استراتيجيات وبرامج التدخل المبكر

ثالثاً : الاعتراف المتزايد بأن الرضع وأطفال الحضانة ذوو الاحتياجات الخاصة لهم حقوق في الحصول على فرص متساوية مع أقرانهم العاديين من أجل تنمية وتطوير إمكاناتهم وقدراتهم .

      ولقد حدث تطور مواز لهذا الاتجاه العالمي في دول الخليج العربي ، فقد ظهرت في السنوات الأخيرة في البعض من الدول الخليجية عدد من المؤسسات والمراكز التي تقدم خدماتها للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة .ورغم أن البداية كانت لذوي التخلف العقلي ، إلا أن الخدمات الآن قد توسعت لتشمل ذوي الإعاقات الجسدية والإعاقات الحسية . مع الأخذ في الاعتبار أن معظم أشكال الخدمات الخاصة ما زالت تتبنى سياسة العزل والفصل ، مع وجود إستثناءات قليلة مثل روضة أزهار الحراك للمعاقين جسدياً وروضة الأمل للمتخلفين عقلياً بدولة البحرين ، حيث يوجد بكل منهما أطفال عاديون . وهو اتجاه نتمنى أن يتسع ليشمل كل الفئات في كل الدول الخليجية .
   إن ميدان التدخل العلاجي المبكر ميدان متفرد يتطلب توجهات جديدة ومبتكرة، لا تكون مجرد امتداد تنازلي لخدمات التربية للأطفال في سن المدرسة ، أو مجرد نقل وتكرار للبرامج والأساليب المستخدمة في رياض الأطفال . إن الأهداف العامة للتربية الخاصة للأطفال من سن الميلاد حتى دخول المدرسة الابتدائية تختلف عن أهدافها في المراحل العمرية التالية ، فالهدف هنا تسهيل أو تدعيم نمو الأطفال الصغار عن طريق التدخل في الوقت المناسب قبل أن تؤدي الإعاقة أو ظروف الخطر النمائي (At- Risk) إلى تغيير أو ربما هدم نموهم وإمكاناتهم في المستقبل ، وأيضاً منع أو الوقاية من ظهور الإعاقات الثانوية ، وأخيراً تدعيم الأسرة لكي تقدم أفضل رعاية لأطفالها المعاقين أو من هم في خطر بيولوجي ولا أو بيئي بسبب العجز أو ظروف الخطر . ثم على المجتمع بأفراده ومؤسساته أن يتحمل مسئولياته لجعل الخدمات الخاصة متوافرة لهؤلاء الأطفال الصغار .
تعريف المصطلحات الأساسية :

التدخل المبكر Early Intervention
     يستخدم الآن مصطلح التدخل المبكر بديلاً عن مصطلح " الوقاية " الذي كان شائعاً في الستينات والسبعينات . وكان التصور في ذلك الوقت أن التربية التعويضية هي نظام يمكن من خلاله مساعدة الأطفال الذين ينمون في بيئة غير ملاءمة على النجاح في المجتمع العادي ، وكان ينظر إلى هذه المساعدة على أنها تقي أو تمنع تأثير المتغيرات السالبة . وقد حدث تغير سريع في اتجاه الوقاية من العجز ، ومن ثم ظهر مصطلح التدخل المبكر ( Sandow , 1990) .
     التدخل المبكر هو إجراءات منظمة تهدف إلى تشجيع أقصى نمو ممكن للأطفال دون عمر السادسة ذوي الاحتياجات الخاصة ، وتدعيم الكفاية الوظيفية لأسرهم . ومن ثم فالهدف النهائي للتدخل المبكر هو تطبيق استراتيجيات وقائية لتقليل نسبة حدوث أو درجة شدة ظروف الإعاقة أو العجز ، والاستراتيجيات الوقائية إما أولية أو ثانوية .
 مرحلة الطفولة المبكرة : تنقسم هذه المرحلة من وجهة نظر التدخل المبكر إلى ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى تمتد منذ الميلاد وحتى عمر 12 شهر ، يطلق على الطفل في هذه المرحلة " الطفل الرضيع Infant " .
والثانية من عمر 12 شهر – 36 شهر ، ويطلق على الطفل هنا " طفل الحضانة Toddler " .
المرحلة الثانية فتشمل الفترة من 3 سنوات إلى 5-6 سنوات ( أي عمر بدء الالتحاق بالمدرسة الابتدائية ) ويسمى الطفل في هذه المرحلة " طفل ما قبل المدرسة Preschool Child.
 
فئات الأطفال المستهدفة ومحكات التعرف عليها :
يتفق الباحثون على وجود ثلاث فئات من الأطفال الذين يجب حصولهم على خدمات التدخل المبكر ، وهم : الأطفال الذين يوجد لديهم بالفعل مشكلة أو عجز محدد، والأطفال الذين في حالة خطر بيولوجي ، والأطفال الذين في حالة خطر بيئي (Foster & Foster , 1993) . ويضيف البعض فئة أخرى هم الأطفال المتأخرين نمائياً ( Benn , 1993) . ويلاحظ أن كل هؤلاء الأطفال هم في خطر ، سواء كان الخطر محدداً ومعروفاً حالياً ، أو يتوقع حدوثه في المستقبل . وفبما يلي وصف مختصر لكل فئة .
1] الأطفال ذوو ظرف خطر قائم Established risk condition :
وهم الأطفال الذين تم تشخيصهم رسمياً وتبين وجود اضطرابات طبية محددة ، معروف في الغالب أسبابها وأعراضها . وتضم هذه الظروف بعض الاضطرابات الصبغية ، مثل زملة دوان وحالة الفينلكتيون يوريا ( PKU) وهي أحد أنواع اضطرابات الأيض . والتشوهات الخلقية ، والاضطرابات العصبية ( مثل الشلل الدماغي) ، والاضطرابات الحسية . الأطفال في هذه الفئة ليس من الضروري أن يظهر عليهم حالياً تأخر نمائي ، ولكن احتمال حدوث ذلك لا يقل عن 90% ، أو 65% كما يذهب البعض ( Benn , 1993 ) . والمحك المستخدم هنا هو التشخيص الطبي .
2] الأطفال ذوو خطر بيولوجي Biological risk :
هم أطفال لديهم تاريخ مرضي قبل الميلاد أو أثناء الوضع أو بعد الميلاد يرجح وجود خطورة بيولوجية على نمو الجهاز العصبي المركزي . والأطفال في هذه الفئة لا يوجد لديهم حالياً عجز أو إعاقة ، ولكن هذه الظروف البيولوجية تزيد من احتمال ظهور تأخر نمائي أو مشكلات في التعلم في المستقبل إذا لم يحدث تدخل علاجي . وتوجد قائمة محددة لهذه الظروف الخطرة تم وضعها في ضوء نتائج الدراسات والبحوث . والمحك المستخدم هنا وجود عامل واحد على الأقل من هذه القائمة اعتماداً على قرار فريق تقييم متعدد التخصصات .
