أمراض المناعة الذاتية Autoimmune Diseases

أما إذا هاجم جهاز المناعة خلايا البنكرياس، فيؤدي ذلك إلى تدمير هذه الخلايا، ومن ثم يقل إفراز الأنسولين اللازم لحرق الجلوكوز، مما يسبب الإصابة بمرض البول السكري Diabetes Mellites. وفي حالة مهاجمة الجهاز المناعي لمكان اتصال الأعصاب بالعضلات Neuro- Muscular Junctions، يحدث ضعف، وارتخاء شديد بالعضلات، يسمى، "وهن العضلات الوخيم" Myasthenia Gravis. وقد يهاجم الجهاز المناعي، صمامات القلب، كما في حالات الحمى الروماتزمية Rheumatic fever، أو يهاجم الجلد ويسبب احمراراً بالوجه، في شكل جناحي فراشة على الخدين، كما في حالات الذئبة الحمراء Lupus Erythematosis. ويهاجم الجهاز المناعي أحياناً المفاصل مسبباً "روماتيزم المفاصل" Rheumatoid arthrites. وقد يهاجم جهاز المناعة أكثر من عضو بالجسم، مثل الجلد، والقلب، والكبد، والكلى، والطحال، كما في مرض الذئبة الحمراء Systemic Lupus Erythematosis.

أسباب حدوث أمراض المناعة الذاتية:
أ. الوراثة:
يسمى تحديد البصمة، أو الشفرة الجينية، الخاصة بكل إنسان، "مولّد المضاد الليمفاوي البشرى Human Lymphocyte Antigen. وهو عبارة عن بروتين معين موجود على جدار كل خلية، وتختصر إلى كلمة هلا HLA. وتُميّز هذه البصمة، أو الشفرة الجينية، كل إنسان عن الأخر، ولا يمكن تكرارها، إلاّ في حالات التوائم المتطابق Identical Twins. وقد أدرك العلماء أن هذه البصمة، أو الشفرة الجينية، هي التي تحدد من هم الأكثر تعرضا للإصابة بأمراض المناعة الذاتية، أي أن هناك استعداداً وراثياً، يعني أن أمراض المناعة الذاتية، تحدث في عائلات أو أفراد، يحملون النوع نفسه، من البصمة الجينية. وقد أظهرت الأبحاث أن مرض "الروماتويد" Rheumatoid، يحدث في أشخاص، لهم بصمة جينية متشابهة، وكذلك مرض السكر.

ب. المشابهة في التركيب الكيميائي
عند حدوث عدوى بأحد الميكروبات، التي تشبه جزئياً في تركيبها الكيميائي خلايا أخرى بالجسم، يُفرز جهاز المناعة، أجساماً مضادة لهذه الميكروبات لتُهاجمها. وقد تخطئ هذه الأجسام، فتهاجم خلايا العضو المشابهة للميكروب، في التركيب الكيميائي. ومثال ذلك ما يحدث في حالة الإصابة بالميكروب السّبحي، الذي يحتوي على كبسولة خارجية، بها نوع خاص من البروتينات مشابهة للبروتين الموجود في صمامات القلب، خصوصاً الصمام الميترالي Mitral Valve، وكذلك في خلايا الكلى، مما يُحدث حمى روماتيزمية Rheumatic Fever، أو التهاباً بالكلى Glomerulonephritis. وقد تحدث أمراض المناعة الذاتية، كذلك، بسبب التصاق الجسم الغريب بخلايا الجسم البشرى، مما يجعل جهاز المناعة يهاجم ويتفاعل، مع الاثنين معاً.
 
ج. الغدة الصعترية أو التيموسية:
أثبتت بعض الأبحاث أن الخلايا التائية T-cells، التي تنتجها الغدة التيموسية، يخرج معها كذلك خلايا تثبط عمل هذه الخلايا T-suppressor cells. فإذا قل إنتاج هذه الخلايا المثبطة، تستمر الخلايا التائية في نشاطها المناعي، ومهاجمة خلايا الجسم المختلفة، بعد انتهاء عملها مع مولدات المضادات، مسببه أمراض المناعة الذاتية. وقد لوحظ أن استئصال "الغدة التيموسية"، ينتج عنه أمراض تماثل أمراض المناعة الذاتية.

د. أسباب أخرى:
تناولت الأبحاث الخاصة بأسباب حدوث أمراض المناعة الذاتية، عامل العمر، حيث ثبت أن هذه الأمراض تزيد نسبتها مع تقدم عمر الإنسان. وكما تُصاحب أمراض نقص المناعة، أيضاً زيادة في نسبة حدوث أمراض المناعة الذاتية. وكذلك أثبتت الأبحاث، زيادة نسبة أمراض المناعة الذاتية، في الإناث أكثر من الذكور.

أنواع أمراض المناعة الذاتية:
تشمل هذه المجموعة من الأمراض، عدداً غير قليل، يصيب بعضها عضواً واحداً من الجسم، وبعضها عدة أعضاء في أن واحد. ومن أهم هذه الأمراض:
أ. مرض الذئبة الحمراء Systemic lupus Erythematosis:
يعد مرض الذئبة الحمراء، من أشهر أمراض المناعة الذاتية، ويصيب هذا المرض الجلد ويحدث خللاً في معظم أعضاء الجسم. ونسبة الإصابة به في الإناث، أربعة أضعاف نسبتها في الذكور. وهو يتميز بفترات نشاط، تعقبها فترات قد يتحسن فيها المريض، وتقل حدة المرض.

التفسير المناعي للذئبة الحمراء:
يُعزى حدوث هذا المرض إلى وجود أجسام مضادة للحامض النووي DNA وهو اختصار لمصطلح Desoxy Nucleic Acid. في جسم المريض، وكذلك وجود خلايا ذات شكل خاص تحت المجهر، سميت: خلايا الذئبة الحمراء Lupus Erythematosis cells، وتختصر L.E. cells. وتوجد هذه الأجسام المضادة في الدم، والأنسجة المصابة، مثل الجلد، والكلى. ولم يُعرف، حتى الآن، سبب وجود هذا الجسم المضاد للحامض النووي، الذي يسمى Anti- DNA. كما اكتشفت أجسام مضادة أخرى، ضد كرات الدم الحمراء، والبيضاء والصفائح الدموية. ويؤدي ذلك إلى حدوث نزيف وأنيميا.
تعد زيادة الإصابة في بعض الأفراد، والعائلات، دليل على الاستعداد الوراثي للمرض، وذلك في بعض الحالات، التي تحتوي على نوع معين من البصمة، أو الشفرة الجينية HLA.
أثبتت الأبحاث أن هرمون الأنوثة Estrogen Hormone، يساعد على تكوين الأجسام المضادة للحمض النووي، كما يساعد، كذلك، على زيادة حدة الأعراض. وعلى العكس من ذلك، فإنّ هرمونات الذكورة Androgens، تقلل من تكوّن الأجسام المضادة للحامض النووي. وهذا يفسر حدوث المرض في الإناث، بدرجة أكبر من حدوثه في الذكور.

اقرأ أيضا:  متلازمة جيلان باريه - أعراض وعلاج متلازمة جيلان باريه

الأعراض
(أ) الجلد – تُعد إصابة الجلد هي الأكثر شيوعاً عن باقي الأعضاء، وتظهر على هيئة بقع حمراء مغطاة بقشور رقيقة على الخدين، والأنف. وتزداد هذه البقع عند التعرض للشمس، وتأخذ أحيانا شكل الفراشة Butterfly Shape، أي يعد الأنف هو جسم الفراشة، والبقع على الخدين تمثل أجنحتها. وقد تختفي هذه البقع بلا أثر، وقد تسبب ندبة بسيطة بالجلد.
 
(ب) الفاصل والعضلات: تُعد إصابة المفاصل والعضلات، وحدوث آلام بها، من أكثر أعراض مرض الذئبة الحمراء حدوثاً. وهي تصيب كافة مفاصل الجسم.
 
(ج) الأغشية البلورية والبروتينية: يُحدث مرض الذئبة الحمراء، التهاباً بالغشاء البللوري المحيط بالرئة، ويصاحبه ألم وصعوبة في التنفس؛ كذلك يحدث التهاب في الغشاء المبطن للقلب، يسبب هبوطاً حاداً بالقلب. كما يمكن أن يصل الالتهاب إلى الغشاء البريتوني المحيط بالأمعاء، ويصاحب ذلك ألم بالبطن، وقيء مستمر، قد يؤدي إلى الوفاة، ما لم يعالج فوراً.

(د) الكلى والجهاز العصبي: يُحْدِث ترسيب للمركبات المناعية بأنسجة الكلى، مما يسبب فشلاً كلوياً وارتفاعاً في الضغط. وكذلك قد يُحدث ترسيب لهذه المركبات المناعية في المخ، مسببة، اكتئاباً، وصداعاً نصفياً أو شللاً.

(هـ) الإجهاض المتكرر: يُعد حدوث إجهاض متكرر، دون سبب واضح، أحد أعراض هذا المرض. ويُنصح بعدم إقدام المصابات بهذا المرض، على الحمل، لخطورته على قلب وصحة الجنين والأم.

 التشخيص المعملي:
(أ) سرعة الترسيب Erythrocytc Sedimentation Rate: ESR:
تكون عالية في معظم الحالات، وتدل على وجود نشاط زائد في الجهاز المناعي.
(ب) أنيميا لكل مكونات الدم Pancytopenia:
تتميز بحدوث نقص في عدد كرات الدم الحمراء، ونقص في عدد كرات الدم البيضاء، ونقص في عدد الصفائح الدموية.
(ج) إجراء اختبارات خاصة:يُراد بها الكشف عن الأجسام المضادة للحامض النووي DNA، وكذلك الأجسام المضادة لعوامل التجلط وكرات الدم الحمراء.
(د) قياس معامل الروماتويد Rheumatoid factor:
يوجد هذا المعامل، في بعض أنواع الروماتويد، وتسمى "معامل الروماتويد الموجبة"، وفي حالة عدم وجوده، تسمى "معامل الروماتويد السالبة". ويستخدم هذا المعامل لتقسيم أنواع الروماتويد. وقد ثبت أن 30% من حالات الذئبة الحمراء، تكون إيجابية لهذا المعامل.
 
العلاج:
(أ) علاج عام:
ويشمل إعطاء الفيتامينات، وعلاج ارتفاع الحرارة، وتناول مهدئات لآلام المفاصل، وعلاج المضاعفات، مثل أمراض القلب والرئة، حسب درجة الإصابة الناتجة.
(ب) علاج متخصص:
ويشمل استخدام الأسبرين، وبعض الأدوية المستخدمة في علاج الملاريا، التي ثبتت فائدتها في علاج بعض حالات الذئبة الحمراء، مثل الكلوروكوين Chloroquine. وكذلك استخدام مركبات غير كورتيزونية. ثم يأتي العلاج الحاسم لمعظم هذه الحالات باستخدام مركبات الكورتيزون، إما موضعياً على الجلد المصاب، أو من طريق جرعات كبيرة بالفم، أو الحقن، مع التقليل التدريجي لهذه الجرعات عند تحسن الحالة.

ب. مرض الروماتويد Rheumatoid Arthritis:
يُعد الروماتويد من الأمراض المزمنة، وهو يصيب مفاصل الجسم المختلفة بصورة أساسية، ولكنه يصيب، كذلك، أجهزة أخرى، مثل: الجهاز العصبي، والجهاز البولي، والجهاز الدوري. ومثل معظم أمراض المناعة الذاتية، فان نسبة الإصابة به في الإناث تزيد عنها في الذكور، إذ تصل إلى نسبة 1:3.
وتُعد المفاصل الصغرى بالكفين والقدمين، من أكثر المفاصل تعرضاً للإصابة بهذا المرض، الذي يمتد ليشمل باقي المفاصل. وقد يؤدي أحياناً إلى حدوث التهابات بالأوعية الدموية، أو الأوعية والغدد الليمفاوية. وكذلك يحدث نقصاً في كرات الدم البيضاء، وتضخماً في الطحال. ويُعزى حدوث مرض الروماتويد إلى الاستعداد الوراثي، والبصمة الجينية HLA، أو إلى وجود نوع معين من فصائل الخلايا البيضاء، حيث لوحظ ذلك في كثير من المرضى. كما أثبت بعض العلماء وجود علاقة بين مرض الروماتويد، وبين الإصابة بنوع معين من الفيروسات أو البكتريا.

اقرأ أيضا:  الوسواس القهري .. تشخيص المرض أهم خطوات الشفاء

التغيرات المناعية، المؤدية إلى حدوث الأعراض:
تُفرز الخلايا الليمفاوية الموجودة بالمفصل، أجساماً مضادة، تُسمى "عامل الروماتويد" Rheumatoid Factor، يعده الجسم غريباً عنه، فيفرز الجهاز المناعي أجساماً مضادة من النوع IgM, IgG. وتتحد الأجسام المضادة مع عامل الروماتويد، مكونة عقداً مناعية بروتينية، تترسب في خلايا الغشاء الزلالي للمفصل Synovial Membrane.
ويعمل هذا الترسيب، على تنشيط المركب البروتيني المكمل The complement، وتفرز مواد ونواتج لهذا التفاعل، تجذب كرات الدم البيضاء، ويزداد الالتهاب، ويزداد إفراز المواد، والأنزيمات والتفاعل، مع عامل الروماتويد، فتتكون عقد مناعية جديدة، تترسب في المفصل، ما يسبب ألماً شديداً فيه، خصوصاً عند الحركة. ومع استمرار عملية الترسيب هذه، يصبح سطح العظام عارياً من الغضاريف، التي تحمى نهايات العظام من الاحتكاك، بعضها ببعض، ويحدث تضخم في حجم المفصل، وارتخاء في الأربطة المحيطة به، وينتهي المرض بحدوث تشوهات في المفاصل.
 
الأعراض:
غالبية المصابين بمرض الروماتويد، من متوسطي العمر بين 20-40 عاماً. وتبدأ الشكوى بأعراض عامة، مثل الشعور بالإرهاق، وفقد الشهية، والوزن، مع ارتفاع طفيف في الحرارة. ويبدأ الشعور بتيبس في المفصل، أو حدوث ألم عند الحركة، خصوصاً في الصباح. ثم يبدأ التيبس، والألم في التحسن مع الحركة أثناء النهار. وأهم ما يميز أعراض آلام المفاصل لمرضى الروماتويد، عن غيره من آلام المفاصل وأمراضها، هو حدوث الألم في الصباح، وتحسنه، بعد ذلك.وكذلك حدوث تورم، واحمرار، وسخونة، في المفصل. كما أن الإصابة تبدأ في معظم الحالات بالمفاصل الصغرى، مثل أصابع اليد، والرسغين، وتحدث في الناحية اليمنى، واليسرى معاً وبالدرجة نفسها. وتستمر إصابة المفاصل لمريض الروماتويد، فتصل إلى مفاصل الفخذ والركبتين والقدمين والكتفين والكوع، بل قد تصل إلى الفقرات العنقية، أما باقي الفقرات فلا تتعرض للإصابة. وقد يمتد تأثير المرض إلى أجهزة أخرى في الجسم، مثل:
ا- القلب:
يصاحب مرض الروماتويد، التهاب في الجزء الخارجي لعضلة القلب Pericardium، ونتيجة لذلك قد يحدث ارتشاح Effusion في الغشاء المحيط بتلك العضلة Pericardial Membrane، ما يؤدي إلى ألم في الصدر، وارتفاع في الحرارة، وسرعة في التنفس.
(ب) الجهاز التنفسي:
يحدث التهاب في الغشاء البلوري المبطن للرئة، وانسكاب بللوري، ما يؤدي إلى ضيق في التنفس.
(ج) الأوعية الدموية:
تترسب العقد المناعية البروتينية في جدر الأوعية الدموية، أو داخلها، محدثة قصوراً في وصول الدم إلى بعض الأجهزة الحيوية، مثل القلب، فتسبب ذبحة صدرية، أو الكلى، فتؤدي إلى فشل كلوي حاد، أو الجهاز الهضمي، محدثة انسداداً معوياً.
(د) الجلد:
وتترسب العقد البروتينية المناعية تحت الجلد، في المناطق المعرضة للضغط والاحتكاك، مثل أسفل الكوع، ومؤخرة الرأس، والفقرات العجزية. وهي غير مؤلمة، وتكون مستديرة، أو بيضاوية، ثابتة، أو متحركة.
(هـ) العين:
يحدث جفاف في العين في حوالي 10% من الحالات، نتيجة لقلة إفراز الدموع بسبب ترسب العقد البروتينية المناعية في الغدد الدمعية. ويصاحب ذلك جفاف في اللّعاب، نتيجة حدوث ترسيب للعقد البروتينية المناعية، في الغدد اللعابية.
(و) فقر الدّم "أنيميا":
تقل نسبة الهيموجلوبين في دم المريض، كلما ازداد نشاط المرض؛ وتعود النسبة إلى طبيعتها عند حدوث هدوء نسبي لهذا النشّاط. وتحدث الأنيميا عموماً بسبب فقد الشهية، وسوء التغذية المصاحبة للمرض.
 
ومثل أمراض المناعة الذاتية الأخرى، يحتوى العلاج على الكورتيزون والمسكِّنات، مثل: الأسبرين، والباراسيتامول والأبيبروفين، وغيرهم. 
 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *