السبع التالية ، دون أن تقدم لهم أية خدمات . أما العائلات التجريبية العشرون ، فقد أدخلت في برنامج إعادة تأهيل واسع المجال مع التأكيد علي أمرين ، برنامج تعليمي مكثف للأطفال ، وخصوصا في مجالات اللغة وحل المشكلات ، وبرنامج إعادة تأهيل تعليمي ومهني للأمهات ، ولقد بدا البرنامج التعليمي لأطفال المجموعة التجريبية بعد أن بلغ الأطفال الشهر الثالث من العمر بقليل ، واحضر الأطفال إلى مركز خاص لمدة 8 ساعات يوميا طوال السنة . ولقد زود المركز بمدرسين دربوا خصيصا للعمل مع الأطفال الرضع ، حيث أن هذا التدخل كان مكثفا ومباشرا وملائما لمتطلبات كل طفل
لقد ركز هذا البرنامج علي إعادة تأهيل الأمهات علي مهارات التدريب علي الوظائف والقراءة والإدارة المنزلية لدي أمهات أطفال المجموعة التجريبية . ولقد شمل التدريب المهني كلا من التدريب الوظيفي وخدمات التوزيع علي الوظائف المناسبة ، بينما جري تعليم القراءة في فصول الكبار في المساء ، وقد كان التدريب علي مهارات الإدارة المنزلية اقل رسمية وذلك بزيارة الوالدين للباحثين المسؤولين عنهم عند الأزمات والمحن المتعلقة بالبيت أو العمل .
ولقد وجد أن نتائج برنامج Milwaukee شبيهة بنتائج مشروع Abecedarian وربما كانت اكثر وضوحا منه . فلقد كانت نسب الذكاء عند أطفال المجموعة التجريبية اعلي منها عند أطفال المجموعة الضابطة بما يقارب من ( 20- 30 ) نقطة في جميع الاختبارات التي جرت بعد الشهر الثامن عشر من العمر ، كما كانت المكاسب اللغوية عند المجموعة التجريبية واضحة وذات دلالة إحصائية .
وكانت نتائج الأنماط المختلفة للتفاعل الاجتماعي بين أمهات وأطفال المجموعة التجريبية إيجابية فقد استطاع أطفال هذه المجموعة أن يتحدثوا مع أمهاتهم وان يبادروا بالاتصال الشفوي بشكل اكبر من أطفال المجموعة الضابطة ولحد ما ، فان هؤلاء الأطفال النشطين كانوا هم الذين يقودون عملية التفاعل مع أمهاتهم ويأخذون زمام المبادرة فيها .
ثالثا / مشروع بيري قبل المدرسي ( Project Preschool Perry The) :
إن مشروع بيري قبل المدرسي والذي بدأ عام 1962م هو اقدم برامج التدخل التي عرضناها سابقا ، وهو البرنامج الوحيد من البرامج الثلاثة الذي قدم معلومات حول المكاسب التي حصل عليها المشاركون حتى التاسعة عشر من العمر لذلك ، فانه يتيح لنا تقييم الآثار طويلة الأمد لبرنامج تدخل مبكر ، مشتملا علي نتائج عدة اختبارات ، من تقييم الأطفال وتقييم المدرسين ، ومن الآثار أو النتائج التي تحدث خلال الحياة الحقيقية للأطفال .
وكذلك بالمقارنة بالبرنامجين الأخريين فان هذا المشروع قبل المدرسي بدأ تدخله باختيار أطفال معاقين آنذاك ، علي الأقل طبقا لتعريف الجمعية الأمريكية للإعاقة العقلية . حيث تم تجميع كل الأطفال الذين يبلغون السنه الثالثة من العمر في أحياء معينة ومحددة من ذوات الدخل المنخفض ثم طبق عليهم اختبار استنفورد بنيه للذكاء وحصر من تتراوح نسب ذكاءهم بين 70- 85 الذين عادة يعرفون بالفئة الحدية أو البينية للإعاقة العقلية .
ولقد قام مشروع بيري قبل المدرسي بتزويد خمس مجموعات من الأطفال الذين تبلغ أعمارهم ثلاث أو أربع سنوات ، ببرنامج تدخل مدته سنتان ، وادخل أطفال المجموعة التجريبية إلى البرنامج خلال مدة أربع سنوات ( 1962- 1965) عندما كانوا يبلغون السنه الثالثة من العمر ، وقضوا السنتين التاليتين في البرنامج . أما أطفال المجموعة الضابطة فقد كانوا يختبرون في فترات محددة . وكان البرنامج يتالف من عناية يومية مركزة وبجودة عالية لمدة ساعتان ونصف يوميا ، وزيارة منزلية لمدة ساعة ونصف كل أسبوع . وكانت النسبة بين المدرس والطفل 1 : 5 . ومع أن هذا المشروع قدم برنامجا مكثفا قبل المدرسة ، إلا أن طول اليوم الدراسي ( ساعتان ونصف ) وطول السنه الدراسية ( 30 أسبوعا ) وعدد سنوات البرنامج ( سنتان ) ، والعمر الذي دخل عنده الأطفال البرنامج ( 3 سنوات ) . كانت كلها مختلفة تماما عن كل من البرنامجين السابقين .