ومن أهم عوامل الخطر البيولوجي إدمان الأم الحامل للمخدرات ، والولادة المبتسرة ووزن قليل للطفل الوليد ، ونظراً للتقدم الذي حدث في العلوم الطبية فقد اختلفت معايير الولادة المبتسرة وقلة الوزن التي تجعل الطفل الوليد في خطر بيولوجي ، فالولادة أصبحت في عمر 25-26 ، والوزن أصبح 1.5 كجم أو أقل (Hanson & Lynch , 1995) . مع ملاحظة أن الكثير من الأطفال الذين يولدون في ظروف خطر بيولوجي أو طبي يحدث لهم شفاء من هذه الظروف بدون تدخل علاجي رسمي .
3] الأطفال ذوو خطر بيئي Environmental risk :
الأطفال في هذه الفئة لا يعانون من اضطرابات بيولوجية أو وراثية ، وظروف الحمل والولادة كانت عادية ، ولكن نوعية خبراتهم المبكرة والظروف البيئية التي ينشأون من خلالها تمثل تهديداَ محتملاً للنمو السوي للطفل ، كما ترجح ظهور مشكلات سلوكية ومعرفية وانفعالية في المستقبل ، وتتعلق عوامل الخطر هنا بنوعية رعاية الأم ، والاستثارة المتوافرة ، سوء التغذية ، نقص الرعاية الطبية ، وبيئة الأسرة الفقيرة اقتصادياً وثقافياً . المحك المستخدم هنا أيضاً يعتمد على قرار فريق التقييم متعدد التخصصات .
4] الأطفال المتأخرون نمائياً :
هذه الفئة من الأطفال يضعها البعض ضمن الفئة الأولى ، وهو الأمر الشائع كما ذكرنا ، والبعض الأخر يعتبرها فئة منفصلة اعتماداً على حدوث التأخر النمائي بالفعل لدى الطفل في أول سنتين من العمر في مجالين أو أكثر من مجالات النمو . يستخدم هنا القياس النفسي والمحك الإكلينيكي . ويعتبر حصول الطفل على درجات تتراوح بين واحد إلى اثنين انحراف معياري دون المتوسط على قياس مقنن للنمو دليلاً على وجود تأخر نمائي ، أما المحك الإكلينيكي فيعتمد على فريق متعدد التخصصات يستخدم مصادر متنوعة ويصدر حكما على الملاءمة النمائية لقدرات الطفل .
 
مبررات ضرورة التدخل المبكر :
يوجد العديد من المبررات التي تدعو إلى ضرورة تقديم برامج التدخل المبكر لمساعدة الأطفال المعاقين أو في خطر على النمو بطريقة أقرب ما تكون إلى العادية بالرغم من القيود المفروضة عليهم . وهذه المبررات ليست نابعة من مصادر عاطفية تجاه هؤلاء الأطفال ، كالعطف أو الشفقة أو حتى الحب ، ولكنها تعتمد على نظريات النمو الإنساني التي تحدد العوامل التي تيسر أو تعوق نمو الأطفال ، وعلى البحوث الميدانية في مجالات مختلفة ، مثل خصائص هؤلاء الأطفال ، وتأثير الحرمان المبكر من الاستثارة ، أو الفوائد المباشرة لبرامج التدخل المبكر على الطفل والأسرة والمجتمع ، وغير ذلك من بحوث تؤكد أهمية السنوات الأولى من العمر . ونظراً لتعدد هذه المبررات فسيتم استعراض أهم ثمانية منها كما وردت في التراث المنشور (Hanson & Lynch , 1995 , & Peterson , 1987) .
1] التعلم المبكر أساس التعلم اللاحق تؤكد معظم نظريات النمو على العلاقة الوثيقة بين السنوات الأولى والنمو والتعلم اللاحق . فالوقت الذي يمر بين ميلاد الطفل والتحاقه بالمدرسة له دلالة خاصة في متصل النمو الإنساني حيث تتشكل أنماط التعلم والسلوك الأساسية التي تضع الأساس لكل مجالات النمو اللاحق . عندما لا يكتسب الطفل تماماً العادات والمهارات والأبنية المعرفية التي تعتبر متطلبات سابقة للتعلم الجديد ، فإن هذا التعلم سيتأخر ويكون غير فعال وغير كامل ، وفي بعض الحالات يستحيل تحقيقه . أن التعلم ينبني على التعلم ، ومن ثم فإن الضعف في أي مرحلة يؤدي إلى ضعف أكبر في المراحل التالية ، أي أن الآثار السلبية تصبح تراكمية. فإذا تأخر الطفل بدرجة دالة على أقرانه في بعض مجالات النمو ، فمعنى ذلك أنه لكي يلتحق في مرحلة تالية يجب تسريع التعلم بسرعة أعلى من السرعة العادية ، أي من خلال البدء فورا في برنامج للتدخل المبكر .
2] مفهوم الفترات الحرجة : تشير نتائج الدراسات إلى وجود فترات حرجة أو حساسة للتعلم ، وتعتبر السنوات الأولى أهم مرحلة توجد بها الفترات الحرجة . والفترة الحرجة هي الوقت الذي يجب أن تقدم فيه مثيرات معينة أو تحدث خبرات خاصة لكي يظهر نمط معين من الاستجابات . وأثناء هذا الوقت يكون الطفل أكثر قابلية واستجابية لخبرات التعلم ، وتكون المثيرات البيئية أكثر قوة في استدعاء استجابات معينة أو في إنتاج أنماط تعلم معينة، وبالتالي يحدث التعلم بشكل أكثر سرعة وسهولة .
وفي ضوء مفهوم الفترات الحرجة فإن غياب الخبرات أو الاستثارة المناسبة خلال فترات النمو المهمة ، بغض النظر عن أسباب ذلك ، سيؤدي إلى فشل الطفل في تعلم الاستجابة واحتمال خسارة القدرة على اكتسابها فيما بعد ، أو التأخر في اكتساب الاستجابة في وقت تال ، حيث قد تكون المهارة من الممكن اكتسابها ولكن بكفاية وتلقائية أقل . وبالرغم من أن التعلم قد يمكن حدوثه بعد الفترة الحرجة المناسبة لاكتساب المهارات المقصودة ، إلا أن الاستثارة المطلوبة لتحقيق نفس الإنجاز يجب أن تكون أكثر عمقاً وأطول زمنا . السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : ما هي احتمالات أن تقدم البيئة العادية مثل هذه النوعية من الاستثارة لطفل يبدو كبيرا على هذه المهارة أو الاستجابة ؟
طالما أن الفترة الحرجة مرت دون تحقيق التعلم المنشود ، فإن ذلك يدل على عدم ملائمة أو عدم كفاية المثيرات البيئية المتوفرة للطفل . بعبارة أخرى فإن اكتساب الطفل وإتقانه للمهارات النمائية اللازمة لن يحدث دون برنامج إثرائي خاص يتوفر من خلال التدخل المبكر .
3] مرونة الذكاء والسمات الإنسانية الأخرى : إن الذكاء وباقي الإمكانات الإنسانية الأخرى ليست ثابتة عند الميلاد ، ولكنها تتشكل إلى حد كبير بالمؤثرات البيئية ومن خلال عملية التعلم . فالعوامل البيئية هي قوى فاعلة في تشكيل طبيعة كل إنسان ، وهي تضم الرعاية الجسمية والتغذية ، أساليب تربية الطفل ، نوعية وكمية الاستثارة الموجودة ، المناخ الانفعالي في المنزل ، الفرص التربوية المتاحة لتعلم الطفل . وإذا كان هناك من يؤمن أن الذكاء غير قابل للتغيير ، وإن السمات الإنسانية ثابتة للأبد منذ الميلاد ، فإن كان جهود التدخل المبكر تصبح غير ذات جدوى. ولكن لحسن الحظ يوجد المئات من الدراسات الميدانية التتبعية حول الذكاء أساسا وسمات أخرى ترجح حدوث التغير ، سواء بالزيادة أو النقصان ، نتيجة لعوامل بيئية . من أهم هذه العوامل فيما يتعلق بالذكاء على سبيل المثال : مستوى تعليم الوالدين ، ومدى تشجيع التحصيل الدراسي ، توفير الخبرات التربوية داخل المنزل وخارجه ، البيئة المعرفية في الأسرة . إلى جانب ذلك توجد أيضاً تلك الدراسات التجريبية التي قامت بنقل بعض الأطفال من البيئة الأسرية المحرومة ثقافياً ووضعهم في بيئة توفر الاستثارة الكافية ، أو تحسين الظروف البيئية من خلال برامج تربوية . نتائج هذه الدراسات التجريبية بشكل عام ترجح إمكانية تغير ذكاء الطفل إلى الأفضل نتيجة للمتغيرات التجريبية المستخدمة .
4] تأثير الظروف المعوقة أو الخطرة على الطفل : إن الظروف المعوقة أو الخطرة المؤثرة على الطفل الصغير يمكن أن تعوق النمو والتعلم إلى الدرجة التي قد يصبح فيها العجز الأصلي أكثر شدة ، أو قد تظهر لدى الطفل إعاقات ثانوية . فالعجز يمكن أن يعرقل عمليات التعلم العادية عن طريق إعاقة بعض الأساليب المألوفة للتفاعل مع البيئة . وإذا تركنا الأمر للفرص التربوية العادية المتاحة للأطفال غير المعاقين ، فإن الأطفال المعاقين يزيد احتمال أن يكون تعلمهم أقل كفاية من أقرانهم . وإذا كان عليهم الاشتراك في خبرات الحياة والاستفادة منها من أجل اكتساب المهارات الأساسية ، فإن ذلك يتطلب بالضرورة بعض أشكال التدخل والمساعدة الخاصة .
أما بالنسبة للأطفال ذوي الإعاقة المحددة التي تم تشخصيها فإن العجز واضح وظاهر ( مثل الشلل الدماغي أو الإعاقة البصرية ) ، وبعض آثار هذه الظروف المعوقة لا يمكن تجنبها ، مثل الإعاقة السمعية التي تقلل قدرة الطفل على التعلم من خلال الأسلوب السمعي . هذه الإعاقات المكتشفة تخلق حاجة ملحة وعاجلة للتدخل المبكر حيث أن تأثيراتها على السلوك والتعلم تكون واضحة ويمكن ملاحظتها .
أما بالنسبة للأطفال الذين ينشأون تحت ظروف بيولوجي و/ أو بيئي يخشى عليهم من الوقوع في إعاقة مستقبلية ، أو أنهم سيواجهون مشكلات في النمو عندما يكبرون ، فإنه لا يجوز الانتظار حتى يكبر هؤلاء الأطفال لنرى ما سوف يحدث ثم نتدخل إذا لزم الأمر . المشكلة هنا أن القصور البسيط في النمو قد يتراكم ويتحول إلى إعاقة ، وعندما تصبح مشكلات الطفل حادة ويمكن تشخيصها وتسميتها فإن الطفل يكون قد عاني فعلاً من آثارها السلبية. السؤال هنا : هل نستطيع المخاطرة بترك نمو الطفل تحت ظروف خطرة لنرى ما إذا كانت ستظهر مشكلة خطيرة ، أم يجب علينا التدخل مبكرا لمنع حدوث ذلك قدر الإمكان ؟
5] تأثير البيئة والخبرات الأولية على النمو : إن نوعية بيئة الطفل ونوعية خبراته الأولية لهما تأثير كبير على النمو والتعلم ، وعلى قدرة الطفل على تحقيق واستغلال كل إمكانات وقدراته . تتحدد نوعية البيئة والخبرات بمدى توافر الاستثارة المتنوعة والمواقف المتجددة ، وهي عامل يحتل أهمية خاصة لدى الأطفال المعاقين ، لأنها تساعد في تحديد إلى أي مدى سيتحول العجز إلى إعاقة ، وإلى أي مدى سيعطل عمليات النمو العادي ، وإلى أي مدى يستطيع هؤلاء الأطفال الحصول على وسائل للقيام بالأنشطة التعليمية التي تتوافر عادة لأقرانهم العاديين .
تشير الدراسات أن البيئة الأفضل للطفل هي التي توفر له :
أ ] ثلاثة أنواع من الاستثارة الحسية والوجدانية والاجتماعية ، (ب) استثارة تدعم وتطور النمو اللفظي ، (هـ) تشجيعاً لمهارة حل المشكلات والقدرة على الاستكشاف ، (د) آثار ونتائج إيجابية لما يقوم به من استدلال لفظي (Peterson . 1987) . كذلك كشفت نتائج العديد من الدراسات أن البيئات العقيمة والمحرومة تؤدي إلى سلوكيات شاذة وتأخر في النمو بين أطفالها ، وإذا حدث انتقال لهؤلاء الأطفال إلى بيئة تتوافر فيها الاستثارة المبكرة والعميقة فإن ذلك يمكن أن يغير أنماط السلوك الشاذ . ومن أشهر تلك الدراسات سلسلة دراسات سبيتز (Spitz) وجولدفارب ( Goldfard) في الأربعينات والخمسينات من هذا القرن والتي أجريت على الأطفال الرضع الذين تربوا في مؤسسات إيوائية .
6] نتائج التدخل المبكر : تستطيع برامج التدخل المبكر أن تحدث فرقا دالا في التطور النمائي للأطفال الصغار ، وهي تفعل ذلك بدرجة أسرع من جهود العلاج المتأخر الذي يبدأ مع التحاق الطفل بالمدرسة . كما أنها تقلل من احتمالات ظهور إعاقات ثانوية عند الطفل ، وأن تزيد من فرص اكتساب المهارات النمائية التي تتأخر أو لا يتعلمها الطفل .
توجد مجموعة من البحوث التقييمية حول الآثار بعيدة المدى لبرامج التدخل المبكر ، وهي تنقسم إلى ثلاثة أنواع ، وهي : (أ) البحوث التاريخية المبكرة التي تم فيها تحويل أطفال متخلفين عقليا أو متأخرين نمائياً من بيئتهم المحرومة إلى بيئة أكثر استثارة ، أو تم تقديم أشكال إضافية من الاستثارة في بيئتهم الطبيعية ، (ب) بحوث حول برامج التعليم المبكر للإثراء أو برامج للتدخل العلاجي مع أطفال من اسر ذات دخل منخفض أو يعيشون في بيئات غير ملاءمة ، (ج) دراسات تقييمية مباشرة لنتائج برامج التدخل المبكر للأطفال المعاقين .
7] احتياجات خاصة لأسرة الطفل المعاق : تتساوى أهمية التدخل المبكر للطفل المعاق مع أهميته للآباء وكل أعضاء الأسرة . لأن العلاقة بين سلوك الطفل الصغير وسلوك آبائه هي علاقة دائرية . فعندما يصبح الطفل عبئا ، وفي المقابل عندما تكون الأم / الأب أكثر استجابية وأكثر مهارة كمعلم ومربي ، يزداد احتمال اكتساب الطفل للمهارات النمائية والتكيفية ، إن لدى آباء الأطفال المعاقين العديد من الاحتياجات الخاصة التي يمكن لبرامج التدخل المبكر تلبيتها ، ومنها : (أ) تقديم دعم للآباء خلال الفترة التي تكون مشاعرهم ومداعاتهم حول عجز الطفل في أقصى درجاتها . فأثناء هذه المرحلة الأولية تتشكل اتجاهاتهم والأنماط الجديدة للتفاعل مع الطفل . (ب)مساعدة الآباء في اكتساب المهارات اللازمة للتعامل مع الاحتياجات العادية المتوقعة لطفلهم المعاق . فالآباء قد لا يستطيعون القيام بشكل مناسب بوظيفة تربية الطفل بسبب الجهل ، أو لوقوعهم تحت ضغوط كبيرة نتيجة الأعباء الكثيرة التي تتطلبها تربية الطفل المعاق ، أو لافتقارهم نظم الدعم والمساعدة الضرورية .
8] الفوائد الاقتصادية – الاجتماعية للتدخل المبكر : درهم وقاية خير من قنطار علاج ، حكمة قديمة ثبت صحتها على مر التاريخ . وإذا كان التدخل المبكر يمكن أن يقلل أعداد الأطفال الذين يحتاجون إلى خدمات التربية الخاصة في المدارس ، أو يقلل كثافة هذه الخدمات ، وإذا كان اتخاذ الإجراءات الوقائية يمكن أن يقلل عدد الأشخاص الذين يحتاجون لرعاية كاملة في مؤسسات الإيواء نتيجة تقليل درجة اعتمادهم على الآخرين ، إذا كان ذلك صحيحاً فإن التدخل المبكر يستطيع إذن توفير مبالغ طائلة يمكن استخدامها لتقديم المزيد من خدمات التربية الخاصة إلى المزيد من الأشخاص في المجتمع .
ولقد قامت وود Wood ( In : Peterson , 1987 ) بتحليل الفوائد الاقتصادية للتدخل المبكر في عدد من الدراسات التقييمية . قامت بحساب مجموع تكاليف التربية الخاصة حتى وصول الطفل إلى عمر 18 سنة وقارنت بين هذه التكاليف في حال بدء خدمات التربية الخاصة عند الميلاد ، وفي عمر سنتين ، وفي عمر ست سنوات . اتضح أن وسيط التكلفة السنوية 2021 دولارا إذا بدأت الخدمات منذ الميلاد ، و2310 دولارا إذا بدأت في عمر سنتين ، و4445 دولارا إذا بدأت في المدرسة . ومن ثم يبلغ مجموع الخدمات في عمر 6 سنوات تصل إلى 46.816 دولارا إذا كان التلميذ يعود أحياناً إلى الفصل ، أو 53.340 دولارا إذا ظل في فصل خاص حتى عمر 18سنة . أي أن خدمات التدخل المبكر يمكنها توفير حوالي 16.00 دولارا لكل تلميذ معاق طوال سنواته الدراسة .
 
برامج التدخل المبكر :
شهدت أعوام السبعينات تكاثرا في برامج التدخل المبكر ، والتي اعتمد معظمها على نموذج القصور Defict model الذي افترض أن الضعف موجود داخل الطفل وأن العوامل البيئية غير المناسبة هي مجرد عوامل مساهمة ، كما افتراض أن هذا الضعف هو مسئولية الآباء بالدرجة الأولى . لذلك كانت البرامج تركز على التعليم التعويض ، وإلى إرجاع النجاح لجهود المعلم والفشل إلى خلل في الأسرة . ثم حدث تحول تدريجي بين الباحثين في الثمانينات نحو رفض النموذج السابق نتيجة لظهور ما يسمى الآن بعلم اجتماع التربية الخاصة ، وظهور الاتجاه المعرفي الاجتماعي Social Cognition الذي ينظر إلى النمو كعملية تفاعلاتية Transactional process، وكان ظهوره نهاية للفصل التقليدي بين النمو المعرفي والنمو الاجتماعي ، والاعتراف بالسياق المتغير لخبرات الطفل ( Sandows , 1990) .
وإذا استعرضنا نماذج برامج التدخل المبكر المستخدمة حالياً لاختيار أفضل نموذج يجب على كل البرامج التأسي به ، فلن نجد النموذج الذي يتفق حوله الباحثون والأخصائيون ، بل على العكس فهم يتفقون على عدم وجود ما يسمى بالبرنامج الأفضل ، ولا يوجد منحى نظري هو الأكثر فعالية من غيره . إن اختيار نموذج برنامج ذو فعالية يتحدد بالقيم ، والفلسفة التربوية ، والنظرية النمائية التي يميل الباحث للالتزام بها . ومن ثم فهناك مدارس فكرية مختلفة تدور حول ما تراه كل منها على أنه برنامج التدخل المبكر الملائم . لذلك سيتم استعراض الاتجاهات النظرية الأساسية في النمو والتعلم ، وكيفية تطبيق كل منها في برامج التدخل المبكر، سواء من حيث الأهداف أو محتوى المنهج أو طرق التدريس .
 
الاتجاهات النظرية وتطبيقاتها :
1] الاتجاه السلوكي الإجرائي : يؤمن أنصار الاتجاه السلوكي أن نمو الطفل يحدث من خلال تفاعل الطفل مع البيئة اعتماداً على مبدأ المثير- الاستجابة، ويتيج هذا التفاعل أن يتعلم الطفل فهم العلاقات بين المثيرات والاستجابات والتصرفات التي يقوم بها ، ونتائج ذلك ( التعزيز والعقاب ) . كما يفترض هذا الاتجاه أيضاً أن كل السلوك الإنساني هو سلوك متعلم ومكتسب . والفشل التعليمي يحدث عندما لا يكتسب الأطفال المهارات النوعية الأساسية لتعلم مهارات أخرى . ولتعلم تلك المهارات الأساسية فيجب تدريسها للطفل، لأنها لا تظهر بشكل تلقائي . إذن يمكن إنجاز التعلم عن طريق تحديد دقيق للسلوكيات المستهدفة وترتيب المثيرات الملاءمة التي يمكنها استدعاء الاستجابات المطلوبة ، وبرمجة التعلم في خطوات صغيرة متتابعة ، مع ضرورة تعزيز الاستجابات المرغوبة .
محتوى المنهج هنا لا يتبع منطق مراحل النمو ، وإنما يستخدم الاتجاه السلوكي المنطق العلاجي أو الوظيفي في اختيار المهارات التي يتم تعلمها . والمحكات الأساسية في الاختيار أن تكون المهارات مناسبة لعمر الطفل ، وذات معنى ، ولها فائدة مباشرة . وطرق التدريس المستخدمة تعتمد على التدريس المباشر ، مثل النمذجة والتلقين والتشكيل والتسلسل والتعزيز . والتدريس هما فردي يعتمد على تقييم مبدئي للسلوك القاعدي لدى الطفل . يتميز برنامج التدخل القائم على هذا الاتجاه بالاهتمام الشديد ببناء البرنامج والتخطيط والتنظيم الدقيق والصارم لكل الجوانب ، ويشبع استخدامه في كثير من برامج التدخل المبكر .
2] الاتجاه النمائي : يذهب الاتجاه النمائي إلى أن الطفل سوف يتفتح ويتعلم عندما يكون مستعدا نمائياً للتعلم ، بمعنى أنه سيتعلم بشكل تلقائي المهارات النمائية والتكليفية اللازمة في البيئة جيدة التنظيم . وأن هذا التعلم يحدث من خلال مراحل متتابعة لكل مظهر من مظاهر النمو . اعتمدت البرامج الأولى في التدخل المبكر على هذا الاتجاه ، حيث كان هدفها مساعدة الأطفال الصغار من ذوي الإعاقة على النمو من خلال المراحل العادية المعروفة للنمو . وقد استعادت تلك البرامج من البرامج الاثرائية التي ظهرت في الستينات لتقديم خدمات خاصة للأطفال الذين يعيشون في ظروف أسرية محرومة .
يتكون محتوى المنهج في برنامج التدخل المبكر من المهارات المختلفة التي تمثل مظاهر النمو التي يحتاج الطفل إلى اكتسابها ، ويتم تحديد تلك المهارات وفقاً لمرحلة نمو الطفل والمهارات الخاصة بها . ويتسلسل محتوى المنهج وفقاً لمراحل تتابع . ودور أخصائي التدخل هنا سلبي ، فعليه العمل على توفير المواد والأنشطة المناسبة نمائيا للطفل ، الذي عليه بدوره اختيار ما يريد المشاركة فيه . واستراتيجيات التدريس بالتالي تحاول أن تتمثل أنواع الأنشطة التي يقوم بها الأطفال غير المعاقين ، والمبدأ النظري هنا أن هذه الأنشطة توفر الفرصة للطفل المعاق لممارسة أهداف النمو المهمة في كل مرحلة .
تطور عن هذا الاتجاه النموذج النمائي المعرفي في التدخل المبكر ، والذي اعتمد على نظرية بياجيه في النمو المعرفي . محتوى المنهج يتشابه مع محتوى المنهج النمائي ، ولكن مع التركيز على المهارات المعرفية ، والاعتماد على تتابع المهارات التي وصفها بياجيه في المرحلة الحسية الحركية ومرحلة ما قبل العمليات. وطرق التدريس المستخدمة في النموذج النمائي المعرفي تعتمد أيضاً على نظرية بياجيه ، حيث يقوم أخصائي التدخل المبكر بعرض المهام التي تستثير تحدي الطفل بهدف خلق حالة من عدم الاتزان لديه ، ويحدث التنظيم والتكيف أثناء محاولة الطفل مواجهة التحدي ، ومن ثم يتحقق التوازن ويحدث التعلم ويمارس الأخصائي دورا نشطا في تشجيع الطفل لتجربة أشياء وأنشطة جديدة وسؤاله عن خبراته التي يمر بها ، ولكن الأخصائي لا يتدخل لمنع فشل الطفل .
3] الاتجاه البيئي : ينظر الاتجاه البيئي للطفل باعتباره يسلك وفقاً لبيئته ، وأنه يتعلم بشكل أفضل عن طريق خبراته المباشرة . ومن خلال التفاعل والمعالجة المباشرة للبيئة ينمو الطفل ويصبح أكثر مهارة من القيام بالمهام النمائية الأساسية ، مما ينتج له التقدم نحو مستويات أعلى من الكفاية المعرفية . التفاعلات المبكرة للطفل هي بالدرجة الأولى خبرات حية ، ولكن مع النمو الجسمي للطفل يحل محلها أشكال أكثر تعقيداً للتفاعل مع البيئة . ويبدأ الطفل في استدماج الخبرات مستخدما الرموز لتمثيل هذه الخبرات أو معالجة الأفكار ، ويستخدم اللغة كوسيط في تنظيم الخبرات . تبدأ عمليات التفكير في الظهور عندما يستطيع الطفل اكتشاف مفهوم العلاقات ويستخدمها في التفاعل المعقد مع البيئة .
محتوى المنهج في برامج التدخل المبكر المعتمدة على الاتجاه البيئي يتم تحديده على أساس فردي لكل طفل بحيث يعكس مطالب البيئة الطبيعية لمن هم في مستوى عمره ، ويتغير المحتوى مع نمو الطفل . وعندما يوجد تباعد بين مستوى استعداد الطفل والمهارات المناسبة لعمره ، يتم تعديل مستوى المنهج لكي يتناسب مع قدراته واحتياجاته . ويشترط أن تكون المهارات لازمة لمشاركة الطفل في بيئاته الحالية والمستقبلية من الجوانب الرئيسية في برنامج التدخل المبكر تنظيم الأنشطة التي تتيح للطفل : الخبرة المباشرة ، والتجريب ، والتعلم عن طريق الاستكشاف ، والمشاركة الفعالة . ويكون التعلم أكثر سهولة إذا كان مستوى الكفاية المعرفية للطفل مساويا لنوع الخبرات المعروضة عليه .
استراتيجيات التدريس المستخدمة متنوعة ، ويأتي على رأسها التدريس العارض Incidental . تستخدم هذه الطريقة سلوكيات الطفل لتحديد المواقف والظروف التي يتم فيها التدريس ، وهدفها تدعيم الاستقلال والمساواة عند الطفل. ويعتبر السياق الذي يحدث فيه التدريس أحد الخصائص التي تميز هذا النموذج ، فالبيئة الطبيعية للطفل هي المصدر الذي يستمد منه المحتوى ، وفي نفس الوقت هي البيئة التدريسية ( Noonan & McCormick , 1993 ) .
4] الاتجاه القائم على الأنشطة : يعتبر الاتجاه القائم على الأنشطة هو الاتجاه الذي يحظى حالياً بأقصى قدر من الاهتمام في ميدان التدخل المبكر . قدمه بريكر Bricker لأول مرة عام 1989 ، وسرعان ما لفت الأنظار وانتشر استخدامه في العديد من البرامج ( Hanson & Lynch , 1995 ) . تعتمد الجذور النظرية لهذا الاتجاه على أفكار أربعة من أصحاب النظريات المعروفة ، وهم سكنر وبياجيه وفيجو تسكن وجون ديوي . والاتجاه القائم على الأنشطة يقوم على ثلاثة أفكار رئيسية ، هي (2) تأثير وتفاعل كلا من السياق الاجتماعي المباشر والعام على تعلم الطفل ونموه ، (ب) الحاجة إلى مشاركة فعالة من الطفل لضمان تحقيق تعلم جيد وكفء ، (جـ) الأنشطة والخبرات المقدمة للطفل يجب أن يكون لها معنى ووظيفة من وجهة نظره (Bricker & Cripe , 1992 ) .
توجد أربعة عناصر رئيسية في برنامج التدخل المبكر القائم على الأنشطة ، وهي (أ) الاهتمام بدوافع واهتمامات وتصرفات الطفل من خلال تشجيعه على المبادأة بالنشاط ، ثم مشاركته في اللعب والألعاب التي اختارها . فالطفل له القيادة في توجيه الأنشطة كلما كان ذلك ممكنا ، وبالتالي تقل الحاجة إلى المعززات . (ب) إدخال التدريب والتعلم في أنشطة الطفل الروتينية لإدماج المهارات المستهدفة التي تحقق فائدة مباشرة له في السياق الطبيعي . وإدخال التعلم في أنشطة يخططها الأخصائي بحيث تثير اهتمام الطفل ويعتبرها مسلية بالنسبة له . (جـ) إن مجرد الاستفادة من مزايا الأنشطة الروتينية أو المخططة لا يضمن حدوث التغيرات المطلوبة في مهارات الطفل ، فهي تقدم فقط السياق الثري والطبيعي لإجراءات التدخل ، ومن ثم لابد من الاستخدام المنظم للمثيرات السابقة واللاحقة والتي تحدث كنواتج منطقية للأنشطة . فالطفل لا يترك اللعب على أمل أن يحدث التعلم ، بل على الأخصائي أن يقوم بدور المشارك الفعال . (د) المهارات المستهدفة من برنامج التدخل المبكر يجب أن تكون وظيفية ومولدة Generative . المهارات الوظيفية هي تلك التي تتيح للطفل التعامل مع بيئته الاجتماعية والمادية بشكل مستقل وبطريقة يرضى هو عنها والآخرون المحيطون به . كما نساعد الطفل على اكتساب مهارات مولدة تساعده في التفاعل المستقل في المواقف المختلفة ، أي عدم تعليم الطفل الاستجابة لإشارات معينة تحت ظروف معينة ، ولكن تعليمه تعميم كل أنواع المهارات .
 
إطارات نموذجي لبرنامج تدخل مبكر :
نظراً لعدم وجود برنامج للتدخل المبكر يعتبر الأفضل من بين البرامج المقدمة حالياً ، كما سبق الإشارة لذلك ، فضلنا تقديم إطار نموذجي لبرنامج تستطيع أي جهة استخدمه لوضع برنامجها للتدخل المبكر بما يتناسب مع إطارها الفكري وأهدافها بعيدة المدى من هذا التدخل . إن أي برنامج للتدخل يجب أن يكون :
1] قائماً على فلسفة أو نظرية أو إستراتيجية تربوية تحقق الاستمرار والاتصال بين الأهداف والمنهج وطرق التدريس وكل المكونات الأخرى .
2] محدد بواسطة عدد من المكونات التي تتلاءم مع بعضها فلسفيا وإجرائياً ، وأن تكون العلاقات بين المكونات محددة بوضوح وتعكس الافتراضات والأهداف المشتركة .
3] بناؤه محدد بشكل تفصيلي وواضح بحيث يستطيع أن يفهمه ويطبقه أشخاص آخرون من جهات أخرى .
4] أن يحمل الأدلة على نجاحه ، وأن ما ينتج عن استخدامه من إنجازات يعود إلى إجراءات البرنامج فقط ، وليس إلى متغيرات أخرى ، مثل حماس العاملين .
وفيما يلي شكل تفصيلي لهذا الإطار ، يليه توضيح لمكوناته :
مكونات نموذج برنامج للتدخل العلاجي
يتكون الإطار النموذج لبرنامج التدخل المبكر من أحد عشر مكونا تقدم وصفا كاملاً للبرنامج من حيث المحتوى وأولويات التدريس ، استراتيجيات التطبيق ، المواد والتسهيلات ، والنتائج المتوقعة . ومن بين هذه المكونات توجد ثلاثة مكونات تمثل القاعدة الأساسية التي توضع فوقها بقية المكونات ، ومجموعة القيم أو الفلسفات إلى جانب التوجه النظري يحددان المفاهيم الخلفية التي تتخذ القرارات في ضوئها ، ومن هذين المكونين يتم استخراج الأهداف البعيدة والقصيرة المدى ، وهو المكون الثالث. تحدد هذه الأهداف الفرض من نموذج البرنامج وما الذي يرغب في تحقيقه بالنسبة للطفل وأسرته والمجتمع المحلي . المكونات السبعة الأخرى تتعامل مع الخصائص الداخلية للبرنامج وآليات العمل . وعلى كل منها أن يحدد كيفية ترجمة القيم والنظرية والأهداف في الممارسات الفعلية عند تقديم الخدمات للطفل وتعليمه . وفيما يلي وصف مختصر لمكونات الإطار .
1] القيم الأساسية والفلسفة : توجد ثلاث مجموعات من القيم العامة يجب على مصمم البرنامج تحديدها بوضوح ، وهي (أ) قيم تتعلق بالطفل ، مثل ما الذي يحتاجه الطفل بصفة عامة والمعاق أو في خطر بصفة خاصة . وما الذي تتوقع أن يستطيع الأطفال الصغار القيام به ؟ (ب) قيم حول التربية ، مثل ما هو دور التربية في المجتمع وما مسئولياتها تجاه الأطفال خاصة المعاقين أو في خطر ؟ ما الذي نريد تحقيقه مع الطفل في التربية الخاصة ؟ (جـ) قيم حول العملية التربوية ، مثل كيف نحدد ما يجب تعليمه للطفل ؟ ما هي حدود دور كل من المعلم والطفل في الممارسات التربوية الفعلية ؟
2] الأسس النظرية والافتراضات الخلفية : سبقت الإشارة إلى الاتجاهات النظرية المختلفة وتطبيق كل منها في التدخل المبكر . مع الأخذ في الاعتبار من يؤمنون باتجاه نظري مبين في النمو ، ويعتقدون أنهم يصممون برنامج وإجراءات التدخل المبكر التي تعكس هذا الاتجاه النظري ، ولكن البرنامج الفعلي والممارسات الواقعية قد لا تحمل في الحقيقة أي نظرية ( Sandows, 1990) . لذا فإن تبني وجهة نظر معينة يجب أن ينعكس بوضوح من مختلف مكونات البرنامج .
3] الأهداف البعيدة والقصيرة : إن غرض أي برنامج يمكن معرفته من العبارات التي تحدد أهدافه البعيدة والقصيرة ، والتي تعكس في نفس الوقت القيم والنظرية الخلفية لهذا البرنامج . توجد ثلاثة أنماط من الأهداف : (أ)نمط يؤكد على المهارات ، سواء المهارات النمائية الأساسية ( مثل اللغة والحركة ومساعدة الذات ) أو المهارات الأكاديمية ( مثل القراءة والحساب). (ب) نمط يؤكد على العمليات المعرفية – المفاهيمية ، مثل مهارات التفكير وحل المشكلات . (جـ) نمط وجداني – معرفي ، حيث تركز الأهداف على الاتجاهات والخبرات وسمات الشخصية .
4] الخدمات وأساليب تقديمها : يحدد كل برنامج قائمة بالخدمات التي يستطيع تقديمها للأطفال أو آبائهم ، كما يحدد استراتيجيات تقديم هذه الخدمات . ويتم ذلك من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية : من المستهدف الأساسي ؟ متى يبدأ تقديم الخدمات ؟ ما هي أنواع الخدمات ؟ أي ستقدم الخدمة ؟ من سيقوم بالخدمة ؟ ما هو السياق الاجتماعي لتقديم الخدمة ؟ ما هي الجهات المشاركة في مسئولية تقديم الخدمة ؟
5] المنهج والمواد : يجب تحديد المنهج الفعلي وما سوف يدرسه الأطفال لتحقيق النمو والتعلم المطلوب . يبدأ ذلك بتحديد الكفايات الواجب تدريسها أو إكسابها للطفل ، مع ترتيب الأولويات ، وتنظيم تنفيذ المنهج في شكل أنشطة أو وحدات تعليمية . إلى جانب ذلك يتم تحديد المواد التي يحتاجها المعلم والطفل ، واللازمة لتنفيذ المنهج .
6] طرق التدريس : وهي من أكثر أجزاء البرنامج ظهوراً أمام الآخرين . تتحدد طرق التدريس وفقاً للإجابة عن الأسئلة التالية : ما طبيعة وحدود دور المعلم داخل الفصل ؟ ما هي طبيعة وحدود دور الطفل في الفصل ؟ ما طبيعة العملية التدريسية من حيث : الجدول اليومي ، أسس تجميع الأطفال ، درجة بناء وتنظيم الأنشطة واستخدام المواد ؟
7] إجراءات تقييم الطفل والبرنامج : ما هي الآليات المستخدمة لتحديد مدى تحقيق البرنامج لأهدافه ؟ ما هي إجراءات التقييم المحددة المستخدمة مع الطفل قبل وأثناء البرنامج ؟ ما هي المحكات والأدوات المستخدمة لتقييم فعالية البرنامج ؟
8] اختيار العاملين وبناء الهيكل التنظيمي وتحديد الأدوار : يتعلق هذا المكون بالنظام الإداري لتنفيذ البرنامج ، ويشمل : أنواع التخصصات المطلوبة ، والمؤهلات والخبرات والمهارات اللازم توافرها في العاملين ؟ ما هي مسئوليات وأدوار كل فرد ؟ كيفية تسلسل السلطة ، والمستويات الإشرافية ؟ آليات اتخاذ القرار ؟
9] تدريب العاملين وإعدادهم : يجب تدريب العاملين على نموذج البرنامج قبل البدء في تنفيذه ، ثم تدريبهم أثناء العمل سواء بهدف المتابعة أو تقديم تغذية راجعة لمدى تطورهم في تنفيذ إجراءات البرنامج .
10] المصادر والتسهيلات المطلوبة : إن كل المكونات السابقة تحدد أنواع المصادر المطلوب توفيرها . وإلا فإن البرنامج سوف يفشل ، أو يعاد تخطيطه لكي يتناسب مع المصادر المتاحة ، أو يتم التركيز على بعض المكونات دون الأخرى . يضم هذا المكون التسهيلات المطلوبة داخل الفصل، مواد ومعينات التدريس ، الاحتياج لقوى عاملة إضافية إلى جانب العاملين الذي بدأ بهم البرنامج .
 
طرق تقديم الخدمات :
يستخدم في التربية مصطلح طرق تقديم الخدمة Service delivery بمعنى الترتيبات الإدارية المستخدمة لتوصيل المساعدة التعليمية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة . كانت تعرف هذه الطرق في ضوء نوعية الإطار المكاني الذي تقدم فيه (فصل دمج ، فصل خاص ، غرفة مصادر ، مدرسة نهارية ، مدرسة إيواء ، داخل المنزل ) . دفع هذا التوجه الباحثين والمهنيين إلى تركيز الانتباه على قضية أين يجب إلحاق الطفل أكثر من الانتباه لقضية ماذا يجب أن يقدم للطفل من هذا المكان . ومن ثم فيجب على التربية الخاصة أن تقدم شيئا خاصا ، شيئا إضافياً وغير عادي أكثر مما يقدم في الفصل العادي .
اقترح دن Dunn ( In: Peterson , 1987 ) أربعة أنماط للترتيبات يمكن للمهنيين استخدامها لمساعدة التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة ، ويركز دن على مكونات برنامج التربية الخاصة ، ويصف الخدمات في ضوء ما يجب أن تتميز به التربية الخاصة ، وهذه الأنماط هي : (1) مهنيون مدربون تدريباً خاصاً للعمل مع الأطفال المعاقين أو في خطر . (2) محتوى خاص للمنهج يحل محل المنهج العادي أو يكمله. (3) طرق تدريس خاصة لتسهيل التعلم ومواجهة مشكلات التعلم .(4)مواد وتجهيزات خاصة توفر دعما ومساندة لعملية التعلم .
مشكلة الاتجاه الأول الذي يهتم بالمكان والاتجاه الثاني الذي يهتم بالمحتوى ، أنهما لا يركزان على أهمية الإجراءات الفعلية والعملية التي بواسطتهما تصل الخدمات . لذلك ظهر تحول من تعريف " تقديم الخدمة " حيث أصبح المصطلح يركز على العملية Process . يؤكد هذا التعريف على الاستراتيجيات والأنشطة المستخدمة في تقديم الخدمات الخاصة ، ويشمل ذلك التخطيط لكل الخطوات أو العمليات التالية: من سيتلقى الخدمات ، متى تبدأ وكم من الوقت تستمر ، ما هي الخدمات المقدمة ، أي ستقدم ، من سيقوم بالخدمة ،
 
ما هي الجهات المسئولة ( Peterson , 1987) .
نظراً لأن الطرق الشائعة حالياً في تقديم الخدمات ما زالت تتبع الأسلوب التقليدي ، فسيتم تصنيف هذه الطرق وفقاً لنمط المكان الذي تقدم فيه الخدمات الخاصة . وتنقسم الطرق إلى مجموعتين ، الطرق التي تقدم خدماتها داخل منزل الطفل Home – based والطرق التي تقدم من خلال مركز Center – based ، مع ملاحظة أن بعض المراكز تستخدم النوعين في وقت واحد ( Bryant & Graham , 1993) .
1] طرق تقديم الخدمات داخل المنزل :
في هذا النوع من طرق تقديم الخدمة يتم توصيل الخدمات للأطفال ذوي الاحتياجات وأسرهم داخل المنزل ، وهو الهيئة الطبيعية التي ينمو خلالها أي طفل، ويقض فيها أغلب ساعاته اليومية . وأهم الطرق المستخدمة:
أ – تدعيم الأسرة : تدعيم الأسرة مكون مهم في كل طرق تقديم الخدمة ، حيث أن الآباء هم الأشخاص الأكثر في حياة الطفل ، ومشاركتهم في برنامج التدخل المبكر أساسية لتحقيق أفضل نتائج . وأنواع الدعم الرئيسية التي تقدم للأسرة هي : معلومات عن نمو الطفل وفرص التعلم ، الرعاية الروتينية والطارئة للطفل ، رعاية طبية للطفل وتوفير التجهيزات والمواد الطبية ، تدريب الوالدين على الأساليب الصحية لتربية الطفل ، دعم إقتصادي ، معلومات وتسهيلات تتعلق بمصادر الترفيه ، وسائل الانتقال ، ضروريات الحياة من مأكل وملبس .
ب – برامج زيارة الأسرة : تقدم برامج زيارة الأسرة لأسر الأطفال المتأخرين نمائيا ، أو المعاقين جسديا ، أو في خطر بيئي . وأهم سببين للزيارة تقديم دعم للوالدين وتعليمهما مهارات الوالدية ، وتقليل مستوى الضغوط التي تعيشها الأسرة . تستخدم معظم البرامج أساليب مثل النمذجة للتفاعل الإيجابي بين الطفل والكبار ، تدريس أنشطة التعلم المناسبة لاحتياجات الطفل ( Roberts & Wasik , 1990 ) . يلاحظ تناقض نتائج البحوث حول فعالية برامج زيارة الأسرة ، لذلك يجب أن تكون مجرد أحد مكونات اتجاه متعدد الأوجه ( Bryant & Graham , 1993 ) . خاصة أن معدل تكرار الزيارات لا يتفق حوله الباحثون . فقد تبين مثلاً أن الزيارات المنزلية غير المتكررة لأسر الأطفال شديدي الإعاقة كانت على المدى المتوسط أكثر نجاحــاً من الزيارات المتكــررة ، ولكنهـا على المدى البعيد أقل نجاحاً ( Sandows , 1990 ) .
2] طرق تقديم الخدمات داخل المركز :
تعتمد طرق تقديم الخدمات الخاصة داخل مركز على إحضار الأسرة للطفل في برنامج تدخل مبكر في أحد المراكز حيث تقدم الخدمات المطلوبة بواسطة مهنيين. يتم التدخل على أساس فردي أو جماعة صغيرة العدد ، وتميل معظم المناهج إلى استخدام النماذج النمائية والعلاجية . ومن أهم أنواع هذه الطرق :
أ – مراكز الأم – الطفل : في هذه المراكز تقضي الأم 6-20 ساعة أسبوعياً ، حيث تحضر اجتماعات الأمهات وفصول تنمية الطفل ، وورش عمل حول المصادر الموجودة بالمجتمع المحلي ، كما تقوم بالتفاعل مع طفلها . يتوافر عادة في المراكز فريق من تخصصات مهنية مختلفة للتعامل مع الاحتياجات المتنوعة للطفل والأسرة .
ب – مراكز رعاية نمو الطفل : الشكل المثالي لرعاية نمو الطفل هو الرعاية التربوية بواسطة عاملين مدربين ، وتكون الفصول صغيرة العدد تتميز بيئة مناسبة نمائياً للأطفال . يستفيد من هذا النوع الأطفال ذوي الإعاقة البسيطة أو المتوسطة .
جـ- مراكز الدمج العكسي : وهي مراكز معدة أساساً للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ، ويلتحق بها الأطفال العاديون ، على أن تكون نسبتهم في المركز هي الأقل . يتعامل المركز مع الاحتياجات النمائية المتوسطة والشديدة ، كما يقدم دعماً كبيراً للأسرة فيما يتعلق باحتياجات الطفل.
د – رياض الأطفال : وهي خاصة بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في عمر 3-5 سنوات . وهي إما رياض أطفال خاصة للمعاقين فقط ، وعادة تضم مختلف أنواع الإعاقة بدرجاتها المختلفة . وتلتزم بالنظام المدرسي العادي ( ست ساعات لليوم الدراسي ) . يتم جدولة الحصص على أساس مجالات النمو ، مع وجود أنشطة نوعية تصمم لمقابلة احتياجات الأطفال . لا تشارك الأسر بدرجة كافية ، كما لا يوجد دعم مناسب لها . الشكل الثاني هو رياض الأطفال المتكاملة التي تضم أطفالاً عاديين وذوي احتياجات خاصة . في هذه الرياض يكون المهنيون وشبه المهنيون متخصصون في الطفولة المبكرة ، مع وجود أخصائي تربية خاصة . المنهج الدراسي يتركز حول تعلم المفاهيم أو حول موضوع ونشاط ، مع التأكيد على الممارسات التربوية الملائمة نمائياً للطفل .
 
أفضل الممارسات المطبقة حالياً في التدخل المبكر :
1] التدخل المتمركز حول الأسرة وليس الطفل ذو الاحتياجات الخاصة .
2] الاعتماد على الاتجاه البيئي / الوظيفي في تحديد محتويات المنهج من خلال تحليل خصائص بيئات الطفل ، وفي التدريس من خلال الابتعاد عن الطرق الجامدة والمنظمة بدرجة عالية .
3] التكامل ، أي تقديم الخدمات في البيئات الطبيعية للطفل .
4] تدريس الحالة العامة ، أي تدريس الطفل تعميم المهارة أثناء اكتسابها .
5] الاعتماد على نموذج الفريق عبر التخصصات Transdisciplinary team .
6] التخطيط لعمليات الانتقال والتحول Transition planning خاصة الانتقال من خدمات المستشفى إلى خدمات المنزل أو مركز رعاية الطفل ، ومن مركز رعاية الطفل إلى الأسرة إلى خدمات ما قبل المدرسة ، ومن خدمات ما قبل المدرسة إلى المدرسة .
( Hanson & Lynch, 1995 ; Noonan & McCormick , 1993 ) .

اقرأ أيضا:  الندم..شعور طاغٍ آثاره قد تكون مدمرة…أهميته و اثاره السلبيه

خاتمة :
قدمت الصفحات السابقة استعراضاً يكاد يكون شاملاً لمجال التدخل المبكر ، وقد يعني ذلك وجود إجماع بين الباحثين حول أهمية وضرورة التدخل المبكر ، وعلى الفوائد المؤكدة لبرامج التدخل بالنسبة للطفل المعاق أو في خطر نمائي ، وبالنسبة لأسرته . ولكن الواقع غير ذلك . فالتراث العلمي المنشور به العديد من النتائج المتناقضة والمزاعم غير المؤكدة ( Robson , 1989 ) .
وأشار العديد من الباحثين أن النتائج بعيدة المدى للتدخل المبكر غير مؤكدة ، وأن الآثار الفورية للبرامج تبدأ في الانطفاء تدريجياً خلال سنوات قليلة . في عام 1985م قام وايت وكاستو White & Casto بتحليل 316 مقالة منشورة بالولايات المتحدة الأمريكية تصف و/ أو تقييم برامج التدخل المبكر المقدمة للأطفال في ظروف خطر بيولوجي و/ أو بيئي . وكان من أهم ما توصلا إليه أن معظم نتائج الدراسات التقيمية تعرض من خلال بيانات نسبة ذكاء الأطفال ، مع عد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *