الألياف الغذائية ، أنواعها وفوائدها الصحية
غالباً ما يرتبط ذكر الألياف الغذائية في أذهاننا بنخالة القمح، وبقدرتها على تخفيف حدة الإمساك. لكن الحقيقة أن الألياف الغذائية ليست هي فقط نخالة القمح، وأن من المشكوك فيه علمياً جدواها في تخفيف حدة الإمساك لدى كل الناس. إذن لماذا لا يمل الأطباء، وخاصة أطباء القلب، من تكرار نصح مرضاهم وعامة الناس، صغاراً وكباراً، بتناولها؟ ولماذا تشير الإرشادات الطبية في جانب الوقاية والمعالجة لأمراض عالية الأهمية، كأمراض شرايين القلب والسكري وارتفاع الكولسترول، على ضرورة أن يصل المرء في تغذيته إلى تناول كمية جيدة من الألياف يومياً؟
والإجابة على هذين السؤالين مفادها أن الحرص على تناول الألياف، وخاصة الأنواع الذائبة منها، أحد العوامل التي تُقلل من ارتفاع نسبة كولسترول الدم، ومن الارتفاع السريع في نسبة سكر الدم بعد تناول وجبات الطعام، ما يُؤدي بالتالي إلى تقليل احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب وبمرض السكري، وكذلك إلى ضبط الارتفاعات في نسبة سكر الدم والكولسترول لدى منْ لديهم اضطرابات فيهما.
ألياف ذائبة وغير ذائبة الألياف الغذائية أحد العناصر التي يتم الحصول عليها من المنتجات النباتية. وهي جزء، من مكونات الأطعمة النباتية، لا يستطيع جهازنا الهضمي هضمه، أي الذي لا يتمكن الجسم من تكسيره أو امتصاصه. ولذا تختلف الألياف الغذائية، في جانب الهضم، عن بقية العناصر المكونة للغذاء، مثل البروتينات أو الدهون.
وكذلك تختلف عن السكريات، بأنواعها الحلوة البسيطة أو النشوية المعقدة. ومعلوم أن الجهاز الهضمي لديه القدرة على هضم البروتينات والدهون والسكريات.
أما الألياف فإنها تدخل المعدة مع الطعام، وتسير طوال الرحلة خلال الأمعاء، ثم تخرج مع الفضلات، دون أن يطرأ عليها أي تغيير. ويتم تصنيف الألياف إلى نوعين رئيسيين.
الأول، هو “الألياف الذائبة”. والثاني، “الألياف غير الذائبة”. والفارق بينهما هو القدرة على الذوبان في الماء، وتكوين مزيج غروي.
وعليه فإن “الألياف غير الذائبة”، هي نوع من الألياف النباتية التي لا تذوب في الماء، بل تبقى على هيئة أشبه ما تكون بنشارة الخشب. ويستفيد الجسم منها، متى ما تم تناولها بكميات مركزة من آن لآخر، في تسهيل خروج الفضلات ومعالجة حالة الإمساك. كما يستفيد الجسم منها، متى ما تم تناول كميات معتدلة منها بشكل يومي، في تليين خروج الفضلات.
ونخالة القمح، أو القشرة الخارجية لحبوب القمح، والمكسرات وكثير من الخضار والفواكه، تحتوي كميات جيدة من تلك “الألياف غير الذائبة”.
أما “الألياف الذائبة”، فهي نوع من الألياف النباتية التي تشكل، حال الخلط بالماء، مزيجاً غروياً. وهي التي تُنسب إليها فوائد خفض نسبة الكولسترول والسكر في الدم.
ومن المصادر الغنية لها العدس والفاصوليا والحمص والفول والتفاح والحمضيات وبذور الكتان.
الحاجة اليومية من الألياف ووفق إرشادات المؤسسة الطبية للأكاديمية القومية الأميركية للعلوم، فإن على الرجال ما دون سن الخمسين من العمر، تناول 38 جراما من الألياف يومياً.
وتقل الكمية بعد تجاوز ذلك السن إلى 30 جراما في اليوم. أما النساء ما دون سن الخمسين، فعليهن تناول 25 جراما يومياً. ومنْ هن فوق ذلك العمر، عليهن تناول 21 جرام يومياً من تلك الألياف النباتية.
أما للأطفال والمراهقين ما دون سن الثامنة عشر، فيمكن حساب كمية ما يحتاجونه يومياً من الألياف بإضافة رقم 5 إلى مقدار العمر.
والطفل في عمر الخامسة سيحتاج إلى 10 جرامات من الألياف يومياً. والمنتج النباتي “عالي المحتوى من الألياف” high-fiber food بالتعريف الطبي هو ما كان به أكثر من 5 جرامات في كل حصة غذائية منه serving.
والاختيارات الأفضل لبلوغ تناول تلك الكمية هي الحبوب الكاملة غير المقشرة، للقمح أو الذرة أو الشوفان أو غيرهم، والفواكه والخضار والبقول والمكسرات والبذور.
أما الحبوب المقشرة، كالتي في الخبز الأبيض أو المعكرونه، فإن كمية الألياف بها متدنية. وكذلك الحال في عصير الفواكه الطازجة بالمقارنة مع تناول كامل الثمرة منها دون تقشير أو إزالة للألياف فيها.
وبالمراجعة، لمحتوي كوب من أحد المنتجات النباتية على كمية الألياف الغذائية ، نجد أن البازلاء المطبوخة بها حوالي 17 جراما، والفاصوليا على 13 جراما، والعدس على 8 غرامات، ودقيق القمح الأسمر على 6 جرامات، والبروكلي على 5 جرامات، وتفاحة على 5 جرامات، وثمر كمثرى (إجاص) أو ثمرة متوسطة الحجم من البطاطا أو أونصة (28 جراما) من اللوز- 4 جرامات، وبرتقالة أو موزة – 3 جرامات. ويسهل الأمر عبر مراجعة الملصق التعريفي بمكونات المنتج الغذائي النباتي لمعرفة كمية الألياف فيه.
والمهم هو التدرج في إضافتها إلى وجبات الطعام اليومي، لمنْ لم يتعودوا عليها. والسبب أنها قد تتسبب، في حال الإكثار المفاجئ من تناولها، بزيادة غازات البطن، وبانتفاخ في البطن وشعور بالتخمة.
ولذا فإن العمل عبر بضعة أسابيع على رفع كمية تناولها يُعطي فرصة للبكتيريا الصديقة في الأمعاء للتعامل مع كميات الألياف بطريقة أفضل. كما أن تناول الألياف يتطلب تناول كميات كافية من الماء كي تعمل على تليين فضلات الطعام، لسهولة إخراجها
فائدة الألياف
تساعد في الهضم لقائل أن يسأل، إن لم يكن لدى الجسم قدرة على هضمها وامتصاص مكوناتها، فما هي جدوى وجودها؟ وكيف ستتحقق استفادتنا من خلال الحرص على تناولها؟
والإجابة تحتاج إلى توضيح بسيط حول الغاية من الأكل وكيفية استفادة الجسم من مكونات الطعام الذي نتناوله. ذلك أن الأصل في تناول الإنسان للطعام هو أن يلبي حاجة الجسم في كل من، الحصول على مصادر للطاقة، وفي بناء ونمو أنسجة الجسم.
وهو ما يتحقق بتناول البروتينات والدهون والسكريات والأملاح والمعادن والفيتامينات. الا أن البروتينات والدهون والسكريات لا تأتينا في الغالب جاهزة للامتصاص خلايا الأمعاء لها، بل تأتي في تراكيب تحتاج إلى هضم وتكسير، تتحول من خلالها إلى مركبات بروتينية ودهنية وسكرية سهلة وقابلة للامتصاص.
والهضم مجموعات من العمليات المعقدة، التي تحتاج إلى تنظيم وتنسيق. وهناك عدة مراكز في الجهاز الهضمي وفي الأعضاء الملحقة به، كالكبد والبكنرياس والمرارة، وفي الجهاز العصبي، مهمتها هذا التنظيم والتنسيق.
لكن هذه الأعضاء لا تستطيع وحدها إتمام عملية ضبط امتصاص هذه المواد، بل تحتاج إلى عناصر خارجية نتناولها، تعمل من خلال وجودها في المعدة والأمعاء على إتمام تنسيق وتناغم عملية الهضم والامتصاص. والألياف الغذائية أحد أمثلة هذه المواد. ولذا ليس مطلوباً أن تهضم الأمعاء تلك الألياف، وليس مطلوباً أن تمتص مكوناتها، بل هي مفيدة جداً للجسم بمجرد وجودها مع الطعام.
فوائد صحية مهمة للألياف الغذائية
يوجد في نفس المنتج الغذائي النباتي، كل من الألياف الذائبة وغير الذائبة، بنسب متفاوتة. كما تتفاوت المنتجات الغذائية في نسبة محتواها من كل نوع من تلك الألياف، وهناك ما يُطلق عليه “منتجات عالية المحتوى من الألياف”.
وتتلخص فوائد تناول محتواها من الألياف الذائبة وغير الذائبة، في خمسة أمور:
1- خفض نسبة الكولسترول: وثمة آليتان لعمل الألياف الذائبة في خفض نسبة الكولسترول الكلي في الدم وخفض نسبة الكولسترول الخفيف الضار. وذلك من خلال التصاق كولسترول الطعام بالألياف الذائبة وبالتالي منع امتصاص الأمعاء له.
وكذلك من خلال دور الألياف الذائبة في الالتصاق بالأملاح المرارية التي تفرزها المرارة ضمن عصارتها، وبالتالي منع سهولة امتصاص الدهون والكولسترول، وأيضاً تحفيز الكبد على استهلاك المزيد من كولسترول الدم في إنتاج أملاح مرارية بدل ما تم التخلص منه عبر الالتصاق بالألياف.
وكان قد سبق لمجلة “صحتك”، للشرق الأوسط، أن عرضت دور الألياف الغذائية في هذا الجانب بالتفصيل في العدد الرابع لها.
2- خفض نسبة سكر الدم: والفكرة بسيطة ومهمة هنا، ذلك أن أحد أضرار تناول السكريات ووجودها في هيئة سهلة الامتصاص، هو الارتفاع الصاروخي السريع لنسبة سكر الدم. والضرر هنا على البنكرياس ، لأن المطلوب منه آنذاك إفراز المزيد من الأنسولين، وبكميات عالية، للعمل على خفض هذا الارتفاع السريع في نسبة سكر الدم. ومعلوم أن تواصل إنهاك البنكرياس سيُؤدي إلى ظهور مرض السكري لاحقاً.
ولذا فإن أي وسيلة تمنع الارتفاع السريع في نسبة سكر الدم، هي مفيدة لجهة راحة البنكرياس في أداء ما هو مطلوب منه. وأحد وسائل منع سهولة امتصاص السكريات هو مزجها بالألياف، لأن الألياف تُبطئ من وتيرة توفير السكريات بهيئة سهلة الامتصاص.
ولذا لو تناول أحدنا كمية 200 كالورى (سعر حراري) من الحلويات أو من حبوب العدس، فإن الارتفاع في نسبة سكر الدم سيكون سريعا في حالة الحلويات، وسيكون بطيئا في حالة حبوب العدس، بالرغم من أن كمية الطاقة واحدة فيهما. وبديهي أن ثمة فرق في الضغط على البنكرياس بشكل سريع أو الضغط عليه بشكل بطيء.
3- المساهمة في خفض الوزن: ولعل أحد أهم فوائد وجود الألياف في وجبة طعام أحدنا، هو إسهامها في خفض وزن الجسم. وهنا أيضاً عدة آليات لتحقيق ذلك، منها أن كثيراً من المنتجات النباتية، عالية المحتوى من الألياف، تحتاج إلى مضغ لمدة زمنية أطول، ما يُؤثر على آلية زيادة الشعور بالشبع وخفض الشعور بالجوع.
كما أن الوجبة العالية المحتوى من الألياف الغذائية والقليلة المحتوى من الطاقة، كالسلطات وغيرها من المنتجات النباتية، تملأ المعدة والأمعاء، وتقلل الشعور بالجوع. ولذا فإن تناول أنواع شوربة الخضار ثم تناول السلطات في أوائل الوجبة الغذائية ذا قيمة عالية الذكاء في منع المرء من تناول كميات عالية من الطعام خلال الوجبة لاحقاً.
4- عدم الأحساس بالجوع: ويتمثل في بطء امتصاص الأمعاء لطاقة الأغذية عالية المحتوى من الألياف، ما يجعل المرء لا يشعر بالجوع مدة طويلة مقارنة بالأطعمة قليلة المحتوى منها، ولذا من الأفضل، عند الصيام أو فترات الانقطاع عن الأكل، تناول الحبوب الكاملة بدلاً من الحلويات.
ومن الملاحظ عموماً أن “المنتجات عالية المحتوى من الألياف” تحتوي سعرات حرارية أقل من الطاقة، مقارنة بنفس الكمية من تلك المنتجات “القليلة المحتوى من الألياف الغذائية “.
الوقاية من الإمساك. يستفيد غالبية الناس من الإكثار من تناول الألياف النباتية، وخاصة النوع غير الذائب منها، في تخفيف المعاناة من حالتين متناقضتين، وهما الإمساك والليونة الشديدة في البراز! وفي حالة الإمساك، تعمل الألياف على امتصاص الماء وإبقائه داخل تراكيبها، ما يزيد في وزن وحجم الفضلات خلال مرورها بالأمعاء الغليظة، وبالتالي في جعل البراز أكثر ليونة وأسهل للخروج.
5- امتصاص الماء من الفضلات السائلة واللينة نفسها: ويستفيد البعض منه في تخفيف المعاناة من خروج براز سائل أو لين جداً. ولذا فإن من الذكاء الحرص على تناول الألياف النباتية الطبيعية، وترك الأمور للأمعاء وللألياف في العمل على تسهيل الخروج الطبيعي للفضلات.
الوقاية من البواسير والقولون العصبي. وتشير المصادر الطبية إلى أن تناول المنتجات عالية المحتوى من الألياف يُقلل من احتمالات الإصابة بالبواسير. كما يُسهم في تخفيف حدة المعاناة منها. ويستفيد الكثير من مرضى القولون العصبي، من تناول الألياف بانتظام، في ضبط تعاقب حالات الإمساك والإسهال.
وتؤكد مصادر طب الجهاز الهضمي على دور الألياف في الوقاية من تكون الجيوب (الحويصلات) الصغيرة على جدران القولون diverticular disease.
المصدر : masrawy