ونتائج مشروع بيري متوفرة الآن بعدة مقاييس للأطفال حتى السنة التاسعة عشرة من العمر . وبالنسبة للذكاء فلقد اظهر أطفال المجموعة التجريبية زيادة تبلغ 10-15 نقطة في درجات نسبة الذكاء عندما كانوا يبلغون السنة الرابعة والخامسة من العمر لكنهم بالتدريج فقدوا تفوقهم علي المجموعة الضابطة في السنوات الأخيرة . وبحلول السنه الثامنة من العمر انخفض تفوق المجموعة التجريبية إلى ادني مستوى له ( نقطتان إلى ثلاثة ) وبحلول السنه الحادية عشرة كانت المجموعتان متشابهتين تماما وهذه النتائج تتطابق مع النتيجة العامة لتلاشي مكتسبات أو ( زيادات ) نسبة الذكاء بعد انتهاء برامج التدخل المبكر .
ويبدو أن آثار البرامج علي درجات اختبار التحصيل وعلي المعايير المكاسب الحقيقية في الحياة واعدة وملحوظة . فقد كان أداء أطفال المجموعة التجريبية في اختبارات التحصيل افضل بكثير من أداء أطفال المجموعة الضابطة طوال المرحلة الابتدائية والمتوسطة من الدراسة .
كما وجد أن مشاركة أطفال المجموعة التجريبية في تصرفات وسلوك منحرف اقل من أطفال المجموعة الضابطة ، كما صنف المعلمون هؤلاء الأطفال علي انهم قد أقاموا علاقات مع زملائهم ومعلميهم افضل من العلاقات التي أقامها أطفال المجموعة الضابطة .
رابعا / مشروع ييل ( The Yale Project ) :
إن مشروع ييل يعد برنامجا نموذجيا ركز علي أمور مختلفة تماما . حيث انه برنامج دعم عائلي يتعلق بالخدمات الاجتماعية ، والعناية بالطفل ، والعناية اليومية التطوعية ، والخدمات النفسية لعشرين عائلة من ذوات الدخل المنخفض
ولقد بدأ البرنامج قبل الولادة واستمر حتى بلغ الطفل الشهر الثلاثين من العمر . ولقد ركز هذا البرنامج علي مساعدة الأمهات علي العمل مع أطفالهن بأنفسهن بخلاف المشاريع السابقة ، وبالإضافة إلى ذلك فحتى خلال برنامج التدخل ، كان معظم التركيز علي تكيف الطفل وليس علي نسبة الذكاء أو علي الإثارة العقلية بذاتها .
وبالنسبة للنتائج التي حصل عليها الطفل فقد أوضح هذا المشروع أن الأثر الرئيسي للتدخل المبكر يمكن أن يظهر في نجاح الأطفال المتزايد في المدرسة وفي الحياة ومع أن الأطفال الذين خضعوا للتدخل حصلوا علي نسب ذكاء اعلي من النسب التي حصل عليها أطفال المجموعة الضابطة ، عند سن الثلاثين شهرا ، وعند السنة الخامسة من العمر .
والاهم من ذلك ، فان النتائج عند سن العاشرة أظهرت أن مجموعة التدخل – وخصوصا الأولاد منهم – قد فاقت في أدائها المجموعة الضابطة في العديد من المقاييس التكيفية والمدرسية . ولقد حصل الأولاد في المجموعة التجريبية علي القليل من الخدمات المدرسية الخاصة ، والتحقوا بالمدرسة بانتظام اكثر ، كما اعتبروا افضل تكيفا حسب رأى مدرسيهم . أما أولاد المجموعة الضابطة ، فقد كان تغيبهم كثيرا وواضحا ، ولم يتكيفوا جيدا من قبل مدارسهم أي لم تساعدهم مدارسهم علي التكيف ، وهذا البرنامج والذي كان منذ البداية موجها نحو تكيف الأطفال ، يبدو انه حصل علي نتائج وأثار ثابتة ومتينة في هذا المجال .
وقد كانت نتائج هذا المشروع من ناحية الأسرة أيضا لافتة للنظر ومدهشة ، حيث اصبحن الأمهات اكثر تعلما وثقافة واكثر قابلية للتوظيف والاعتماد علي النفس في شؤون أطفالهن وأسرهن بشكل عام . ومن الناحية المادية فان فوائد برنامج ييل تفوق بكثير التكاليف اللازمة لتنفيذه .
ويبدوان هذا النوع من الأساليب التي تعتمد علي العائلة كأساس لها ، حسب جميع الدلائل المتاحة ، أسلوب افضل من أساليب التدخل المبكر عند الأطفال المعرضين للخطر كما انه افضل من تلك البرامج الأكثر مركزية والأكثر تأكيدا وتركيزا علي الإدراك وعلي الطفل .