متلازمة المثانة المؤلمة أو التهاب المثانة الخلالي Interstitial cystitis
هل يمكن تصور أنك تذهبين للمرحاض بمعدل 40:50 مرة يوميا !؟ إضافة إلي شعور بألم في المثانة ومنطقة الحوض. نعم اذا كنت مصابة بمتلازمة المثانة المؤلمة (أو التهاب المثانة الخلالي – interstitial cystitis) مرض يطلق عليه أحيانا أيضا عرض المثانة المؤلمة (painful bladder syndrome)، وهو يؤثر في النساء بمعدل أكبر بكثير عن الرجال.
متلازمة المثانة المؤلمة حتي الان السبب مجهول ولا يوجد علاج اكيد
متلازمة المثانة المؤلمة عبارة عن حالة مرضية مزمنة تصيب المثانة وتسبب نوبات متكررة من الألم والضغط داخل المثانة ومنطقة الحوض، وغالبا ما يصاحبها شعور بالحاجة الملحة والمتكررة للتبول، تتراوح أحيانا بين 40 و50 مرة يوميا، وقد تصل إلى 60 مرة طوال اليوم. ويصاحب متلازمة المثانة المؤلمة ألم وكدر شديد لدرجة أن إحدى دراسات المسح أشارت إلى أن نصف المصابين به فقط يعملون لدوام كامل. ونظرا للتنوع الشديد في أعراض المرض، يصف الخبراء اليوم متلازمة المثانة المؤلمة بأنها جزء من مجموعة من الاضطرابات التي يشار إليها بصورة إجمالية باسم متلازمة المثانة المؤلمة/عرض المثانة المؤلمة. (في هذا المقال، سنشير إليها باعتبارها متلازمة المثانة المؤلمة).
اضطرابات مصاحبة
ويتراوح عدد الأميركيين المصابين بهذا المرض بين مليون ومليونين، ويفوق بينهم عدد النساء عدد الرجال على نحو بالغ يقدر بنسبة ثمانية إلى واحد، ويجري تشخيص معظم الحالات لدى الأشخاص في مطلع الأربعينات من العمر.
ومن بين الاضطرابات الأخرى الكثيرة المرتبطة بمتلازمة المثانة المؤلمة أنواع من الحساسية والصداع النصفي ومتلازمة القولون العصبي والألم الليفي العضلي المتعدد (fibromyalgia – مرض يسبب آلام في العضلات) ومتلازمة الإعياء المزمن وحالة اعتلال الفرج (vulvodynia – وهي ألم أو شعور بحرق في منطقة الفرج غير ناتج عن عدوى أو مرض جلدي).
ليس هناك علاج لمتلازمة المثانة المؤلمة، لكن هناك الكثير من أنماط العلاج التي توفر بعض التخفيف للألم، سواء كل منها على حدة أو بصورة مجتمعة. أما مسألة تحديد نمط العلاج المناسب للحالة فيعتمد على التخمين، ذلك أنه ليس هناك سبيل علمي لتحديد أي أنماط العلاج سيستجيب لها الجسم على النحو الأمثل.
ولحسن الحظ، يساعد الوعي المتنامي والتفهم الأكبر لهذا الاضطراب المعقد على الإسراع في التشخيص وتشجيع البحث.
في مارس (آذار) 2011، أصدر الاتحاد الأميركي للأمراض البولية أول مجموعة إرشادات عنه بخصوص تشخيص والتعامل مع متلازمة المثانة المؤلمة/عرض المثانة المؤلمة. (ونشر موجز لهذه الإرشادات في عدد مجلة «جورنال أوف يورولوجي» الصادر في يونيو «حزيران» 2011. وتتوافر كامل الإرشادات على الرابط التالي: www.health.harvard.edu/ic_guidelines .
أيضا تستعد وكالة أبحاث وجودة الرعاية الصحية (وهي مجموعة بحثية فيدرالية تتولى متابعة مجال الرعاية الصحية) لإصدار تقرير حول مدى فعالية أنماط العلاج المتاحة لآلام الحوض المزمنة لدى النساء، وبينها متلازمة المثانة المؤلمة. ومن المتوقع صدور التقرير الأخير في نهاية عام 2011، لكن مسودة له متوافرة على الرابط التالي: www.health.harvard.edu/ic_report .
أسباب محتملة
لا أحد يدري حتى الآن السبب المحدد وراء متلازمة المثانة المؤلمة، ومن المحتمل أن يكون وراء ظهور هذه المتلازمة أكثر من عامل واحد. ويشير التحليل المجهري لخزعات استخلصت من جدار المثانة لدى المصابين بمتلازمة المثانة المؤلمة إلى وجود كثير من التغيرات، لكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه التغيرات هي السبب وراء الحالة أم أنها نتيجة لعملية أخرى كامنة.
وقد ركزت بعض الأبحاث على التشوهات في طبقة غليكوزأمينوغليكان glycosaminoglycan (GAG)، وهي جزء من طبقة المادة المخاطية التي تحيط بالمثانة وتحميها. وربما تسمح عيوب في غليكوزأمينوغليكان بتسرب مواد سامة من البول، والإضرار بالأعصاب الكامنة بالمثانة وأنسجة العضلات، وهذا بدوره قد يسبب ألما وحساسية مفرطة.وركز توجه بحثي آخر على وجود عامل مضاد لتكاثر الخلايا، وهي مادة توجد فقط في بول المصابين بمتلازمة المثانة المؤلمة. ويبدو أن هذا العامل يعوق النمو الطبيعي للخلايا وربما يعوق عملية الشفاء التي تتبع أي ضرر أو تهيج يصيب أنسجة المثانة.
ويسعى العلماء لإجراء اختبارات تشخيص لمرضى متلازمة المثانة المؤلمة لدراسة العامل المضاد لتكاثر الخلايا كسبب حيوي محتمل.وهناك الكثير من النظريات الأخرى حول سبب متلازمة المثانة المؤلمة، حيث يخمن البعض أنها ربما كانت نتاجا للإصابة بعنصر مجهول حتى الآن، مثل فيروس ما، أو ربما تشكل خللا في المناعة الذاتية يسبب مرضا ما في المثانة. وربما يكمن السبب في إفراز الخلايا البدينة (أو الممتلئة – mast cells) المشاركة عادة في الاستجابات التجاوبية لإفراز الهستامين في المثانة. ويتمثل احتمال آخر في أن الأعصاب الموجودة بالمثانة «تنشط» بصورة ما وتحفز على إفراز مواد تسهم في الأعراض. ونظرا لكون متلازمة المثانة المؤلمة مرضا نسائيا بالأساس، يعتقد الكثير من الباحثين أن للهرمونات دورا فيها.
أعراض مختلفة
عادة ما يأتي ظهور متلازمة المثانة المؤلمة تدريجيا، مع تطور ألم المثانة والحاجة الشديدة إلى التبول وتكرر النوبات على امتداد عدة شهور. وقد يتنوع نطاق الخلل وأعراضه بدرجة بالغة من امرأة إلى أخرى، بل ولدى المرأة الواحدة. وربما تتبدل الأعراض من يوم لآخر أو أسبوع لآخر، أو ربما تظل مستمرة لشهور أو سنوات، ثم تختفي، لتعود بعد بضعة شهور لاحقة.
وبالمثل، يتراوح الألم بين الفاتر المؤلم ألما خفيفا متواصلا والحاد الذي يشبه الطعنات. ويتنوع الألم أيضا أثناء عملية التبول ما بين الوخز الخفيف والشعور بالحرقة. إلا أن المؤكد أن كل من يعانون من متلازمة المثانة المؤلمة يتعرضون لآلام على صلة بامتلاء المثانة وإفراغها. وتشعر بعض النساء اللائي يعانين من هذه المتلازمة بحاجة مستمرة إلى التبول، وذلك أن التبول يسهم في تخفيف الألم.
بالنسبة للنساء اللائي يعانين من آلام مزمنة في البطن أو الحوض جراء أسباب أخرى، مثل متلازمة القولون المتهيج أو انتباذ بطاني رحمي، قد تظهر متلازمة المثانة المؤلمة عندما تصل أعراض هذه الحالات إلى أسوأ صورها. وقد تسبب العلاقة الجنسية ألما يستمر عدة أيام، وربما تتفاقم الأعراض في فترات الدورة الشهرية.
على الجانب الآخر، يشعر بعض النساء براحة كاملة أثناء الشهور الثلاثة الثانية أو الثالثة من الحمل. وتشعر أخريات بأن الأعراض وصلت إلى أسوأ درجاتها في أعقاب تناولهن أطعمة أو مشروبات معينة، منها الفراولة والبرتقال والطماطم والشوكولاته والتوابل والكافيين والكحوليات والمشروبات التي تتسبب في حموضة البول، مثل عصير التوت البري.
التشخيص باستبعاد الأمراض
* لا تصنف متلازمة المثانة المؤلمة كمرض يصيب المجرى البولي، ولا يمكن رصد الإصابة به عبر مجرد تحليل البول، وإنما يجري تشخيصه فقط عبر الاستبعاد، بمعنى باستبعاد عدد من الأمراض الأخرى. ويتعين على الطبيب المعالج – الذي عادة ما يكون إخصائيا في البول أو أمراض النساء – الاطلاع على تاريخ كامل للمريض، ثم إجراء فحص بدني (بما في ذلك فحص لمنطقة الحوض إذا لم يسبب ذلك ألما بالغا) وإجراء اختبارات للتعرف على ما إذا كانت هناك عدوى أو حصاة في المثانة أو سرطان بها أو مرض بالكلى أو التصلب اللويحي أو انتباذ بطاني رحمي أو أمراض تنتقل عبر العلاقة الجنسية أو أمراض أخرى. وتوصي الإرشادات الصادرة عن «الاتحاد الأميركي للأمراض البولية» أيضا بإجراء تقييم مبكر للألم ومعدل إدرار البول وكمية البول للمساعدة في تقييم مدى فعالية العلاجات اللاحقة.
إذا ما أشار التشخيص إلى وجود أعراض أخرى (مثل وجود دم في البول) توحي بوجود مشكلات أخرى، فإن الخطوة التالية عادة ما تكون تنظير المثانة (cystoscopy)، الذي يتضمن إدخال أنبوب مؤلف من الألياف البصرية عبر مجرى البول لتفحص جدار المثانة.
خلال هذا الإجراء يمكن أخذ عينة من النسيج لاستبعاد احتمالية الإصابة بسرطان المثانة. ويفضل بعض الأطباء النفخ المائي (hydrodistention) عند التخدير، الذي يتضمن ملء المثانة خلال عملية تنظير المثانة بسائل يساعد على تمديدها، مما يوفر نظرة أقرب على جدار المثانة. إلا أن الإرشادات الصادرة عن الاتحاد الأميركي للأمراض البولية لا توصي باستخدام النفخ المائي لأغراض التشخيص أو العلاج.
وبالنسبة للمصابين بمتلازمة المثانة المؤلمة، عادة ما تظهر بوضوح تجلطات من الدم (glomerulations)، وهي عبارة عن نقاط صغيرة من الدم، على جدار المثانة خلال عملية تنظير المثانة باستخدام النفخ المائي، لكن هذه التجمعات الدموية غالبا ما تظهر داخل المثانة الطبيعية أيضا.
من بين النتائج التي توصلت إليها عملية تنظير المثانة وبإمكانها المساعدة في تشخيص متلازمة المثانة المؤلمة وجود بقع حمراء أو آفات يطلق عليها «تقرحات هنر» (Hunner›s ulcers)، التي بمقدورها التسبب في خشونة في الأنسجة وتراجع قدرة المثانة. إلا أن «تقرحات هنر»، التي تقع في ما يتراوح بين 10% و15% من الحالات، لا تشكل عاملا أساسيا يستوجب تشخيص متلازمة المثانة المؤلمة.
ويقترح البعض إجراء اختبارات للحساسية تجاه البوتاسيوم، التي تتضمن تقطير كلوريد البوتاسيوم داخل المثانة لمراقبة ما إذا كان سيسبب ألما، لاستغلاله في تشخيص متلازمة المثانة المؤلمة، لكنه ليس دليلا حاسما ولا يوصي الاتحاد الأميركي للأمراض البولية باستخدامه على نحو روتيني.
العلاج ليس هناك إجماع حول السبيل الأمثل لعلاج متلازمة المثانة المؤلمة، لكن عادة ما يبدأ العلاج بإجراءات تتسم بالتحفظ (العلاج التحفظي)، ثم ينتقل نحو إجراءات أخرى تقتحم الجسد على نحو أكبر حال عدم تحسن الأعراض. في العادة تتطلب الحاجة مزيجا من مختلف التوجهات، منها:
* الدعم النفسي: قد يتحول الألم المزمن إلى تجربة تفرض العزلة على صاحبها. لذا، ربما يكون من المفيد التواصل مع آخرين قد يشعرون بألم المريض ويتفهمون معاناته. ومن الممكن أن تخدم مجموعات مساندة محلية أو وطنية (في الولايات المتحدة مثلا، مثل اتحاد متلازمة المثانة المؤلمة) في تحقيق هذا الغرض. إن معرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات عن متلازمة المثانة المؤلمة قد يمنح المرء شعورا أكبر بالسيطرة على حالته الصحية. ومن الممكن أن يسبب الألم المزمن اكتئابا، لذا ينبغي أن لا يتردد المريض في استشارة خبير في الصحة النفسية إذا ما غلبه الشعور بالحزن. وربما يرغب المريض أيضا في التحدث إلى شخص متخصص في أساليب الحد من الضغوط العصبية، مثل توظيف الصور الموجهة، التي كشفت في إطار دراسة عن حدوث تحسن في استجابة المرضى للعلاج. ويقول البعض إنهم تلقوا عونا من بطريقة تدريب الأفراد على استغلال عقولهم في السيطرة على العمليات الفسيولوجية، مثل توتر العضلات، التي ربما تسهم في الأعراض.
* التغيرات السلوكية: على المريض تجنب أي عمل قد يسبب حدوث الالتهابات، سواء من خلال ممارسة نمط ما من التدريبات أو نشاط جنسي أو الإمساك أو ارتداء ملابس ضيقة أو تناول طعام معين. ونظرا لأن بعض الأطعمة عالية الحموضة تسبب تهيجات في الأعراض، ينصح بعض الأطباء المرضى بتناول مضادات للحموضة مع الوجبات.
ومن المهم أيضا توسيع قدرة المثانة. على سبيل المثال، إذا كان المريض يشعر بحاجة إلى التبول كل 30 دقيقة، فعليه محاولة السيطرة على نفسه وإرجاء التبول لمدة 45 دقيقة. وإذا تمكن من تحقيق ذلك لمدة أسبوع، عليه زيادة الفترة إلى 60 دقيقة في الأسبوع الثاني، وهكذا.
أدوية علاجية
* العقاقير: هناك الكثير من الأدوية التي بإمكانها المساعدة في تخفيف الألم وتقليص الشعور بالالتهابات. ويجري تناول بعضها عن طريق الفم، بينما يجري إدخال أخرى داخل المثانة، وهي العقاقير التي تضخ في المثانة عبر القسطرة وإبقائها بالمثانة لفترة تتراوح بين 10 و15 دقيقة. وعادة ما تجري هذه العملية داخل عيادة طبية، وإن كانت هناك حالات يمكن للمريض حقن نفسه ذاتيا بالعقاقير في المنزل.
علاجات أخرى
* علاج بدني متخصص: قد يساعد التعاون مع معالج بدني متخصص في التعامل مع أنسجة منطقة الحوض الحساسة في التخلص من الجروح والمصادر الأخرى المسببة لآلام الحوض. ولا بأس في إجراء تدريبات لتحقيق استرخاء في منطقة الحوض. إلا أن الاتحاد الأميركي للأمراض البولية يوصي مرضى متلازمة المثانة المؤلمة بتجنب التدريبات التي تقوي عضلات الحوض.
* خيارات إضافية: إذا لم تفلح أنماط العلاج التقليدية، ربما يقترح الطبيب إجراء تجربة لجهاز يدعى «إنترستيم» (InterStim)، ينشط العصب العجزي في الجزء الأسفل من الظهر وربما يسهم في التخفيف من الحاجة إلى التبول ومعدل إدرار البول في بعض النساء. إذا ساعد الجهاز قد تجري زراعته داخل الجسم بصورة دائمة. ويعكف الباحثون أيضا على دراسة تقطير سم البوتولينوم في المثانة، لكن حتى الآن ترتبت عليه آثار جانبية ومضاعفات خطيرة للغاية دفعت الأطباء للإحجام عن التوصية باستخدامه.
ولم يتوصل الاتحاد الأميركي للأمراض البولية إلى أدلة على أن أنماط العلاج التالية تساعد في التخفيف من أعراض متلازمة المثانة المؤلمة، بل ووجدت أدلة على أن بعضها مضر: المضادات الحيوية التي يجري تناولها عن طريق الفم لفترة طويلة، أو تقطير عصيات كالميت – غيرين (بي سي جي) Calmette – Guérin (BCG)، وتقطير ريزين يفيراتوكسين resiniferatoxin (RTX).داخل المثانة.
ملاحظة: ساعدت الدكتورة كيثي نكنجاد، مديرة التخصصات الجراحية في «هارفارد فانغارد ميديكال أسوشتس» في بوسطن، وأستاذة الجراحة في كلية هارفارد للطب، في وضع هذا التقرير.