الفتاة المعاقة .. نماذج كسرن العوائق

شيخة القحيز: "لابد من الاعتراف بالإعاقة وعدم الحزن على الوضع الجسماني مادام العقل واعيا سليما"
    كانت (شيخة) – كما تقول عن نفسها – سلبية في بداية حياتها، تتوقع أن يبادرها الآخرون بالخير نحوها، وتلبية ما يجول في خاطرها دون طلب منها أو إيحاء … تقول:
"إن الناس في الحياة سائرون إلى الأمام لا يعيرون اهتماماً بمن خلفهم، فمن لم ينهض بنفسه فلن يمد إليه أحد يده لينهضه، لقد جربت ذلك فمن لم يستطع النهوض وهو يحاول، فليصرخ طالباً المساعدة عند ذلك سيقدم له المحبون الخير والعون والمساعدة . أما من ينتظر منهم المبادرة فمسكين ذلك الإنسان وسيبوء بالخيبة..!
تفاجأ أهلي عندما أصبت بالشلل فلم يكونوا يعرفونه من قبل، ولم يدركوا خطورته على المصاب به، فاستعانوا بطب المعارف والجيران ولكن ذلك لم يفد، فذهبوا إلى المستشفيات، بيد أن الطب يعجز عن بعض الأمراض فبقيت مقعدة مدى الحياة.."
ثم تضيف: "لقد كنت سلبية في بداية حياتي ساذجة النظرة أتوقع أن يبادرني الكل بالخير والمساعدة التي في خاطري دون طلب مني أو إيحاء، وظللت فترة طويلة بتلك الروح الاتكالية .. ولكن مضى العمر ولم أتقدم، وإخواني الذين هم أصغر مني سبقوني في كثير من الأمور الدراسية والاجتماعية والمالية، أما أنا فلا.
    وذات يوم حزنت على حالي وقررت أن أسأل أهلي عن سر إهمالهم وعدم اهتمامهم بمستقبلي، فلم أجرؤ إلا على أخي الصغير وهو في المرحلة الثانوية، فقلت له: أنتم لا تهتمون بي أو بمشاعري؛ فأنتم تخرجون للرحلات البرية والزيارات العائلية وغيرها.. ولم يقل أحد منكم يا أختي تعالي معنا؟ لماذا لم تفكروا بي؟ ألست مثلكم أحب المرح والتعرف على الآخرين؟ فقال: أنت لم تبد لنا رغبتك ولم تحتجي!! ولذا فقد توقعنا أنك راضية بهذا الوضع ولا تحبين تغييره فتركناك وما ترغبين !!
   بعد ذلك أصبحت أطالب بحقي وأسعى بكل ما أقدر في تحقيق أمانيّ وطموحاتي سواء عبر أهلي أو الآخرين، لا أبالي مادمت أسلك طريقاً ليس فيه ما يغضب الله تعالى، لكن الله لم يحرمني صحة العقل بل زادني عافية في الروح ونشاطاً في الهمة، واستصغار الصعب والحمد لله".
    وتواصل – شيخة – في سرد حكايتها وتقول: "استمرت الطموحات تنمو وتنضجها الأعوام فمن رغبة في معرفة الحروف ومدلولاتها والتلذذ بكتابة جمل وكلمات إلى خط الرسائل والمكاتبات وتطلعات دراسية، ثم وظيفة وزواج وبعدها غشاني بريق الإعلام والعلاقات العامة. أسأل وأبحث وأغامر وأدفع مالاً لمن يخدمني بسخاء على قدري، فحصلت على أشياء لم أكن استشرفها ولا أحلم بها، جاءتني بفضل من الله ونعمة، وكان دعائي دائما كلما أحسست بظلم أو تجاهل أو ضعف "ياحي يا قيوم برحمتك استغيث. أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي أو إلى أحد من خلقك طرفة عين، اللهم آثرني ولا تؤثر عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وأكرمني ولا تهني، واجعل لي من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجا".
 
    هذه حكاية— الكاتبة شيخة القحيز– الإعلامية والمحرّرة في جريدة الجزيرة السعودية اليومية، والمجلة العربية، والطالبة في الثانوية العامة، وربة بيت وأسرة! تقص حكايتها المثيرة من على كرسيها المتحرك!
وتلخص شيخة لأخواتها المعاقات تجربتها في نقاط هي:
o لابد من الرضا بقضاء الله والصبر عليه.
o  الاعتراف بالإعاقة وعدم الحزن على الوضع الجسماني مادام العقل واعياً سليماً ولا تغضب ممن يقول لك معاق، فهذا شيء حقيقي واقع فلم الحزن ؟!
o  العمل الدؤوب من أجل عفاف النفس وعدم انتظار مبادرتهم أو شفقتهم بل السعي في خدمتهم وتقديم الخير لهم، وترك احتقار النفس؛ فكل إنسان له قدرات.
o  العمل على تثقيف النفس بالعلم والقراءة المستمرة، وكسب العلاقات الطيبة مع الناس مهما كانوا.
وتطرح (شيخة) حين سألناها عن طبيعة تجربتها تساؤلاً يتبادر لبعض الأذهان قد يكون له واقع يُلمس في بعض الحالات من ذوي الاحتياجات الخاصة، تقول شيخة: "لماذا المعاقة في الغالب بائسة محطّمة؟!"
     وأجابت عن سؤالها قائلة: "إن هذا من سوء ظنها بنفسها، فالناس في الحياة سائرون إلى الأمام لا يعيرون اهتماماً بمن خلفهم، فمن لم ينهض بنفسه فلن يمدّ إليه أحد يده ليعينه، فليصرخ طالباً المساعدة وعند ذلك سيقدم له المحبون الخير والعون والمساعدة"..
 
هويدا الغول: "لو جلست الفتاة ذات الاحتياج الخاص مع متخصصة وقدمت لها إرشادات فإنها تستطيع أن تعود إلى مسارها الطبيعي، ولكن الأساس أن تقتنع بحاجتها الى المساعدة".
      وتوافق إلى -حد ما- الرؤية التي طرحتها – شيخة- الأستاذة هويدا الغول – المرشدة النفسية – بفلسطين؛ حيث تقول : "إن الإنسان المعافى الذي لو كان يعاني من مشكلة صحية لا يستطيع مواصلة الحياة، أما بخصوص الفتاة ذات الاحتياج الخاص فإنها لو جلست مع متخصصة وقدمت لها إرشادات فإنها ستستطيع أن تعود إلى مسارها الطبيعي ، ولكن الأساس أن تقتنع بحاجتها إلى المساعدة .
   أضافت أن هؤلاء الفتيات إذا حبسن أنفسهن في البيوت ولم يغادرنها فان نفسيتهن ستسوء ، أما إذا وضعن لأنفسهن هدفاً، واقتنعن أنهن بحاجة لمخالطة المجتمع وإبراز مواهبهن فان نفسيتهن ستتحسن، إذ إن ذلك بحد ذاته يعد إنجازاً، والأمر ليس مستحيلاً، ولكنه يحتاج إلى إرادة من الفتاة نفسها وتشجيع من المجتمع المحيط بها.
    وأوضحت أن: "الخطوة الأولى تبدأ من البيت"، مشيرة إلى: "أننا بحاجة إلى تعزيز الوعي عند أهل الفتاة ذات الاحتياج الخاص، فإذا اقتنع الأهل بخروج الفتاة ذات الاحتياج الخاص إلى المجتمع ومخالطته، وكان لديها الرغبة في أن تطور نفسها وتغيّر واقعها الذي تعيشه إلى الأفضل ، فإن هذا يحل 50 % من المشكلة ، ثم يأتي بعد ذلك دورنا الذي يعتبر دوراً تكميلياً ، إذ إنه يتمثل في الإشراف والمتابعة والتوجيه للحالة ، وحل أي مشكلة قد تواجهها"، مضيفة: "أنه في الجمعية الفلسطينية لتأهيل المعاقين تستقبل الفتيات في مرحلة مبكرة من العمر، وبعد سن 14 عاماً يتم توجيههن للعمل الذي يملن إليه، سواء كان تطريزاً أو رسماً أو غير ذلك".
 
بين ظلمة العين ونور القلب
      في إحدى دور القرآن الكريم، شابة طيبة القلب في العشرين من عمرها، سامية الأخلاق مهذبة التعامل، تأسر برقتها قلوب من حولها تمامًا.. لا تكاد ابتسامتها السعيدة تغيب عن شفتيها، ما أن تسمع صوت إحدى الطالبات قادمة حتى ترحب بها بحرارة، وهي إلى جانب ذلك، عالية الهمة في الطلب والحفظ، تراها في الفصل قلبًا خاشعًا ولسانًا ذاكرًا وبصيرة متأملة، تمر بها آيات النعيم فتسأل الله من فضله بشوق ولهفة، وتمر بها آيات الجحيم فتستعيذ بالله بوجل وخشية..
    ربما يرق القلب رحمة لها وشفقة، وقد حرمت من رؤية النور وهي وردة غضة رقيقة، فإذا وقف المرء أمامها رثى لنفسه حالها، لما يرى من قامة عملاقة من الحب والثقة والاطمئنان، تتقزم أمامها جل الهمم المبصرة..
  سعيدة دائماً لا تبدو عليها علامات الحزن أو الكدر أو الإحباط، وكأن كل سعادة الدنيا في يديها.
   هذه هي —-إيمان ، وهي حقًا (إيمان) بربها ثقة به، وتسليماً بقضائه، و(إيمان) بحب الحياة وحب الآخرين والسعي لسعادتهم، و(إيمان) بقوة العمل والإنتاج والعطاء..
    وهي ليست وحدها، فلها أختان يقاربنها في العمر، كلهن كفيفات.. وكلهن في الهمة شامخات..
لقد كان من المثير حقاً التعرف على هذه الأسرة العجيبة، تقص والدتها في البدء حكاية مرض بنيّاتها فتقول: "تاريخ المرض يرجع لأسباب وراثية، تولد ابنتي وهي مبصرة، لكن بصرها يضعف شيئًا فشيئًا لخلل في الشبكية، حتى تفقد البصر في سن الثامنة عشرة غالبًا..
     أخبرنا الأطباء منذ صغرهن بحقيقة المرض، لكن ثقتنا بالله وتسليمنا بقضائه وقدره لم يتزعزعا، والحمد لله الذي أصلح لي بنياتي وهداهن بفضله وحده، صدقيني أنا لم أفعل شيئًا، الله -عز وجل- وحده هو من ربّى بنياتي..، وأعانهن وأعاننا".
وتتابع بإيمان باهر: "وكان- بحمد الله- مجتمعنا صالحًا، الأهل والأقرباء، مما غرس فيهن الإيمان بالله وصلاح النفس وحب الخير والدعوة، وأنا بقلب الأم المشفق دائمًا بقربهن، أؤنسهن وأراجع الدروس معهن، وأحدثهن عن حالات شديدة من الابتلاء، وفضل الصبر والتسليم، وأذكرهن بالنعم الجليلة التي أنعم الله بها عليهن، فله الحمد أخذ منهن البصر وأعطاهن العقل الراجح والهداية والسمع الذي به يسمعن كلام الله وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، ويسمعون الخطب والمحاضرات الدراسية حتى حصلن على الشهادة الجامعية من قسم الشريعة بتفوق، وذلك بفضل الله وحده".
أم ريم: "رغم أن المدارس العادية لم يقبلوها معهم، وكأن العقل في القدم وليس في الرأس (!!)، إلا أن دور تأهيل المعاقين لم تقصِّر معنا، وجهودهم طيبة في توجيه أمهات المعاقات وبيان سبل التعامل مع المعاق". "
 
الكرسي السعيد
      في إحدى الحدائق الخاصة، تجلس -ريم- ذات الاثنتي عشرة سنة على كرسيها المتحرك، تراقب الأطفال الصغار من حولها يلهون بالأراجيح والملاعب، تستمتع بالنظر إليهم، وهي تبتسم باطمئنان وثقة تكبران عمرها الغض بكثير..
     حين تتحدث والدتها عنها، ستعرف أشياء أخرى ما كنت لتتوقعها بعدما ترى تلك الابتسامة الفريدة على ذلك الكرسي المتحرك الذي يحمل فتاة الاثنتي عشرة ربيعاً!
  تقول الأم: "أثناء ولادتي ريم حدث خطأ طبي، خرجت بعده إلى الوجود كسيحة وهي في شهرها الجنيني السابع، أي لما يكتمل نموها بعد..
    ولله الفضل والمنّة، فقد حباها الله تفكيرًا ساميًا وذكاء متوقدًا، وقلبًا (حيًا) كما يقولون، فأنا أعتمد عليها في أمور كثيرة أكثر من اعتمادي على أخواتها السويّات، وهي رائعة تستطيع أن تنجز بيديها الكثير، كما أنها متفوقة في دراستها والأولى على مدرستها، ونشيطة ومشاركة في فصلها"..
وتتابع بأسف: "رغم أن المدارس العادية لم تقبلها- وكأن العقل في القدم وليس في الرأس !!- إلا أن دور تأهيل المعاقين لم تقصر معنا، وجهودهم طيبة في توجيه أمهات المعاقات وبيان سبل التعامل مع المعاق. بالنسبة لي فتعليمي متواضع، لكنني استفدت من دروسهم كثيرًا"..
   ثم تبتسم الأم قائلة: "ما زالت ابنتي طفلة، لكن اعتزازي بها عظيم عظيم، هل تصدقين أني أذهب إلى حفلات الأنشطة المدرسية في دار التأهيل من أجلها، رغم عدم حرصي على حضور الأنشطة في مدراس أخواتها الأخريات لكثرة أشغالي..".
تتأمل الأم ابنتها بإعجاب، وتتابع: "أملي بالله تعالى قوي، أن يوفق ابنتي لتكون قيادية عاملة لدينها ومجتمعها، فلديها من القدرات العالية ما يؤهلها لذلك بإذن الله..".
وبعيدًا سترمق الصغيرة – ريم-  بإعجاب، وهي تمسك بعباءتها، ثم تقف بتحدٍ مستندة إلى العجلة، لتلبسها باعتزاز وستر، ثم تمشي على العكازين إلى السيارة رافضة -بإباء- المساعدة من أي أحد..!
 
نورة التميمي.. نخلة بسقت فأعطت..
     في مزرعة ظليلة ببلدة (حوطة بني تميم) بالقرب من العاصمة الرياض، لفتت الطفلة- نورة- انتباه مديرة المدرسة التي كانت في زيارة للعائلة، فقد كانت "نورة" متوقدة الذكاء نهمة إلى المعرفة، رغم الكرسي المتحرك الذي يأسر حركتها، نتيجة لشلل أطفال أصيبت به وهي دون السنة.
     طلبت المديرة من والدي الطفلة الأميين أن يسمحا بدخول نورة إلى المدرسة، وكانت هذه هي الشرارة الأولى التي قدحت في نفس نورة حب الكفاح والتحدي.
       أتمت- نورة-  تعليمها الابتدائي بتفوق، لتجابه مشكلة التسجيل في المرحلة المتوسطة، فالمدرسة ـ غير المجهزة بما يناسب ذوي الاحتياجات الخاصة بالطبع ـ لا تسمح باستقبال الفتيات المعاقات، مهما أوتين من الذكاء والتفوق!  وبإصرار كبير، دخلت نورة المدرسة الإعدادية، وبعدها الثانوية، لتجد أبواب الجامعة موصدة جميعها في وجهها..  لكنها لم تيأس، بل أصرت على البحث وألحت في إكمال التعليم، ليُسمح لها بالانتظام أخيرًا في كلية الخدمة الاجتماعية، وتتخرج الشابة الكسيحة بتفوق، وليتكرر العناء ثانية في البحث عن وظيفة..
    وللأسف.. فلم يُتح لنورة رغم ما لها من قدرات عالية، وعقل إداري وتخطيط وهمة، سوى أن تشغل وظائف متواضعة، فمن كاتبة إلى مأمورة سنترال وهكذا..
     لم يرق هذا كله لها بالطبع، إنها ليست فتاة عادية، ففي يديها من القدرات الكثير، وأمام عينيها يتلألأ من الآمال الكثير، وفي قلبها من الحماس ما تفيض به على مجتمعها الكثير الكثير.—–وكان التحدي.. —- لقد قامت بمشروع دراسة لمركز لشؤون المعاقات، يهتم بالفتيات المعاقات وتوعيتهن وتثقيفهن والسعي إلى دمجهن بالمجتمع، وخاصة أنهن لا يحظين بما يحظى به المعاقون من الذكور في جميع المجالات سواء العلمية أو العملية، ويكفي ما ذاقته – نورة-  في حياتها المكافحة من صعوبات في التعليم والعمل، لا لسبب سوى أنها معاقة!
      تقدمت بدراسة المشروع إلى وزارة العمل، وكانت الموافقة عليه- بفضل الله- بعد قيامه تحت مظلة مؤسسة الأميرة العنود الخيرية، وبجهد مشكور من الأميرة حرم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد بن عبد العزيز..، فتحقق الحلم بالكفاح والهمّة، وأنشئ المركز الأهلي غير الربحي في الرياض، وذلك بمرسوم ملكي، تحت اسم: مركز الأميرة العنود بنت عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود لشؤون المعاقات، وشعاره: بأناملنا نقهر الإعاقة.. نصنع.. نتقن..!
    وقد أقام المركز معارض وأنشطة كان منها معرض فني للمعاقات في مركز الأمير سلمان الاجتماعي، شد إعجاب الحضور وأمتعهم بالفن المتحدي الجميل.
 والمركز يستقبل حالات الإعاقة الحركية الجسدية، والعقلية البسيطة، واضطرابات النطق والكلام، والإعاقة السمعية والبصرية..
ويمكن معرفة أنشطته المتنوعة عبر هذا الرقم الهاتفي: 4887868 – 01
وإلى جانب مديرة المركز، هناك أخصائيتين اجتماعيتين على الكرسي المتحرك أيضًا، ولكنها قوة الإرادة التي ارتقت بهذه الهمم لتقدم هذه الأعمال الجليلة!

انتفاضة على اليهود وانتفاضة على الجسد
على الرغم من الألم والمعاناة ، فان الأمل لا يزال موجودًا ، لن نستسلم للواقع المر، لن ننكسر أمام قسوة الظروف، سنثبت لأنفسنا وللعالم أجمع أننا غير عاجزين، وأننا لسنا عبئاً على الحياة، بل إننا قادرون على أن نضيف شيئًا جديدًا لها، هذا ما تقوله الفتاة والمرأة الفلسطينية ذات الاحتياج الخاص.
  باسمة: " عندما تريد أن تتوظف في أي مؤسسة حكومية أو غيرها ينظر الكثير من الناس إلى كرسيك، وكأنهم يشككون في قدرتك على أن تكون إنسانا فاعلا تستطيع إفادة المجتمع".
   باسمة البنية – 37 عاما – والتي تعرضت لشلل أطفال وهي في عامها الثاني مما أدى إلى إصابتها بشلل، وتتحرك الآن على كرسي متحرك، لم تكمل دراستها، إلا أنها تقرأ وتكتب جيدًا ، وتجيد خياطة أي شيء وتطريز المناديل والبراويز، قالت لنا: "لم أستسلم للمرض ولم أيأس ، فقد قررت أن أتجاوز كافة العقبات التي أواجهها في طريقي ، فأخذت دورة تطريز في جمعية المعاقين حركيًا ، وأخذت دورة خياطة في مركز تدريب غزة".
   وأضافت باسمة: "لقد كنا نعمل (عملاً مؤقتاً) في إحدى الجمعيات، وبعد انتهاء المدة فإن كثيرًا من زميلاتي اللواتي يعانين معاناتي جلسن في بيوتهن، أما أنا فقد تطوعت في الاتحاد العام للمعاقين حركيًا، ولكني مع ذلك أحتاج إلى مقابل ولو بسيط حتى أتدبر أموري".
   باسمة—-  تقول بكل حرقة: " عندما تريد أن توظف في أي مؤسسة حكومية أو غيرها ينظر الكثير من الناس إلى كرسيك ، وكأنهم يشككون في قدرتك على أن تكون إنسانًا فاعلًا تستطيع إفادة المجتمع ، أنا غير مستسلمة ولكني أحتاج إلى دافع يدفعني إلى العمل، المؤسسات الحكومية لا تفتح أبوابها لنا مثل ما تفتحها للناس العاديين، فهناك الكثير من الأعمال التي يمكن أن نفعلها ، إنني أعاني كثيرًا منذ خروجي من المنزل واستقلالي لسيارة لأصل بها إلى العمل ومع ذلك أنا أضغط على نفسي".
  وتساءلت باسمة: " إن لم نجد أنفسنا في المكان الذي يخصنا فأين نذهب، نحن بحاجة إلى من يشجعنا، إننا نريد عملاً حتى نشعر بأننا موجودون، ونقدّم شيئًا لمجتمعنا".
 
افرضي نفسك
      أما ن . م – 24 عامًا- والتي تركت الدراسة بعد الصف الثامن بسبب وضع ساقها، كانت تسير على قدميها بصعوبة، إلا أنها لم تتوقف عن العطاء، فقد كانت متدربة في السابق، أما الآن فهي تعمل منذ أربعة أعوام في غرفة الألعاب في الجمعية الفلسطينية لتأهيل المعاقين، حيث ترعى عددًا من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، تقول: "إنني سعيدة جدًا بما أقدمه للأطفال إنني أشعر بالراحة النفسية والطمأنينة والسعادة ، إنني أحظى باحترام وتقدير كبيرين هنا في هذه الجمعية التي تقدم لنا المساعدة في أمورنا الحياتية".
   وتضيف- ن . م-  التي تحسنت حالتها كثيرًا عن السابق وأصبحت قادرة على الحركة، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى إجراء عملية جراحية: "أشعر بضيق ألم إن لم أقدم شيئًا لخدمة وطني، وخاصة خدمة هذه الشريحة التي أنتمي إليها من هذا المجتمع".
  وتؤكد أن: "هذه الشريحة من المجتمع قادرة على أن تقدم جهدًا مضاعفًا قد يفوق في كثير من الأحيان الإنسان المعافى، وهذه دعوة مني إلى كل فتاة ألا تغلق على نفسها باب بيتها، بل أن تخرج إلى المجتمع وتختلط به، تفرض نفسها على من يشك في قدرتها، حتى تثبت للجميع أنها قادرة على أن تضيف جديدًا".
 
صابرين: "الانطواء غير صحيح ، يجب على الفتاة المعاقة أن تتغلب على إعاقتها ، فلو أنها جلست في بيتها فإنها لن تستفيد من نفسها ولن يستفيد منها المجتمع".
 
لكل إنسان مواهب خاصة
   الفتاة صابرين عوض النجار – 26 عاما-  التي ذهبنا إليها في مكان عملها فوجدناها منهمكة في القراءة، رافضة أن تضيع أي لحظة من عمرها دون أن تستغلها فيما يعود عليها بالنفع، تقول: "إن المشكلة عندي في قدمي اليمنى، وبعد أن زادت المشكلة في قدمي اتضح أنه يوجد في الفخذ عظمة ضعيفة فأجريت فحوصات حتى أعرف السبب، ولكن قبل إكمال الفحوصات تبين أن فيها كسرًا فتم تجبيسها وبعد رفعه انكسرت مرة أخرى فكنت أسير على عكاز، إلا أن المشاكل تضاعفت بعد الكسر الثاني ، مما دفعني لترك الدراسة من الصف التاسع، ثم تبين بعد إجراء فحوصات متعددة أن فيها ورماً سرطانياً، وقد كانت في تلك الفترة أحداث الحرم الإبراهيمي، فلم أتمكن من الذهاب إلى ( إسرائيل ) للعلاج، فذهبت إلى مصر وبدأت في مرحلة العلاج الكيماوي ثم جلسات الكهرباء والتي امتدت من 94 _ 96 إلى آن خف الورم، ثم أجريت فحوصات أظهرت زوال الورم، ثم اتضح أن هناك قصراً في الرجل اليمنى 5 سم.
    صابرين- تقبلت ذلك كله، كما تقبلت المرض، وقدر لنا أن نرى بعضًا من عملها ، والذي شمل التطريز مثل(آيات قرآنية ،خريطة فلسطين)، والرسم على السيراميك والفخار، بالإضافة إلى عمل التريكو على ماكينة الصوف، تعمل الآن في كشك يعرض الأعمال التي تنتجها الفتيات في الجمعية الفلسطينية لتأهيل المعاقين.
   وتقول -صابرين –  شقيقة الاستشهادي بهاء الدين-  الذي كان يشد من أزرها دومًا: "الحمد لله لقد تغلبت على هذا الواقع، فالراحة النفسية مهمة جدًا في استقبال العلاج، فأنا لا أشعر أن عندي إعاقة أبدًا، لقد وجدت نفسي في التطريز"، مضيفة "الانطواء غير صحيح، يجب على الفتاة المعاقة أن تتغلب على إعاقتها، فلو أنها جلست في بيتها فإنها لن تستفيد من نفسها، ولن يستفيد منها المجتمع، فهناك العديد من الجمعيات والمؤسسات التي من الممكن أن تنمي مواهبها فيها، فكل إنسان مهما كان وضعه الصحي لديه مواهب خاصة تميزه عن غيره، وعليه أن يكتشفها وينميها".
 
تمرّدت على الواقع
    لقد عشت في مجتمع ذو الاحتياج الخاص فيه غير متقبل ولولا الدافع الذاتي الذي حباني الله به للتميز والإبداع، ولولا دفع والدي لي لم أكن لأنجح وأتغلب على هذا الواقع ، هذا هو ما قالته لنا نعمة أبو عيدة 51 عاما- والتي تعمل الآن مدرسة في مركز النور بغزة لتأهيل المعاقين بصريًا .
    نعمة-  التي فقدت بصرها وعمرها أربعة أشهر، والتي تمثل قدوة يجب أن يقتدي بها كل من واجه شظف الحياة وقسوتها، درست المرحلة الابتدائية في المركز الذي تعمل فيه الآن، أما المرحلة الإعدادية فقد أنهتها في مدرسة الرمال، أما الثانوية فتوزعت بين مدرستي الزهراء والفالوجا، وبعد نجاحها في الثانوية العامة قبلت للدراسة في كلية الآداب في القاهرة.
   نعمة التي تدرس الآن في إحدى المساقات بالجامعة الإسلامية بغزة تروي لنا قصتها فتقول: لقد كنت أنا وأمثالي في المرحلة الإعدادية من المتفوقين، وقد كنا نعامل معاملة سلبية من بعض الطالبات، حيث كن ينظرن إلينا أننا سنأخذ مكانهن، لقد كنا في كثير من الأحيان نعرف الإجابة على أسئلة تطرحها المدرسات، ومع ذلك نرفض ان نجيب خشية أن نتعرض للمضايقات من الطالبات الأخريات، وخاصة أننا كنا بحاجة إلى من يساعدنا، لذلك كنا نؤثر ألا نجيب حتى نبقي على علاقتنا بهن، إذ إننا بحاجة لهن، لقد أثبتنا جدارتنا رغم عدم وجود وسائل الدراسة الخاصة بالكفيف.
   وتضيف: "نجحت في الثانوية العامة، وقبلت في كلية آداب القاهرة وذهبت إلى هناك، وفي الجامعة قررت أيضا أن أتمرد على الواقع الذي أعيشه".
   "كلما كبرنا كبر الهم معنا"، هذا ما قالته نعمة ، فبعد أن أنهت الدراسة الجامعية وعادت إلى أرض الوطن جاء دور البحث عن عمل، ليس العمل من أجل العمل، إنما العمل لإثبات الذات، بعد بحث طويل لم تنجح في الحصول على وظيفة، حتى عندما أتيحت لها فرصة الحصول على وظيفة في المركز الذي درست فيه أولى المراحل الدراسية رفضت، رفضت لأنها تعلم أن هناك غيرها ممن يعانون معاناتها ( مكفوفين ) من الرجال بحاجة إلى هذه الفرصة أكثر منها بحكم أن لديهم أسرًا واجبهم الإنفاق عليها، تقول نعمة: استمر هذا الحال وأنا بدون عمل إلى أن قابلني أحد زملاء الدراسة، فعرض عليّ أن ألتحق بدبلوم تربية، وبعد تفكير وافقت على ذلك والتحقت بدبلوم التربية في الجامعة الإسلامية، وبعد ذلك عملت متطوعة في مركز النور لتأهيل المعاقين بصريًا ثم أكرمني الله بوظيفة فيه، حيث أعمل فيه مدرسة لغة عربية.
ليس مهمًا الكم، بل الكيف، المهم أن تشعر أنك ترسم ابتسامة على أفواه ذوي الاحتياجات الخاصة، تمسح دمعة عن عيون محزونين، بهذه الكلمات أنهت نعمة حديثها معنا، لقد انتهى لقاؤنا معها، إلا أن تقديرنا لها وتعلمنا منها لن ينتهي.
 
من تدمير الأرض إلى تدمير الجسد
     لم يحتل الأمريكان العراق فحسب بل شوهوا كل ما فيه، شوهوا الأرض، والإنسان، وأزالوا كل معالم الحياة هناك..  — فبعد مرور عام ونصف على الأحداث الأخيرة في العراق والانفتاحات الكثيرة والتي أرادت الأخت -آمال-  أن تلتحق بها إلا أن إصابتها بطلق ناري فجأة منعها من ذلك، وأدى إلى إصابتها بالإعاقة فاحتاجت – آمال-  إلى الكثير من الآمال لكي تتغلب على ذلك خاصة وهي أم لطفلين وفي نفس الوقت حامل, حال – آمال-  كحال الكثير من النساء العراقيّات اللواتي أصبن جراء الاحتلال أو لسبب آخر, لكن هل هي نهاية الحياة في العراق؟ ثمة نماذج من نساء أصبن بالإعاقة لكنهن رغم ذلك تخطّين الحاجز النفسي، واستطعن مواصلة الحياة, فدخل (الإسلام اليوم) عالم المعوقين بدخوله إلى – المركز الطبي التأهيلي وأمراض المفاصل – في بغداد وهو المركز الوحيد في العراق وتعرف على خبايا هذا العالم من خلال عينة من النساء.
  
   علياء – طالبة جامعية 25 عاماً- تقول:أنا مصابة بشلل الأطفال منذ ولادتي وكان هذا سابقًا يشكل لي عاملاً نفسيًا مزعجًا جدًا فكنت أود البقاء في المنزل، ولا أحب الخروج، ولكن في المستقبل وبعد المساعدة الكبيرة والرعاية التي قدمها لي أهلي أصبحت أتكيف مع الوضع الذي أنا عليه لأني قد لا أستطيع تغيير شيء كتبه الله لي لكني أستطيع تغيير ما أنا عليه الآن بكسر القيود والسلاسل المحيطة بي, لذلك قصدت هذا المركز وأنا منذ فترة كبيرة أتلقى جلسات في العلاج الطبيعي، وأكمل دراستي الجامعية، وأنظر إلى مستقبلي بتفاؤل كبير بفضل وتوفيق من الله.
 
     أما انتصار – طالبة في مرحلة الإعدادية/18 عاماً- فتسرد تجربتها وتقول: "أصبت بشظية في ساقي إثر انفجار كبير قرب منزلنا في محافظة النجف, لم أستطع المشي إثر ذلك؛ فأصبت بصدمة نفسية ورفضت حتى العلاج, لكن ذلك لم يجد نفعًا فحالتي بقيت متأزمة؛ لذلك جربت أن أتعالج، ونجحت الفكرة وحققت تقدمًا ملحوظًا رغم مروري بلحظات يأس في بعض الأوقات لكني قررت أن أصمد من أجل دراستي فكنت أدرس، وفي نفس الوقت أحضر جلسات العلاج الطبيعي، والذي ساعدني على ذلك هو الإيمان والثقة الكبيرة في الله ومساعدة الأهل لي والشيء الذي أمدني بالقوة هو أنني خطبت خلال فترة معالجتي فشجعني خطيبي على إكمال العلاج والدراسة فشكل هذا حافزًا كبيرًا لي, على العموم أنا الآن فتاة جديدة وصحتي بخير -والحمد لله- وتعلمت من خلال تجربتي هذه أن الصبر مفتاح الفرج".

اقرأ أيضا:  صعوبات التغذية لدى المعاقين بالشلل الدماغي

بينما يحكي لنا اثنان رجل وامرأة يعملان في المستشفى – وهما معوقان- أنهما يحبان هذه المهنة التي ساعدتهما على الشعور أنهم في وسط أناس يشبهون حالتهم وهما فرحان جدًا بمساعدة هؤلاء الناس؛ لأن شفاء أي منهم يعتبر أملاً لهما في الشفاء حسب قولهما. وللتعرف أكثر على هذه الحالات التقى الإسلام اليوم بـ-الدكتور.عمار خضير هادي -مدير مركز التأهيل الطبي وأمراض المفاصل بالعراق، وطرحنا عليه بعض الأسئلة:
o  بداية كيف تصف حالة المرضى والمستشفى بشكل عام الآن وخصوصًا النساء؟
 تأتينا الكثير من الحالات مثل الشلل النصفي وشلل الأطفال، وتصلب الأعصاب المحيطية وغيرها، ولدينا العديد من الأقسام الخاصة بالرجال والنساء والأطفال, بالنسبة للنساء تأتى لدينا الكثير من الحالات منها المعقدة ومنها البسيطة، لكن هناك عوائق بالنسبة لوضع المستشفى فبعد الأحداث تعرض هذا المركز إلى النهب والسلب مما أدى إلى فقداننا العديد من الأجهزة؛ لذلك أستطيع القول: إننا بدأنا من الصفر في إعادة تأهيل هذا المركز لكي يستقبل المرضى من جميع أنحاء العراق باعتباره المركز الوحيد في المنطقة -وبفضل من الله- استطعنا أن نجلب البعض من الأجهزة التي ربما تسد الحاجة لكننا ما زلنا نحتاج إلى الكثير.وأحب أن أضيف أن العلاج هنا مجاني.
o ما هو الفرق في الحالات المرضية قبل الأحداث وبعدها؟
الفرق كبير وواضح فحالات الإصابة بالطلق الناري والانفجارات كثيرة، فنجد الكثير من الحالات المأساوية لنساء وشابات تحزن عند رؤيتهن على هذه الحالة، وهناك مشكلة أخرى وهي أن هذا المركز يقع في منطقة بعيدة نسبيًا عن مركز المدينة، وقوات الاحتلال الأمريكي أغلقت الطريق القريب المؤدي إلى هذا المركز وأقامت معسكرًا قربه فيضطر الناس إلى عبور طريق ترابي وعر للوصول إلى هنا رغم أن القوات الأمريكية تستطيع أن تعمل حاجزاً لمعسكرها وتفتح الطريق لكنها تتعمد ذلك؛ لذا تجد ان البعض ممن لا يملكون السيارات من المرضى وحتى العاملين هنا يعبرون هذا الطريق مشيًا على الأقدام.
o هل ترى تحسنًا أو تقدمًا ملحوظًا عند المرضى بعد فترة العلاج؟
نعم فهذا وارد جدًا فأنا أعرف مجموعة من النساء المعاقات أقمن مشروعاً صغيراً وهو (مشغل للخياطة) واستطعن التغلب على الحالة النفسية، وأخريات استطعن أن يعملن في عدة أشغال ربما تكون بسيطة إلا أنها مثمرة.

اقرأ أيضا:  الاحتياجات الغذائيه لذوي الاحتياجات الخاصه

كما زار الإسلام اليوم – وحدة علاج النساء والتقى بـ-أحلام حسن علوان-مسؤولة وحدة علاج النساء في نفس المركز)، والتي قالت:
تردنا الكثير من الحالات وعند فئات كثيرة مثل كبار السن والشابات والفتيات الصغيرات فنجد هنا تقدمًا متفاوت نسبيًا وطبيعة كل حالة؛ فالتفاؤل يكون قليلاً عند كبار السن لكن عند الشابات يكون كبيرًا لكن المشكلة تكمن في الأجهزة الموجودة هنا فبعد تعرض المركز للسرقة تأثر المركز بذلك؛ فالأجهزة هنا قديمة، وتتعرض للعطل والتصليح كثيرًا فمثلاً بعد أن كنّا نعمل على خمسة أجهزة في ردهة معينة من هذه الوحدة أصبحنا نعمل بجهاز واحد، وهكذا حال جميع الأقسام, والمريضات هنا متعاونات جدًا وتربطنا معهن علاقات إنسانية وطيدة.

وتوجهنا إلى السيدة منتهى جبار/ معالجة طبيعية – التي قالت عن طبيعة العلاج المقدم للمرضى ومدة العلاج:
يختلف علاج المريضة تبعًا للعمر ونوع الحالة فإذا كانت متقدمة في السن فإن شفاءها يتأخر وإذا كانت أصغر فتحتاج إلى إرادة وصبر لكي تتغلب على حالتها، وهناك بعض الحالات ربما لا يوجد لها علاج حتى الآن مثل شلل الأطفال، لكن نستطيع من خلال العلاج الطبيعي أن نخفف من ذلك أما بالنسبة لأكثر الأعمار هنا فهي من سن (45) سنة فما فوق .
أما – حميد والي مسؤول قسم العلاج النفسي في نفس المركز فيقول:
إن الحالات التي تردنا هنا قد لا تتعلق جميعها بأسباب جسدية؛ فالحالة النفسية تؤثر تأثيرًا كبيرًا فلدي نساء هنا أصبن بصدمة من جراء سماع صوت صاروخ أو حصل أمامها منظر مروع كانفجار ودماء وغيرها، مما أدى إلى ارتفاع نسبة السكر والضغط في الدم بنسبة كبيرة وبالتالي تحصل الإعاقة ناهيك عن النساء المصابات أصلا بالإعاقة الولادي وغيرها، والحالة النفسية الشديدة التي يتعرضن لها , فكما تعرفون أن نظرة المجتمع للمعوق هي نظرة سلبية وله معاملة خاصة تشعره بأنه يختلف عن أقرانه مما يولّد الشعور بالنقص والانعزال لذلك فالطريق طويل لأبعاد هذه الفكرة عن أذهان الناس، ولكنه ليس مستحيلاً فيحتاج هنا إلى المساعدة الكبيرة من الأهل والمجتمع لتخطي ذلك, ولكن بالنسبة للمرآة العراقية المعاقة أستطيع أن أصفها بأنها صابرة وقوية تستطيع تخطي الأزمات فأنا من خلال عملي ومن خلال جلسات نفسية بسيطة ألمس تقدمًا واضحًا في الحالة النفسية للمعوقة، ومجهوداً كبيراً تبذله من أجل الوصول إلى النتيجة والتي غالبًا ما تكون جيدة.
 
همة صلبة كصلابة الأهرام
    كم تواجهنا مشكلاتٍ في الحياة ونحن أصحاء.. نملك أجسادًا سليمة.. ونستطيع التغلب على المشكلة، والاستمرار في الحياة، وهناك كثيرات حولنا سلبن إحدى النعم؛ كالبصر أو السمع أو الحركة أو حتى التفكير والعقل.. لكن الله -عز وجل- منحهن الإرادة القوية، وعوّضهن عن هذا النقص بالرغبة في الحياة، وتحقيق النجاح فمضين في الطريق رغم صعوبته، ورغم كل المشكلات أبين إلا أن ينتقلن لركب الناجحات.. اللاتي لهن بصمات لا تنسى في الحياة.. بالإرادة غلبن الإعاقة، وجعلنها حافزًا لهن نحو النجاح، والتفوق، والعطاء..
      هند مصطفى ـ مدرسة وزوجة ـ بعد الزواج رزقها الله بطفلة جميلة لكنها لا تبصر ..علمت أنه الاختبار من الله فصبرت هي وزوجها فعوضها الله بأطفال آخرين معافين، فاطمأنت وأنجبت مرة أخري فرزقها الله بطفلة ثانية ولكنها لا تبصر مثل الأولى؛ فضاقت الدنيا في عينيها، ولكنها ما لبثت أن تماسكت وأصبحت تفكر كيف تعين حبّتي قلبها على ما قدره الله لهما؟ كيف تسير معهما الطريق الطويل، وتستشرف المستقبل، وتتحمل رحلة الكفاح الشاقة؟
     تقول السيدة – هند : "تعلمت من هذا الابتلاء الكثير من الصبر حتى أصبحت راضية عن كل شيء في الحياة، حتى الماديات لا تشغلني كثيرًا، وتعلمت النظام والترتيب حتى يسهل علي الحركة داخل البيت، بدأت أفكر في تثقيف نفسي من أجل البنتين " دعاء وسلمى " فتعلمت طريقة بريل حتى أذاكر لهما، وبدأت أقرأ في الصحة النفسية حتى أتعامل معهما بشكل صحيح، وأقرأ في الدين حتى أكون أكثر رضًا وصبراً، فالإيمان إن لم يكن موجودًا لا أستطيع أن أواصل معهما، وأن أجعل رسالتي في الحياة تقوية بصيرتهما بعد أن فقدتا بصرهما والآن هما متفوقتان دراسيًا وهذا الأمر يسعدني كثيرا".

— هبه السيد ..نموذج آخر من الإرادة والتحدي أصيبت بعد ولادتها بشلل الأطفال مما سبب لها إعاقة في قدميها وأصبحت تسير على دراجة معاقين مما سبب لها الكثير من المتاعب في الانتقال إلى المدرسة ومع ذلك واصلت تعليمها بتفوق وفرغت كل وقتها وجهدها للدراسة حتى تحقق حلمها وأصبحت معيدة في إحدى الكليات الأدبية، وواصلت تفوقها وحصلت على الماجستير ثم الدكتوراة وتقول لولا الإيمان بالله ومساعدة أمي ما تفوقت ولأصابني الإحباط كالأخريات.
 
       وللاطلاع على الجوانب النفسية المهمة لذوي الاحتياجات الخاصة التقينا بأخصائيين واجتماعيين لأخذ رأيهم وللاستنارة به في هذه القضية المهمة، ولمعرفة أيضاً دور المجتمع في التعامل معهن، أو كيفية إشراكهن مع نسيج المجتمع حتى يكتمل البناء..
ميسرة اللوح- نائب رئيس الاتحاد العام للمعاقين حركيًا – فلسطين – فرع غزة  قال: إن ذوي الاحتياجات الخاصة ينقسمون إلى قسمين: متعلمين وغير متعلمين ، فغير المتعلم مع أنه مؤهل من خلال الدورات التي يلتحق بها، إلا أنه لا يجد فرصة للعمل في وظيفة تناسب وضعه، مما يدفعه للاعتماد على عمل بسيط يعتاش منه، حيث يسعى إلى توفير " بسطة " يبيع فيها بعض الحاجيات البسيطة، بالإضافة إلى الاعتماد على المستحقات البسيطة التي قد يتلقاها من وزارة الشؤون الاجتماعية.
    وأضاف ان المتعلم يحلم بأن يخدم مجتمعه مثله في ذلك مثل أي إنسان سليم معافى، من خلال الحصول على وظيفة كريمة في أي مؤسسة حكومية أو خاصة، حتى يحصل على حقه كاملاً، مضيفًا: إن الرئيس الفلسطيني سن قانون يتيح لذوي الاحتياجات الخاصة الحصول على الوظائف في المؤسسات الحكومية بنسبة 5 %، إلا أنه -وللأسف الشديد- غير مطبق حتى اللحظة .
 
400  مكفوف مستفيد
    عبد المنعم أبو جربوع – مدير مركز النور بفلسطين لتأهيل المعاقين بصريًا – قال: إنه في الوقت الحالي هناك أكثر من (400) من المكفوفين من شتى محافظات غزة ينتفعون بشكل مباشر من برامج المركز المتنوعة، قرابة ثلثهم مسجلون في قسم المدرسة الابتدائية الذي يضم أحد عشر فصلاً، أما الباقي فيستفيدون من الأنشطة والبرامج الأخرى، ويقوم على برامج التعليم والتأهيل نخبة من العاملين الأكفاء، كما أن هناك المئات من أفراد المجتمع الذين يستفيدون من خدمات البرامج المتنوعة مثل وحدة تقييم بقايا الإبصار والمكتبة ونشرات التوعية وغيرها.
  وأضاف أن المعايير التي يتم بموجبها الاستفادة من خدمات المركز تتلخص في وجود احتياج خاص بصري لدى الشخص صاحب الطلب ويتقرر وجود الاحتياج الخاص بواسطة طبيب العيون، وكذلك لجنة من أصحاب الخبرة الفنية بالمركز الذين يقع على عاتقهم صنع القرار وتقديم التوصية التي تتضمن الإطار العام لخطة التأهيل المقترحة .
 
مستويات للإعاقة
في البداية يشير د. رشاد موسى -أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية بجامعة الأزهر – إلى أن الإعاقة تنقسم إلى أنواعٍ: فهناك الإعاقة البصرية والحركية والسمعية، وأخيرًا الإعاقة العقلية (الذهنية)، وهي تعدّ أكثر الأنواع صعوبة.
وقد انتشرت الآن مراكز تأهيل المعاقين على كافة مستويات الإعاقة؛ فمثلاً هناك مراكز مخصصة لتأهيل الفتيات المعاقات بصريًّا، وهي جمعيات ومراكز معروفة ومنتشرة، وتقدم خدماتٍ نفسية وإرشادية تساعد هؤلاء الكفيفات على تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي.
فالفتاة المعاقة بصريًّا لا تستطيع التواصل مع المجتمع عبر قنوات الاتصال العادية؛ لكنها تتواصل مع العالم الخارجي عن طريق بقية الحواس، وتعد مشاكلها النفسية أقل بمقارنتها بمستوى الإعاقات الأخرى كالذهنية مثلاً.
ويضيف – د. رشاد-  أن الفتاة المعاقة سمعيًّا لا تستطيع التواصل اللفظي مع المحيطين فتكون في عزلةٍ سمعية، ومن ثم لابد من تعليمها لغة الإشارة ولغة الشفاه؛ فهذا يخفف من وطأة معاناتها النفسية حيث تستطيع التواصل مع الآخرين عن طريق لغة الإشارة.
أما الإعاقة الحركية فإما أن تكون في الأطراف العلوية (كإحدى الذراعين) أو كلتيهما، أو تكون إعاقة في الأطراف السفلية (كالقدمين)، ومما لا شك فيه أن الإعاقة في الأطراف العلوية أخف شدة من الإعاقة في الأطراف السفلية.
أما الفتاة المعاقة ذهنيًّا أو عقليًّا؛ فإنها تعاني من حدة المشكلات النفسية، وتحتاج إلى تأهيل طويل المدى حتى تستطيع أن تتكيف وتتواصل مع المجتمع الخارجي وصولاً إلى تحقيق الصحة النفسية.

برامج فلسفية للتأهيل
ويوضح – د. رشاد-  أن هناك برامج كثيرة لتأهيل الفتاة المعاقة على كافة مستويات الإعاقة السابق ذكرها؛ حيث تستطيع تأهيل الفتيات المعاقات عن طريق عدة برامج تعتمد على فلسفات معينة منها:
– فلسفة اللعب عن طريق دمج المعاقة في الألعاب الرياضية والحركية.. التي تقلل من إحساسها بالإعاقة، ومن ثم تساعد في عملية التكيف، وهذه الفلسفة تصلح للمعاقة سمعيًّا.
– فلسفة الرسم والتلوين، وتصلح لفئة المعاقين عقليًّا وحركيًّا "الجزء السفلي".
– وهناك فلسفة أخرى، وهي الأعمال والأشغال اليدوية.. التي قد تصلح لأكثر من حالة من حالات الإعاقة.
وبالتالي فإن اندماج الفتاة في هذه الأعمال وإحساسها بوجودها في مجتمع لا يسخر من إعاقتها؛ بل يساعدها على التكيف معها، تتهيأ لأن تصبح فتاة طبيعية متوافقة مع الآخرين ومع الحياة.

دور الأسرة والمجتمع
    وتقول – د. إجلال حلمي -أستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة عين شمس- إن الاتجاه الحديث السائد الآن في معاملة المعاقين على كافة درجات إعاقتهم هي المعاملة الحسنة، وإدماجهم في المجتمع.. عكس ما كان سائدًا في الماضي وحتى وقت قريب؛ حيث كان المعاق منبوذًا سواءً داخل الأسرة أو في المجتمع من حوله.
    أما الآن، ومع تزايد الاهتمام من الدول بمؤسساتها المختلفة بالمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، ومحاولة دمجهم في المجتمع، وتقديم كافة الخدمات والتسهيلات الاجتماعية والتعليمية والنفسية والصحية لهم؛ حيث تتواجد مراكز التأهيل في كل مكان، وتقدم المساعدات من خلال متخصصين في المجال النفسي والاجتماعي والتربوي، وأسس التعامل مع المعاق.
   وتؤكد- د. إجلال- على أهمية دور الأسرة للطفل أو الفتاة المعاقة في التأهيل والتكييف في المجتمع؛ فهي المسؤولة أولاً عن إخراج المعاق من عزلته، والعمل على تهيئته كي يعيش بشكل طبيعي.
     ومن بعدها تأتي وسائل الإعلام التي ينبغي أن تركز على توعية أسرة المعاقين بهذه الجزئية الهامة؛ بحيث لا تترك ابنها المعاق كمًّا مهملاً في المنزل؛ إذ من الممكن مع التأهيل والتربية والتعليم المناسب أن تحوله من إنسان معاق إلى فرد منتج نافع لنفسه وللمجتمع.
وتشير – د. إجلال-  إلى ضرورة اهتمام الدول بالمعاقين الفقراء الذين لا تملك أسرهم القدرة على علاجهم والإنفاق عليهم.
وحسب نوع الإعاقة ودرجتها يتحدد مستوى العلاج والتأهيل وزمنه ونوع الدراسة التي يتم إدماج المعاق فيها؛ فحتى المعاق ذهنيًّا، وهي أكبر أنواع الإعاقة، يمكن إلحاقه بمدرسة عادية مع مراعاة الفرق بين عمره الزمني وعمره العقلي؛ فيتم إدخاله فصولاً خاصة تتم الدراسة فيها من خلال عمره العقلي وليس الزمني.
ونرى كثيرًا في الجامعة نماذج متفوقة وناجحة من الطلبة والطالبات المعاقين.. الذين لم تقف الإعاقة حائلاً بينهم وبين تحقيق النجاح والتفوق، وذلك على الأقل حتى يسعدوا أهلهم الذين بذلوا مجهودًا جبارًا في تأهيلهم، وبث الثقة في نفوسهم كي يتغلبوا على الإعاقة، ولا تكون سببًا في عزلتهم وانطوائهم.
 
فرصٌ للإبداع
    وتوضح – د. إجلال-  أن الفتاة المعاقة يجب ألا تنشغل بإعاقتها، ولا تشعر بالنقص، وعليها أن تهتم بنفسها والتزود بالعلم والثقافة والعمل.. الذي جعلها تعطي للمجتمع ولا تأخذ فقط.
   والفتاة المعاقة لديها الفرص المتعددة كي تبدع وتنجح في مجالاتٍ كثيرة سواءً في التعليم أو في تعلم مهنة وهواية مفيدة.
ونجد كذلك في المجال الرياضي معاقين عادوا بميدالياتٍ ذهبية لم يستطع الأصحاء الحصول عليها؛ فهذا كله من خلال تكاتف الأسرة والإعلام والمجتمع والدولة بكافة مؤسساتها، والاهتمام بتأهيل المعاقين من الجنسين وتوظيفهم في عمل أو مهنة تناسب قدراتهم من شأنه أن يبعد عنهم جميعًا شبح الإعاقة؛ حيث تستمر بهم الحياة إلى الأفضل، وإلى النجاح والعطاء.

الإيمان بالله والثقة بالنفس
     وتشرح – د. سامية خضر -أستاذة بكلية التربية بجامعة عين شمس- معنى الإعاقة؛ حيث تقول: إن الإعاقة معناها قصور أو نقص في جوانب معينة لدى المعاق، وبالتالي يجب تعويض هذا النقص من جانب، وتزويده من جانب آخر بالتشجيع، والقدوة الناجحة، ويبدأ هذا التشجيع من الأسرة، وكذلك لا بد من إلحاق المعاقين بمؤسسة تأهيلية قائمة على أسس علمية وتربوية سليمة.
ومن خلال التشجيع والقدوة ينجذب الإنسان بشكل كبير إلى الحياة، ويصبح لديه هدفٌ يسعى إلى تحقيقه، وهناك نقطة مهمة أخرى هي: لا بد من تواجد هواية للمعاق في أي مجال نافع كبعض الأعمال اليدوية أو كتابة الشعر أو التعامل مع الكمبيوتر؛ فكلما كانت هناك هواية محببة كلما أسرعت الخطا إلى الأمام ولم تشعر بإعاقتها، وخاصة إذا وجدت الدعم والتأييد، وهام جدًا ألا تتعرض للسخرية من أحد بسبب إعاقتها.
       وتؤكد د. سامية أن أهم علاج للمعاق هو أن نرسخ في نفسه الإيمان بالله عز وجل، والثقة بالنفس، وبقدرته على النجاح والعطاء؛ فالإيمان بالله يجعل هناك نوعًا من التسليم والرضا بقضاء الله، وكذلك يشكر الله -عز وجل- على أن إعاقته قد تكون أقل من غيره؛ أما الثقة بالنفس فتجعلها دائمًا متقبلة لوضعها غير ساخطة عليه، وتشعر بالأمان بين المحيطين بها؛ هذا بالنسبة للفتاة، وكلما كانت إرادتها قوية واثقة بنفسها راضية قضاء ربها كلما كانت أكثر قدرة على الاندماج في الحياة، ومواصلة النجاح.

موقع الاسلام اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *