الاكتئاب

الوجه الآخر ( أو القطب الثاني) للإضطراب الوجداني ثنائي القطب هو الاكتئاب. وأكثر أعراض الاكتئاب ومحور المرض هو المزاج المنخفض وفقدان الاستمتاع بالنشاطات التي كان يستمتع بها المريض في العادة ، وضعف التركيز وعدم القدرة على الانتاج والتعب بعد أقل مجهود وهو عكس ما يحدث تماماً في الهوس. كذلك يشعر بعدم الارتياح عندما يستيقظ من نومه وغالباً يستيقظ مبكراً عن الوقت الذي تعود أن يستيقظ به ولا يستطيع النوم مرة أخرى. كذلك تقل شهية المكتئب ولا يستطيع الأكل ويفقد المتعة بالأكل وينقص وزنه.

ويشعر المكتئب بالدونية وقلة التقدير للذات وعدم الثقة بالنفس. كما يشعر المكتئب في كثير من الاوقات بالذنب دون وجود سبب لهذا الشعور والذي غالباً ما يسيطر على المكتئب ويجعله يشعر بأنه سبب في مصائب الدنيا جميعها. وكثيراً ما يفقد المريض بالاكتئاب الأمل في المستقبل ويشعر أن المستقبل مظلم و يشعر بأن لا أحد يستطيع مساعدته وكذلك أن لا شيء يستحق أن يعيش من أجله. وفي هذه المرحلة كثيراً ما يفكر مريض الاكتئاب بأن الحياة لا تستحق أن يعيشها وتراوده الأفكار الإنتحارية.

وتختلف حدة هذه الأعراض من مريض لآخر حسب شدة المرض. ففي الحالات البسيطة من الإكتئاب؛ غالباً تكون هذه الأعراض أقل مما هي في الإكتئاب المتوسط ، والذي غالباً ما يكون مصاحباً بأعراض جسدية مثل الألم خاصة الصداع أو ألم البطن الذي ليس له أسباب عضوية، كذلك آلام في أجزاء متعددة من الجسد. أما الإكتئاب الشديد فكثيراً ما يصاحبه بعض الذهانية، مثل أن يسمع في بعض الأحيان بعض المرضى أصواتاً تكلمهم و هذه ما يعرف بالهلاوس السمعية.

وغالباً ما يكون محتوى هذه الأصوات ( الهلاوس السمعية) إكتئاب بمعنى أن هذه الاصوات تشتم المريض وتتهمه بأنه انسان تافه ، حقير ، لا قيمة له، وإنه سبب مآسي العالم وأن العالم بدونه سوف يكون أفضل، وفي بعض الاحيان تطلب هذه الاصوات من المريض أن يقتل نفسه كي يرتاح من العذاب في هذا العالم، وفي أوقات يقوم المريض بقتل نفسه وربما قتل أطفاله كي يريحهم من آلام وعذاب هذا العالم. وايضاً قد ينتاب المصاب بالإكتئاب نوبات من الشكوك ويصبح يشك في من حوله وربما يرتكب إعداءات تحت تأثير هذه الشكوك المرضية.

أنتشار اضطراب الوجدان ثنائي القطب:

نسبة الاصابة بمرض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب تختلف في كثير من الدراسات ولكن بوجه عام تتراوح بين 0.4 و 1.6% وتنقصنا في المملكة العربية السعودية الدراسات المسحية لكثير من الامراض النفسية وهذا الاضطراب بالذات يجب دراسته على المجتمع السعودي نظراً لأن بعض الأطباء النفسانيين من السعوديين وغيرهم من الأخوة العرب والأجانب لاحظوا زيادة في هذا الاضطراب في المملكة العربية السعودية ولكن ذلك لا يخرج عن كونه ملاحظات عامة قد تكون صائبة أو غير ذلك. وقد يعزو هذا الاضطراب الى كثرة زواج الاقارب من الدرجة الاولى في المملكة وتأثير ذلك على المرضى نظراً لأن هذا المرض للوراثة دور مؤثر في انتقاله.

اقرأ أيضا:  الوقاية من نوبات الربو في فصل الشتاء

أسباب اضطراب الوجدان ثنائي القطب:

العوامل الوراثية ودورها في اضطراب الوجدان ثنائي القطب:
أشارت الدراسات الى أن العوامل الوراثية في هذا الاضطراب تعتبر من أكثر الامراض تأثراً بالعوامل بالوارثية حيث بلغت نسبة الاصابة في التوائم المتشابه ( التوائم التي تنتج من تلقيح حيوان منوي واحد لبويضة واحدة ) حوالي 70% وكذلك تبلغ نسبة الاصابة بين الأقارب من الدرجة الاولى حوالي 20% وهذه من أعلى الاصابات بين الاقارب وتبين مدى تأثير الوراثة في الاصابة بهذا المرض.

بالاضافة الى العوامل الوراثية وتأثيرها الذي ذكرناه في الفقرة السابقة ، هناك ثمة عوامل أخرى قد تساعد في الاصابة بهذا الاضطراب مثل الاضطرابات الهرمونية في الغدد الصماء. خاصة الغدة النخامية وكذلك اضطرابات الغدة الدرقية وكذلك الاصابات الدماغية خاصة حوادث الطرق.

الـعــــــلاج:

يعتمد العلاج في اضطراب بالوجدان ثنائي القطب على طبيعة المرض ففي حالات الهوس يكون في أغلب الاحيان إدخال المريض الى المستشفى أمراً ضرورياً حيث يتم علاجه بالادوية المضادة للذهان مثل الهلوبيردول أو مشتقات الادوية المضادة للذهان التقليدية الأخرى مثل الترايفوبير المعروف تجارياً بالاستلازين. الآن هناك الادوية المضادة للذهان التى تعرف بالادوية غير التقليدية مثل الريسبيريدال والاولانزابين ( زيبريك ). وقد ثبت فعالية هذه الادوية في علاج الهوس. ويجب أن يستمر مريض الهوس في تناول العلاج حتى يقرر الطبيب المعالج إيقاف العلاج. ويجب على الأهل عدم التصرف من تلقاء انفسهم عندما يشعرون بتحسن المريض فيوقفون العلاج قبل أن يبرى المريض ويشفى من حالة الهوس التي يعاني منها. كذلك يجب على الأهل عدم إيقاف العلاج عن المريض بعد خروجه من المستشفى عند شعورهم بأن المريض أصبح طبيعياً وليس بحاجة الى أي علاج . ثمة أمر مهم وهو أن مرضى الهوس في كثير من الاحيان يتم صرف أدوية تعرف بمثبتات المزاج لهم وقد ذكرناها في بداية الحديث عن نوبات الهوس.

هذه الأدوية ضرورية جداً لمنع إنتكاسة المريض وقد يمل المريض من استعماله لهذه العلاجات و يطلب إيقافها وربما يوقفها من تلقاء نفسه وكذلك قد يتفق معه الأهل نظراً لشعورهم بأن مريضهم اصبح ليس بحاجة لهذه العلاجات والتي قد تستمر سنوات خاصة اذا قرأ بعض الأهل الاعراض الجانبية لهذه الادوية المثبته للمزاج. والحقيقة يجب على الاهل أن يثقوا برأي الطبيب المعالج، واذا رغبوا فإن باستطاعتهم أخذ رأي طبيب آخر لمعرفة ما اذا كان المريض يجب أن يستمر على الأدوية المثبتة للمزاج لأن كما ذكرت سابقاً يجب على الطبيب المعالج الموازنة بين الاعراض الجانبية وبين الانتكاسة لنوبة من نوبات الهوس. ففي حالات كثيرة تكون الاصابة بنوبة هوس خطر على حياة المريض خاصة اذا كان يعمل في عمل حساس أو كانت لكميات كبيرة وجرعات قوية من الادوية المضادة للذهان أو كانت استجابته للعلاج بطيئة. أكرر مرة أخرى بأن استخدام العلاج أمر ضروري جداً في حالة نوبات الهوس وكذلك قد يتطلب الدخول للمستشفى في قسم نفسي خاصة اذا كان المريض مضطرباً وعدوانياً ولا يستطيع احد التكهن بما سوف يفعله.

اقرأ أيضا:  حساسية الغلوتين

أما بالنسبة للاكتئاب فإن الادوية المضادة للاكتئاب هي العلاج الناجع لهذا المرض، وهناك كتيب آخر ضمن هذه السلسلة يتحدث بالتفصيل عن علاج الاكتئاب ولكن لابد هنا من كلمات بخصوص علاجات الاكتئاب بأنها علاجات غير مخدرة ولا يدمن عليها وهي عادية وهناك أنواع عديدة من مضادات الاكتئاب أهمها الادوية المضادة للاكتئاب ثلاثية الحلقات وأهم هذه الانواع هي الاميتربتلين ، أميبرامين و كلوميبرامين وهذه الادوية فعالة في علاج الاكتئاب منذ عدة عقود ولكن ظهر في العقد الماضي أدوية تمنع إعادة تكسير مادة السروتونيين مما يبقيها فترة أطول فعالة.

وهذه الادوية فعالة وكذلك فإن مريض الاكتئاب الذي يكون جزءاً من اضطراب الوجدان ثنائي القطب يمكن علاجه ايضاً بمثبتات المزاج مثل نوبات الهوس وهذا يمنع تكرار نوبات الاكتئاب. وتخضع هذه الآراء لرأي الطبيب المعالج الذي يوازن بين انتكاسة المريض والاعراض الجانبية لهذه الأدوية المثبتة للمزاج. كذلك يجب على المريض بالاكتئاب عدم إيقاف العلاج الا برأي الطبيب المعالج لأنه يجب على المريض استخدام الادوية لفترة طويلة حسب ما يراه الطبيب المعالج.

الوقاية من المرض:

هل يمكن للمرء الوقاية من هذا المرض؟
هذا السؤال الذي يطرحه الكثيرون من الذين يعانون من هذا المرض أو من أقارب المرضى الذين ذاقوا مرارة التعايش مع من يعاني هذا المرض الصعب. حقيقة ليس من السهل الإجابة على هذا السؤال ، لكن يمكن توخي الحذر اذا كان في أسرته أو أحد افراد عائلته من يعاني من هذا المرض فعليه أن يتجنب الارتباط من شخص لدية تاريخ عائلي من الاصابة في هذا المرض لأن نسبة الاصابة ترتفع بين أبناء هؤلاء الاشخاص، رغم معرفتي بأن أهل المريض أو المريضة يخفون دوماً أصابة ابنهم او ابنتهم بمرض نفسي أياً كان ، ولكن يجب تغليب المصلحة الشخصية والنظر الى مصلحة العائلة المستقبلية.

كذلك على الشخص المصاب تفادي الضغوط النفسية والاجتماعية والاسرية والعمل على حلها حتي لا تستفحل.

ويجب على الأهل عرض قريبهم على الطبيب عند حدوث تصرفات غير عادية في الشخص المعني، خاصة زيادة الحركة وقلة النوم وعكس ذلك في الاكتئاب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *