الساعة البيولوجية و الاضطراب ثنائي القطب
ومعلوم أن الاضطراب ثنائي القطب هو أحد أنواع اضطرابات المزاج المرضية، والشخص الذي يُعاني منه يمر في دورة متعاقبة المراحل، من تغيرات في المزاج، تصل به إلى طرفين متضادين، حيث في الجزء الأعلى من الدورة المرضية يكون الهوس مسيطراً على الشخص، لمدة قد تصل إلى أشهر أو سنوات. ومظاهر الهوس قد تكون «لطيفة»، كالسرور والحيوية والتفاؤل، وقد «تتعاظم» إلى حد من المبالغة في الثقة بالنفس والإعجاب بها، ما يجعله خاضعاً للإفراط في الأحلام والطموحات إلى حد «الوهم» لتحقيق شهرة عريضة أو أموال طائلة. ولتبدو أيضاً عليه علامات من التوتر والغضب، وغيرها من التصرفات غير المسؤولة، كالإفراط في التسوق أو التخبط في العلاقات الجنسية أو غيرها. هذا في قمة الدورة المرضية، أما في قاعها، فيدخل الشخص في حالة من الاكتئاب، بالتدرج أو فجأة. وبالرغم من تشابه أعراض حالة الاكتئاب هذه ضمن الاضطراب الثنائي القطب بأي حالة من الاكتئاب المصاحبة لأي اضطرابات نفسية أخرى، مثل أعراض تدني التقدير للذات وقلة التركيز وصعوبة اتخاذ القرارات، إلا أن نوع الاكتئاب في ثنائية القطب يكون مصحوباً بزيادة في النوم بخلاف تلك الأخرى المصحوبة بالأرق وقلة النوم.
* علاج طبي ونفسي وشملت الدراسة حوالي 180 مريضاً بحالة الاضطراب ثنائي القطب. وقارنت البروفيسورة إلين فرانك، الباحثة الرئيسة في الدراسة وطبيبة النفسية في كلية الطب بجامعة بيتسبيرغ مع زملائها الباحثين من تكساس بالولايات المتحدة، بين تلقيهم، إما العلاج الدوائي المعتاد بعقار الليثيوم Lithium فقط وبين تناول الليثيوم مع الانخراط في برنامج من «علاج اجتماعي في العلاقة بين الأشخاص» Interpersonal And Social Rhythm Therapy ، مصمم لتعديل الإيقاع اليومي الخاص بالنوم والاستيقاظ لدى مرضى الاضطراب ثنائي القطب. ووجد الباحثون أن إضافة برنامج العلاج النفسي هذا، سبب في إطالة مدة عدم حصول أي انتكاسات من الهوس أو الاكتئاب لديهم.
وأهمية الدراسة تنبع من ثلاثة أمور. الأول أن تشخيص الإصابات بحالات الاضطراب ثنائي القطب في الولايات المتحدة قد ارتفعت بمقدار 40 ضعفاً بين الأطفال وبمقدار الضعف بين البالغين فيما بين عام 1993 وعام 2003. والسبب الرئيسي لهذا الارتفاع ليس حصول حالة وبائية بشكل مفاجئ خلال تلك الفترة في تلك الدولة، بل هو ارتفاع مستوى الوعي الطبي بهذه الحالة المرضية النفسية، وبالتالي زيادة التنبه لتشخيص حالات المُصابين بها، ما أدى إلى معرفتنا أن ثمة 6 ملايين أميركي مُصابون بحالة تعاقب الهوس والاكتئاب. هذا مع عدم توفر دراسات إحصائية موثقة حول هذه الحالة الشائعة في بقية مناطق العالم. والثاني أن المعالجات الطبية منحصرة إلى حد كبير اليوم في مجموعة فئات من الأدوية النفسية. وهي وإن كانت قد أثبتت فاعلية مقبولة، إلا أنها ليست بالمستوى المطلوب لا من قبل الأطباء ولا من قبل المرضى وذويهم. وما يزيد الطين بلة أن بعضاً من المُصابين لا يستمرون في تناولها أو في المتابعة الطبية لحالاتهم، هذا مع تدني مستوى الاعتماد الطبي على وسائل العلاج النفسي غير الدوائية في علاج مثل هذه الحالات نظراً للنتائج الخجولة لها، ما يفرض البحث عن طرق علاجية، غير دوائية، ثابتة الفائدة في التغلب على أعراض الاضطراب هذا. والثالث أن هذه الدراسة، كما يقول الخبراء في الطب النفسي، هي الأولى التي برهنت على أن العلاج النفسي الذي يُركز في اهتمامه على إحداث تغيرات عملية في نمط سلوكيات الحياة اليومية، يُمكنه أن يُخفف من تفاقم شدة الأعراض المصاحبة لحالات الاضطراب ثنائي القطب. وما تطرحه الدراسة الجديدة هو عودة إلى أحد جذور تفاقم المشكلة النفسية للاضطراب ثنائي القطب، ألا وهو نظام الإيقاع اليومي للساعة البيولوجية في الجسم، وجدوى إعادته نحو طبيعته المعتادة في تخفيف تلك الأعراض المرضية النفسية أو غيرها من أعراض الأمراض النفسية الأخرى.
د. ياسر متولى