أســـباب الإعــــــاقــــة

مقــدمـــة
 يحاط الفرد في العادة ببيئة اجتماعية واقتصادية تستمد مقوماتها من التراث الإنساني والفكري والحضاري 0 ومع مرور الوقت تتشكل بين الفرد وهذه البيئة علاقة متبادلة بحيث يصبح كلاهما طرفان لحقيقة واحدة وهي الحياة الاجتماعية 0 هذه العلاقة التبادلية بين الفرد والبيئة الاجتماعية التي ينتسب إليها ، تجعل من كليهما عوامل مؤثرة وفاعلة في النظام الأسري والاجتماعي بأكمله ( العوا 1986)0
أن توضيح ذلك التفاعل وإبراز مدى عمق التأثير الذي تحدثه تلك العوامل قد يلقي بعض الضوء على مجمل الظروف والعوامل الوراثية والبيئية ذات الصلة بالمجتمع0 فقد أثبتت الدراسات أنه لا يمكن تطبيق أو استخدام عوامل أو معايير أو سياسات عامة أو برامج مستعارة فلكل مجتمع مواقفه ومعاييره ، فما يمكن أن ينجح في مجتمع قد يفشل في مجتمع آخر خاصة إذا لم تؤخذ بعين الاعتبار جميع المواقف والظروف الخاصة بالمجتمع قيد الدراسة0(مسح اجتماعي ثقافي حول العوامل المؤثرة في السلوك الإنجابي في سوريا – تقرير غير منشور)0

مفهوم الإعاقة
 تعرف الإعاقة وفق (1995)Americans with disabilities act  بأنها إصابة عضوية أو عقلية تحد أو تقلل بشكل كبير من أنشطة الفرد في واحدة أو أكثر من المهارات الحياتية0 فالفرد الذي يعاني من إصابة تحول دون قيامه بواحدة أو أكثر من الأنشطة والمهارات الحياتية ، وهو في نفس الوقت بحاجة إلى أجهزة تساعده في التنقل والحركة أو أنه يعتمد على الآخرين لتحقيق مهارات حياته اليومية، فإنه يصنف على أنه يعاني من إعاقة شديدة (U.S. census Bureau, 1997) 0وتشتمل الإعاقة على تلك الإصابات المتعلقة بالحواس أو الأعضاء  أو الجانب العقلي 0 وقد تكون جزئية أو بسيطة أو كلية0
 وتختلف نسب المعاقين وتقديرات أعدادهم من مجتمع إلى آخر وذلك وفق ظروف المجتمع وأوضاعه الاجتماعية والاقتصادية والصحية0 فعلى سبيل المثال يقدر عدد ونسب المعاقين في المجتمع الأمريكي بحوالي 54 مليون نسمة ( حوالي 20%) (U.S.census bureau, 2003)0 ويمكن حصر أسباب الإعاقة الرئيسية في ذلك المجتمع في : إصابات نمائية، أمراض عقلية ، إصابات دماغية ، والتهابات المفاصل (National Institute of Mental Health, 1999) 0 وفي دراسة أجراها U.S. Census Bureau 1997  تبين أن 68 مليون شخص في الولايات المتحدة يعانون من مشكلات تحد من قدراتهم الجسمية وأن 14 مليون منهم يعانون من إعاقة في الجوانب السمعية والبصرية واللغوية0
 في 1981 أشارت الأمم المتحدة (Who)  ومنظمة الصحة العالمية  (UN) إلى أن نسبة المعاقين في أي مجتمع من المجتمعات تبلغ 10% 0 وفي سنة 1992 اقترح Helandur تعديلا للنسبة بحيث تصبح نسبتهم في الدول النامية 4% وفي الدول الصناعية 7% (Metts, 2000) 0 ويعود السبب في زيادة النسب لدى الدول الصناعية إلى ما توفره تلك الدول من إجراءات دقيقة في التشخيص وتعداد الحالات وحصرها وكذلك المعالجة الصحية التي تهيء للفرد فرص أكبر للحياة0 وقد أيد برنامج الأمم المتحدة UNDP هذه النسب وحصرها عالميا في 5% فقط (Coleridge,1993) 0 إلا أن هذه النسبة المتواضعة قد تم انتقادها حيث أنها أخذت في الاعتبار فقط حالات ذوي الاحتياجات الخاصة ممن يعانون من إصابات مرئية وأهملت في ذات الوقت الحالات غير المرئية مثل ذوي صعوبات التعلم ، وذوي الإعاقات البسيطة جدا  0 على العموم، يمكن القول بأن جميع هذه النسب تعتبر تقديرية بسبب أنها لم تأخذ في الاعتبار المتغيرات الثقافية والظروف البيئية لكل مجتمع بعينه (Yeargint & Boule, 2000) 0
 
أسباب الإعاقة
 يندرج ضمن هذا الموضوع قسمين أساسيين0 مسببات عامة تتطرق إلى الإعاقة والأوضاع الأسرية والفقر ، والإعاقة والمرأة0 أما القسم الثاني فإنه يناقش مسببات محددة بالعوامل الوراثية المعروفة وغير الوراثية0
 لابد من الإشارة قبل البدء باستعراض العوامل المؤدية للإعاقة إلى حقيقة هامة وهي أن الربط بين تلك العوامل والمسائل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والصحية إنما هو توجه شمولي يهدف إلى إبراز مدى تأثيرها على القضايا التنموية والاجتماعية ككل، وذلك بدلا من الخوض في تلك المسببات الثانوية والتفصيلية التي تعالج قضايا فرعية باتت معروفة لدى كافة الجهات ذات العلاقة0
 تحظى المسائل ذات العلاقة بالبحث عن أسباب الإعاقة والعوامل المؤدية إلى حدوثها باهتمام كبير من قبل الباحثين والمختصين ومتخذي القرار ممن يعملون في الجوانب الصحية أو الاجتماعية أو التربوية 0 هذا الاهتمام ناتج عن ارتباط تلك المسائل بشكل مباشر أو غير مباشر بقضايا التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي0 وتشير نتائج الدراسات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والديموغرافية إلى أن لكل مجتمع خصوصية وطبيعته المميزة ، لذلك كان لابد من أخذ البنية الاقتصادية والاجتماعية والبيئة السائدة بعين الاعتبار لدى طرح ومناقشة مسببات الإعاقة0(مسح اجتماعي ثقافي حول العوامل المؤثرة في السلوك الإنجابي-تقرير غير منشور – سوريا)0 من هذا المنطلق ، فانه لا بد من التعرف على المؤثرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والظروف البيئية وكذلك رصد المتغيرات والعوامل الأساسية المتعلقة بمسببات الإعاقة ، وذلك بهدف تكوين رصيد معرفي حول تلك العوامل المساهمة في إحداث الإعاقة وكذلك دراستها وتحليلها عن قرب لدى رسم البرامج والخطط المستقبلية للحد أو الوقاية منها0 وبناء عليه، سوف تبرز هذه الدراسة عددا من العوامل والمؤثرات العامة السائدة التي يمكن رصدها على أنها مكونات رئيسية في مسألة مسببات الإعاقة 0 هذه العوامل يمكن الاستناد عليها لدى رسم الخطط وتوجيه المساعي وتعديل المواقف والمفاهيم التقليدية التي تولدت وسادت في ظل ظروف معرفية وصحية واجتماعية سابقة ، ولم تعد تتوافق حاليا مع التوجهات الحديثة والتحولات الجذرية في المنحى المعرفي حول هذه الموضوعات0
 من المعروف بأن التدخل العلاجي الناجح يعتمد على كشف أسباب الإعاقة، فمعظم أسبابها يعتبر غير معروف على الإطلاق 0 ونجد ما هو معروف منها يمثل فقط نسبة محدودة من تلك المسببات0 وقد أفاد الكشف عن أسباب بعض الإعاقات  في الوقاية من العديد من الإصابات والأمراض من مثل شلل الأطفال 00ألخ0 ويزيد من ضخامة المشكلة أن بعض العوامل التي كان يعتقد أنها مسببات مؤكدة لبعض حالات الإعاقة هي في واقع الحال ليست كذلك0 فعلى سبيل المثال فقد أشار Coles 1987 بأن صعوبات التعلم قد عرفت لفترة زمنية طويلة بأنها ناتجة عن خلل وظيفي عصبي 0 مثل هذه النظرية لم تستطع حتى الآن تقديم أية نتائج عملية محسوسة تدعم هذا الإفتراض0 وقد أوضح 1987 Coles أنه بعد مرور عقود من البحث والدراسة لم يتبين أن هذا الخلل الوظيفي العصبي موجود إلا في نسبة محدودة  جدا  من الأطفال ذوي صعوبات التعلم 0 وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسات المحدودة التي أثبتت وجود مثل هذا الخلل تعاني من العديد من الأخطاء المنهجية 0
أما النظرية الثانية التي فسرت صعوبات التعلم فقد رأت بأن سبب المشكلة يعود إلى خلل جيني موروث 0 وقد استندت  بعض هذه الدراسات على المسوحات الميدانية التي أظهرت أن احتمال وجود صعوبة القراءة مثلا يتضاعف أكثر من مرة في حالة وجود أحد أفراد الأسرة ممن يعاني من نفس المشكلة0 وقد أيدت هذه النظرية عدد هائل من الدراسات 0 إلا أن واقع الأمر لا يجزم بحتمية حدوث ذلك ولم يثبت لدى جميع الحالات0 وبالتالي لا يمكن تعميم هذه النتائج والاستنتاج بأن كل طفل يولد لأبوين يعاني أحدهم من صعوبة ما في التعلم يعاني بالضرورة من نفس الإصابة0

مســببات عـامــــــــة للإعــــاقة
الإعاقـة والأوضاع الأسرية والفقــر
 يتوقع أن تزداد نسب المعاقين لدى المجتمعات التي تعاني من عوامل الفقر والحرمان والمجاعة (WHO) (UN)0 ومن المؤكد أن معالجة هذه الظاهرة المتنامية لدى المجتمعات الفقيرة لن تتحقق دون دمج هذه الفئة من الأفراد في مجتمعاتهم 0 ففي الدول الأكثر فقرا في العالم وبالأخص تلك التي لا تتوفر فيها أية أنظمة مساعدة أو معونات أو خدمات صحية وتدريبية واجتماعية مجانية تكون المسألة بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة متعلقة بالمحافظة على الحياة أو مواجهة الموت0ويعتقد بأن السبب الرئيسي للمعاناة من الفقر المدقع لدى هذه الفئة من الأفراد تكمن في عزلهم عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي يمارسها بقية أفراد المجتمع في حقهم (Rebecca, y. unpublished report) 0
وعلى الرغم من عدم توفر بيانات ودراسات دقيقة تؤكد هذه المسألة إلا أن الدلائل الميدانية تشير عموما إلى أن ذوي الاحتياجات الخاصة يتم عزلهم وبالتالي يقعون ضمن الفئات الأشد فقرا 0 ومن المعروف أن حالة من الفقر المدقع تزيد من احتمالية حدوث الإصابة التي يمكن أن تتطور لاحقا كي تؤدي إلى الإعاقة ثم إلى العجز الدائم 0 وكنتيجة حتمية لحدوث الإعاقة يتوقع أن يعاني الفرد من نقص شديد في الدخل بسبب عدم توفر الفرص التأهيلية والتشغيلية في تلك المجتمعات التي لا تتيح الحد الأدنى من تلك الفرص حتى للأفراد العاديين (Hurst, Rachel,1999-2002)  0

      وعلى العموم ، فان المعلومات المتوفرة عن ارتباط حالات الإعاقة بالظروف والأوضاع المعيشية المتدنية تعتبر نادرة على الرغم من وضوحها والتسليم بضخامتها0 وتعتمد هذه المعلومات في الأساس على تقديرات تتنافى مع مسلمات تعود إلى أن الفقر لا يعني بالضرورة حدوث الإعاقة على الرغم من أن الدلائل والتخمينات تشير إلى أن ذوي الاحتياجات الخاصة يظهرون أكثر في الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتدنية في جميع دول العالم بما فيها الدول الصناعية0 وفي هذا السياق فقد أشارت الدراسات الصادرة من البنك الدولي  إلى أن ما يقدر بنصف مليار فرد يعانون من إعاقة ما هم ممن يعيشون في فقر مدقـع( Metts, 2000 (0 ويتوقع أن تصل نسبتهم في الدول النامية من 15% – 20% من مجموع السكان  (  Elwan,1999)0
 ولا يعني الفقر بأي حال من الأحوال تدني المستوى الاجتماعي والاقتصادي0 كما أن العلاقة بين الإعاقة والفقر تتفاوت وتتطور داخل المجتمع الواحد إضافة إلى التسليم بتفاوتها من مجتمع إلى لآخر0 فقد أشارت Rebecca  في تقرير غير منشور إلى أن حالة الفقر تتعدى الدخل المادي كي تشمل العزل والحرمان الاجتماعي0
 يعاني الطفل الذي يولد فقيرا أو معاقا من التحيز والرفض والحرمان0 وتعتبر ولادة الطفل المعاق في المجتمعات الفقيرة تلك نوعا من المأساة0 وعلى الرغم من حاجة هذا المولود إلى الرعاية الصحية الأساسية فانه يترك لمواجهة مصيرة دون توفير الحد الأدنى من الرعاية المطلوبة0 وفي ظل عدم توافر مصادر دخل ملائمة في تلك المجتمعات، فإنه يتوقع أن لا يحصل هذا الفرد على حصة عادلة من تلك المصادر0 ويعتبر هذا الأمر من منظور تلك المجتمعات عملا منطقيا مبررا  على الرغم من مدلولات الرفض الكامنة فيه 0 فهذا الفرد من وجهة نظرهم يعتبر حالة ميئوس منها ولا يمكن أن يمثل بالنسبة إليهم استثمارها محتملا ، وبالتالي فهو لا يستحق أدنى حدود الرعاية الأسرية والمجتمعية (Ashton, 1999)0

    إن البدء بعزل الأفراد المعاقين اجتماعيا واقتصاديا منذ الطفولة يكرس تعميق الفجوة بينهم وبين أقرانهم العاديين ويقلل في نفس الوقت من فرص التغلب على هذه المعضلة ، كما أنه ينمي تشكيل اتجاهات سلبية نحو هؤلاء الأفراد تتمثل في النظر إليهم على أنهم أفرادا لا يمتلكون القدرة على المشاركة والمساهمة في بناء المجتمع0
وفي الغالب يكون الأفراد الذين يعانون من الفقر آخر من يحصلوا على الطعام ومصادر الرعاية الأساسية0 ففي حالة تعرضهم للمرض  فإنهم لن يحصلوا على العلاج الصحي اللازم حيث يتركوا في رحمة الله0 وهم نادرا ما يذهبون إلى المدرسة خوفا من العار الذي قد يلحق بهم وبأسرهم إضافة إلى التأثيرات السلبية التي قد تنعكس على الحياة الزوجية والأسرية0 وقد أفادت منظمة اليونسكو سنة 1988 بأن 98% من المعاقين في الدول النامية لا يتلقون في الواقع أية خدمات تربوية رسمية مما يؤدي بالتالي إلى شعورهم بالنقص وعدم المساواة مع الآخرين أو التفاعل معهم (UNESCO, 1988)  0
 وكنتيجة للإعاقة فإن العديد من الأطفال يفقدون الحياة خاصة في المجتمعات الأشد فقرا0 أما حالات الأطفال التي تتمكن من العيش رغم الظروف القاسية فإنهم يعانون من حرمان كبير لدى محاولتهم الالتحاق بالبرامج التربوية الرسمية والغير رسمية مما يؤدي إلى حرمانهم من التدريب اللازم  إضافة إلى  تدني مفهومهم لأنفسهم 0 وفي المستقبل فإنهم يواجهون أيضا نقصا في فرص التوظيف وعدم تقبل الأفراد العاديين لهم بسبب عدم تفاعلهم معهم في مراحل مبكرة من العمر0 وهذا يدل على إنكارهم الحق في الحصول على فرص متساوية كغيرهم من الأفراد العاديين 0

     وأخيرا، فإنه يمكن القول بأن الأفراد المعاقين غالبا ما ينحدرون من أسر ذات معدلات عالية من الفقر، بل أن الفقر يزيد بشكل جذري من احتمالية حدوث الإعاقة 0 فالأفراد الذين يعانون من الفقر المزمن لا تفسح لهم الفرص في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة أو المأوى والطعام والتعليم والوظيفة المناسبة مما يؤدي بالتالي إلى إمكانية إصابتهم ببعض الأمراض والإصابات التي تؤدي إلى الإعاقة0 وتقدر الإحصائيات العالمية بأن عدد الأفراد المعاقين الناتج عن سوء التغذية والفقر بحوالي مئة مليون شخص ((Lee, 1999 0 وقد قدرت منظمة الصحة العالمية سنة (1992) أن ما نسبته 70% من المصابين عالميا بالإعاقة البصرية في مرحلة الطفولة المبكرة و 50% من المعاقين سمعيا ينحدرون من الدول الأفريقية التي تعاني من الفقر0 وهنالك بعض الحالات المثيرة للدهشة لكنها في نفس الوقت تدل على الواقع المؤلم الذي تعيشه شعوب أخرى ممن تعاني من الفقر المدقع 0 ففي الهند على سبيل المثال، فإنه على الرغم من معرفة عامة الناس بمخاطر الإصابة الحركية والعصبية الناتجة عن تناول بعض الأنواع الرديئة من الأطعمة،  فإن ذلك لم يمنع من تناولها بسبب عدم توفر غيرها 0 وفي كولومبيا فإن70% من المصابين بالألغام الأرضية كانوا على علم مسبق بأنهم يزرعون في أراضي مليئة بالألغام الأرضية .(Action on Disability of Development, 1997)                          
 وفي كثير من الدول الفقيرة ، لا تتلقى النساء الحوامل الرعاية سواء في فترة الحمل أو أثناءها أو بعدها0 إن تسجيل مثل هذه الحالات وحصرها يبقى محدودا وذلك لعدم وجود دراسات مسحية دقيقة في هذا الخصوص0 وعلى الرغم من توفر عدد من الدراسات التي وثقت نوع المشاكل والمضاعفات التي تصيب المرأة الحامل، إلا أن ندرة الدراسات التي تبين الوضع الصحي للنساء بعد الولادة يعتبر أمرا حقيقيا0 كما أن كثير من المعلومات المتوفرة يعود مصدرها إلى تجارب شخصية فقط لا يعتد بها ولا تعتبر بياناتها دقيقة علميا أو صحيحة إكلينيكيا0 وعلى الرغم من ذلك فقد بينت العديد من دراسات الحالات في كثير من الدول وجود مشكلة حقيقية لكنها خفية ذات صلة بعوامل ثقافية تحث المرأة على عدم إعطاء صحتها أهمية بقدر اهتمامها بشؤونها العائلية والأسرية، أي أن الأولوية للأسرة ككل وليس لصحة المرأة ، وتعرف مثل هذه الثقافات بثقافة الصمت والتحمل  (Khattab, 1992)0
 ويمكن الاستنتاج في النهاية بأن الفقر المزمن يؤدي في الغالب إلى حدوث الإعاقة ، هذه الإعاقة تؤدي إلى عزل الفرد وتدني في الدخل وبالتالي زيادة في الفقر ثم زيادة في حدة الإعاقة والآثار المترتبة عليها0
 
الإعــاقة والمـــرأة
 أن التركيز على المرأة بالدراسة من حيث حملها وإنجابها والتعقيدات الصحية التي تمر بها لا يعني أنها وحدها المعنية بهذه المسائل0 فقد أظهرت نتائج الدراسات أن المجتمع بعاداته وتقاليده وثقافته واتجاهاته يؤثر في تشكيل السلوك الإنجابي من خلال الضغوط الأسرية والاجتماعية ويؤثر في العلاقات الزوجية والقرارات الشخصية0 إلا أنه وبالرغم من أثر تلك العوامل والمتغيرات، فإن التوجه لفهم الظروف الصحية والاجتماعية والثقافية المحيطة بالمرأة وتعزيز دورها الفاعل في هذه المسائل الحيوية التي تخصها وتخص أسرتها ينعكس بشكل ايجابي على التخفيف من حالات الإعاقة والحد منها  (مسح اجتماعي ثقافي حول العوامل المؤثرة في السلوك الإنجابي في سوريا – تقرير غير منشور) 0
 أثبتت الدراسات الميدانية أن الزواج المبكر من خلال التحايل على القانون أو تأجيل تثبيت الزواج إلى فترات لاحقة، ما يزال عادة سائدة في عدد من المجتمعات العربية رغم مخالفة ذلك للشرع والقانون0 ومما لا شك فيه أن هذه الممارسة تترك في الغالب  آثارا سلبية على صحة المرأة والأبناء وكذلك على الأوضاع الزوجية والعائلية0 إن الآثار السلبية للزواج المبكر على الفتاة يظهر بشكل واضح على صحتها بعد الولادة، وقد ينعكس سلبا على صحة الأبناء خاصة إذا تمت الولادة قبل أن تصل الأم إلى سن العشرين، أي قبل أن يكتمل نموها الجسدي وتصبح أكثر صلابة لتحمل تبعات ومسؤوليات الحمل وظروف الولادة القاسية 0 وبالتالي، فإن الزواج المبكر والولادة المبكرة يعتبران من أكبر العوامل إسهاما في حدوث الإعاقة في الدول النامية والعديد من المجتمعات العربية ، هذه المسألة يجب أن تلقى الرعاية والتوجيه اللازم من خلال التوعية والتثقيف والتأكد من تطبيق تشريعات تحول دون انتشار مثل هذه الممارسات (Mall, 2001; Ashford ,2004 ) .

اقرأ أيضا:  عملية التشخيص

    لقد أكدت الدراسات الاجتماعية وجود علاقة عكسية بين مستوى الثقافة وحجم الأسرة0 فالثقافة وارتفاع مستوى التعليم وتوفر فرص العمل وارتفاع الأجور تعتبر جميعها عوامل تساهم في تأخير سن الزواج وتختصر بذلك المدة التي تكون فيها المرأة مستعدة للإنجاب0 إضافة إلى ذلك ، فإن هذه العوامل تساعد بدون أدنى شك الفتاة إلى التطلع لتحقيق أدوار اجتماعية أوسع وأبعد من الاكتفاء بالدور المحدد بالإنجاب وتربية الأطفال 0ومن المؤكد أيضا أهمية ارتفاع مستوى التعليم وارتفاع مستوى الوعي الفكري والثقافي لدى المرأة0 فالمرأة التي تمتلك حد أدنى من الوعي الصحي والفكري يكون لديها بدون شك معلومات صحية أكثر عن الوقاية والمعالجة والغذاء0 كما أنها تكون أكثر قدرة على الاستفادة من التقينات والإجراءات الحديثة المساعدة على تنظيم الإنجاب0 وتستطيع في ذات الوقت أن تقدر حجم الأسرة المطلوب وتعمل على تحديد إنجابها للوصول بعدد الأطفال إلى حجم محدد يلائم امكاناتها المادية وظروفها الصحية والمعيشية0 أما في حالة تدني مستوى الوعي الصحي والتعليمي والثقافي ، فان تخوف الأمهات من وفيات الأطفال يعتبر عاملا مهما في إجبارهن على إنجاب أكبر عدد من الأطفال تحسبا لحدوث حالات وفاة لدى أطفالهن0 وباختصار ، فإن مستوى تعليم المرأة يعتبر ذو قوة تأثير فاعلة وقوية على السلوك الإنجابي لديها (مسح اجتماعي ثقافي حول العوامل المؤثرة في السلوك الإنجابي في سوريا- تقرير غير منشور)0
 وفي سياق البحث عن أسباب الإعاقة وعلاقتها بالأوضاع الاجتماعية والأسرية والفقر، فقد كشفت دراسة حديثة نفذتها المؤسسة العربية لحقوق الإنسان في عشر جمعيات تعني بشريحة المعاقين في مدينتي صنعاء وعدن عن احتياجات ذوي الإعاقة، كشفت عن نوعين من الأسباب: أسباب وراثية ، وأخرى بيئية باعتبار أن البيئة هي حصيلة المؤثرات الخارجية التي تلعب دورا مهما في الإعاقة منذ مرحلة الحمل0 وأكدت الدراسة انه على الرغم من الوعي الموجود لدى الأسر عن المسببات الوراثية الناتجة عن التزاوج والتصاهر بين أفراد وأقارب العائلة والأسرة الواحدة مما يؤدي إلى توارث بعض العوامل أو الأمراض التي يتوقع أن تفضي إلى إعاقات متنوعة، إلا أنها – أي الأسر – لا تستطيع تجاوز ذلك نتيجة للإلتزامات و العلاقات العائلية والاجتماعية والاقتصادية التقليدية0 هذه الأسباب وغيرها وخاصة حالة الفقر السائدة، إضافة إلى القصور الشديد في الخدمات الصحية المتعلقة برعاية الأمومة والطفولة في المناطق الريفية تضاعف من انتشار الإعاقة وشيوعها0
 
مسببات محددة للإعاقة:
الأسباب الوراثية:
 وتشتمل على مجموعة من العوامل الجينية التي تؤثر في الجنين لحظة الإخصاب ، وتشتمل على حصيلة التفاعل بين الخصائص الوراثية المقدمة من كلا الوالدين 0 ويستدل على هذه العوامل وأثرها على الأطفال من خلال دراسة التاريخ الأسري للزوجين0 ومما يجدر ذكره بشأن العوامل الوراثية أن احتمال ظهورها في مجتمعاتنا العربية يكون أكبر من المجتمعات الغربية وذلك نظرا لارتفاع نسبة زواج الأقارب في مجتمعاتنا 0 وغني عن الذكر أن نسبة العوامل الوراثية تزداد في المجتمعات التي تشيع فيها ظاهرة زواج الأقارب بشكل واضح0 ففي دراسة عن أسباب الإعاقة العقلية في المملكة العربية السعودية تبين أن الوراثة مسؤولة عن 22% من حالات الإعاقة العقلية ( السرطاوي ، القريوتي 1990)0 وقد تكون هذه النسبة مبالغا فيها بعض الشيء بحكم عدم توفر الدقة التامة في إجراءات الدراسة، إلا أنها تبقى مؤشرا على ارتفاع تأثير العوامل الوراثية في مجتمعاتنا خاصة تلك التي يعتبر فيها زواج الأقارب من داخل العائلة أمرا محتوما 0 وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال الدعوة لرفض زواج الأقارب بمقدار ما يعني تشجيع الزواج من خارج العائلة خاصة عندما تظهر تلك العائلة تكرارا لأثر الخصائص الوراثية ( القريوتي ، السرطاوي 2000)0
 
الأسباب البيئية:
 البيئة هي حصيلة المؤثرات الخارجية والظروف والمعطيات التي قد تلعب دورا رئيسا في حدوث حالات الإعاقة منذ ظهور الحمل وحتى ما بعد الولادة0 وتشمل البيئة عوامل ما قبل الولادة ، وعوامل أثناء الولادة ، وما بعد الولادة :
 
عوامــل ما قبــل الـولادة ( الحمــل)
ا-العوامل غير الجينية :
1- الأمراض :
 الأمراض التناسلية كالزهري ، الحمى الصفراء ، السل ، الأمراض المعدية ،  إضطرابات التسمم الغذائي ، اختناق الطفل نتيجة نقص الأكسجين ، تسمم الحمل  وارتفاع ضغط الدم ، فقر الدم ، النزيف أثناء الحمل ، استعمال العقاقير المختلفة ،  العمليات القيصرية ومحاولة الإجهاض باستعمال الأدوية والطرق الشعبية، سوء  التغذية (عدم التوازن الغذائي) ،  الإدمان على تناول الكحول أوالمخدرات ، التعرض  للأشعة ، التعرض للصدمات ، تلوث الهواء أوالماء ، اضطرا بات التمثيل الغذائي ،  المرض الكلوي المزمن، إصابة الأم بالسكري ، الإصابة بالحصبة الألمانية0  
2- زواج الأقارب
3- وضع الجنين بشكل خاطيء في الرحم
4-الزواج المبكر
5-الحمل المتكرر

ب- العوامل الجينية :
  1- العوامل الجينية المباشرة
     – حالات وراثية ناتجة عن طريق الجينات الوراثية السائدة حيث تظهر الإصابة في جميع   الأجيال، أو المتنحية بحيث تكون الإعاقة ناتجة عن أمراض واضطرابات بيوكيمائية   تنتقل من الوالدين0 ويحتمل ظهور هذه الحالات في زواج الأقارب0
     – الأمراض الوراثية : وهي عبارة عن خلل في الجينات والكروموسومات  مثل عرض   داون0
 2- العوامل الجينية غير المباشرة
  تحدث الإصابة في هذه الحالة نتيجة لانتقال الأمراض، أوالخلل أوالاضطرابات الجينية0 ومن الأمثلة على هذه الإصـابات: ترسب الدهـون(تاي ساكـس)، الجلاكتوسيميا، العيوب المخية، اضطـرابات التمـثيل الغذائي مثلPKU  والعامل الريزيسي (RH)0
 
عوامــل أثنـاء الــولادة
 * الولادة المتكررة ، عسر الولادة ، الاختناق الناجم عن نقص الأكسجين ، الولادة     المبكرة ، الإجهاض المتكرر0
 
عوامـل ما بعد الـولادة :
   *الأمراض :
 الالتهابات، إضطرابات في الهرمونات ، سوء التغذية،  الكساح ، الحمى القرمزية ،  العدوى – الأمراض المعدية : اليرقـان/ الصفراء ، الحصبة،الدفتيريا ، التهابات السحايا ، شلل الأطفال، النكاف ، السعال الديكي0
 
إصابات الأم والجنين:
 في كل عام هناك أكثر من خمسمائة ألف حالة وفاة من النساء في الدول النامية تعود لأسباب لها علاقة بالحمل والولادة0 إلا أن موضوع الوفيات يمثل جزءا  من المشكلة وليس كلها0 ففي مقابل كل حالة وفاة من بين النساء هناك على الأقل 30 امرأة تعاني من أمراض وإصابات متنوعة 0وعلى الرغم مما يبدو أن مثل هؤلاء النساء محظوظات للنجاة من الموت إلا أن إصابتهن تخلف آثارا سيئة للغاية من الناحية الجسدية والاجتماعية0 وعلى الرغم من مخاطر هذه الإصابات التي تصيب النساء الحوامل إلا أنها لم تلق قدرا كبيرا من الاهتمام لأنها من النوع المخفي أو غير الظاهر (Khattab, 1992)0
 وتعتبر المضاعفات التي تحدث للأمهات الحوامل في الدول النامية أثناء فترة الحمل والولادة السبب الرئيسي للوفيات أو حدوث إصابات على أقل تقدير0 ويقدر عدد أولئك اللواتي يعانين من مثل هذه المضاعفات بحوالي 20 مليون إمرأة0 ومن النماذج على المضاعفات هـذه: فقر الدم ، التهابات مجرى البول ، تلف أعضاء الخصوبة والجهاز العصبي، والآلام الشديدة، والعقم (Ashford,2004) 0 ففي كثير من الدول النامية لا تتلق نصف الأمهات الحوامل أية رعاية طبية من قبل طبيب أو ممرضة أو قابلة مدربة في الوقت الملائم من أجل تفادي حدوث تلك الإصابات0 وقد يعود السبب في ذلك إلى عدم توفر المصادر اللازمة لذلك ، أو أن الكثير من النساء لا تدرك الأعراض التحذيرية للإصابات أو أنها قد تخشى من علاج خاطىء أو من إرتفاع التكاليف في المراكز الصحية (Ashford, 2004)0 كما أن الولادات التي تحصل في المرافق الطبية أو المراكز الصحية والمستشفيات قد تتعرض للخطر ، وذلك بسبب سوء الرعاية الطبية المتوفرة فيها0
 وعلى العموم ، فإن الغالبية العظمى من هذه الإصابات تعزى إلى تعقيدات صحية كنتيجة مباشرة للحمل أو إنها تحدث أثناء الولادة0 ومن الأسباب المباشرة لهذه الإصابات : نزيف حاد ، التهابات، عسر الولادة أو ارتفاع ضغط الدم بسبب الحمل أو الإجهاضات0 كما أن هذه الإصابات قد تكون ناتجة عن أمراض تزداد حدة أثناء الحمل مثل فقر الدم والملاريا وأمراض القلب والتهاب الكبد الوبائي والسل والأمراض مثل نقص المناعة المكتسب0 و بغض النظر عن أسباب حدوث هذه الإصابات فإنها تؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة لكل من الجنين والأم وذلك حتى في الولادات اللاحقة 0 هذه المشكلات  الناتجة عن التعقيدات التي تحدث أثناء الحمل وتهدد حياة الأم الحامل بالخطر يتوقع أن تسبب الوفاة أو الإعاقة للطفل المولود 0هذا وترتبط وفاة 8 مليون طفل في كل عام في الدول النامية بالمضاعفات الصحية التي تحدث للأم الحامل وسوء الرعاية الطبية أثناء الحمل وأثناء الولادة0 كما أن عسر الولادة على سبيل المثال يؤثر على نسبة 3% من المواليد ويتسبب في وفاة 25%  منهم تقريبا، ويؤدي إضافة إلى ذلك إلى إصابة حوالي 25% منهم بتلف دماغي (Tsui, 1997)0

 وفيما يلي وصفا موجزا لبعض أهم الإصابات التي تحدث بسبب الحمل أو التعقيدات والمضاعفات التي تحدث بعد الولادة مباشرة :
1- سوء التغذية :
 يلعب سوء التغذية الذي يصيب الأم الحامل دورا كبيرا في حدوث حالات الإعاقة 0 فالنساء الحوامل اللواتي يعانين من سوء التغذية يلدن في الغالب أطفالا تقل أوزانهم عن الوزن الطبيعي 0 إن مثل هؤلاء الأطفال معرضين لخطر الوفاة في الأسبوع الأول بعد الولادة أكثر من الأطفال الذين يولدون بأوزان طبيعية0 وتجدر الإشارة هنا إلى أن من ينجو منهم من الوفاة نتيجة للتقدم الطبي الهائل فإنهم يكونون معرضين في العادة للإصابة بالشلل الدماغي أو التشنجات أو صعوبات التعلم الشديدة، أو الإعاقات العقلية أو الحسية (Ashford, 2004) 0
 
2-الإجـهـاض :
 تعتبر محاولة الإجهاض الذي تقوم به الحامل بنفسها أو عن طريق أشخاص غير مؤهلين من الأسباب الرئيسة لوفيات الحوامل أو التسبب في إصابتهن، أو إصابة أطفالهن 0 تقدر منظمة الصحة العالمية (WHO) أن ما يقارب من  18 مليون حالة إجهاض تحدث سنويا في الدول النامية، أي ما يعادل حالة من كل 10 حالات حمل0  أو ما يقدر بحالة إجهاض واحدة من بين سبعة ولادات ناجحة (Tsui, 1997; Ashford,2004)0
إن هذه المضاعفات والإصابات الناجمة عن أسباب ولادية تؤثر بدون شك أكثر على صحة وخصوبة النساء في أوج فترة الشباب0 بالإضافة إلى ذلك  فإنها تؤثر أيضا على الوضع العام للأسرة والدخل الإقتصادي0وبذلك، فإن الحد من مثل هذه المضاعفات التي تواجهها النساء يعتبر أمرا هاما ليس فقط من أجل التخفيف من الإصابة وإنما من أجل التخفيف أيضا من المعاناة0 وبالتالي فإن التصدي لهذه المضاعفات ومنع حدوثها أثناء فترة الحمل يحتاج إلى التزام واستثمار كبير (Ashford,2004)0
 
3- فقر الدم :
 تعاني النساء المصابات بفقر دم من الدرجة الشديدة أو الشديدة جدا من تعب وإرهاق يؤثر على قدرتهن على الإنجاب وعلى صحتهن بشكل عام0 تقدر منظمة الصحة العالمية حسب البيانات المتوفرة لديها بأن فقر الدم لدى النساء الحوامل في الدول النامية تسبب في عام 2000 في ضعف مقدرة النساء على الإنجاب والخصوبة عدا المضاعفات الصحية 0 وتقدر الخسائر المادية المترتبة على هذه الإصابة بخسارة قد تصل إلى خمسة مليارات دولار0
هذا ويعتبر فقر الدم كمرض يصيب نصف النساء الحوامل في العالم بأنه سببا مباشر أو غير مباشر للوفاة أو حدوث إصابات للأم والجنين (Burkhalter, 2000) 0
 تصاب حوالي 11% من النساء أو 13 مليون امرأة في الدول النامية في كل عام بنزيف بعد الولادة مباشرة0 يسبب هذا النزيف في حالة عدم معالجته بسرعة كبيرة إلى  وفاة المرأة في غضون ساعات0 وإذا ما نجت الأم فإنها على الأغلب ستصاب بفقر دم واضطراب في الهرمونات  الناتج عن خلل في الغدد  مما سيؤدي  إلى عدم القدرة على الإرضاع أو فقدان الدورة الشهرية أو الهزال الشديد أو الشيخوخة المبكرة0 فالنزيف الذي يحدث بعد الولادة يؤثر أكثر على الأم الحامل إذا ما كانت تعاني أصلا من فقر دم مسبق، ويعرضها إلى خطر الموت أو حدوث إعاقات للطفل في كل حمل لاحق (Ashford, 2004)0

اقرأ أيضا:  تعديل سلوك الأطفال المعوقين

4-الالتهابات وتسمم الحمل:
 تحدث هذه الالتهابات أو تسمم الحمل لدى الأمهات الحوامل أثناء الحمل أو الولادة أو بعدها مباشرة مما قد يسبب آلاما مبرحة في أبسط الحالات أو العقم ، إضافة إلى المشكلات العاطفية أو النفسية بسبب  تفكك الحياة الزوجية الناتجة عن حدوث تلك الآلام والالتهابات المزمنة 0ويعود  سبب هذه الالتهابات أو التسمم إلى طول مدة الحمل أكثر من المعدل الطبيعي أو توفر رعاية غير سليمة أو تلوث يحدث أثناء الولادة أو الإجهاض 0 ويقدر عدد النساء الحوامل اللواتي يصبن بتلك الالتهابات أو التسمم بحوالي 10%0 وفي حالات نجاة الأم من الالتهابات والتسمم أو التلوث بعد الولادة مباشــرة، فقد تصاب فيما بعد بالتهابات في الحوض والمبايض0فإذا لم يتم التدخل العلاجي بسرعة فان ذلك سيؤدي إلى ألم شديد في منطقة الحوض مما يؤثر بالتالي على حياة الأم نفسها 0 كما أنه يؤثر أيضا على أعضائها الهامة للحمل، مما قد يتسبب في حدوث حمل خارجي وبالتالي تعريض حياتها وحياة الجنين للخطر والإصابة (Tsui, 1997)0
 
5-عسر الولادة :
 يعد عسر الولادة أحد أكبر المخاطر المحتملة على صحة الأم والجنين حيث يحدث في حالة واحدة من بين كل ست حالات ولادة طبيعية0 فبالإضافة إلى كونه يسبب حالة من الخوف والرعب للأم الحامل وخاصة في الطفل الأول ، فانه في ذات الوقت يسبب إصابات مؤكدة لكليهما  خاصة في حالة غياب الرعاية الطبية الملائمة0 إن أكثر النساء عرضة لعسر الولادة أولئك اللواتي لم يكتمل بناءهن الجسدي ، كصغيرات السن أو ممن يعانين من خلل عضوي في الحوض0  وفي حالة اللجوء إلى الولادة القيصرية فإنه يتوقع أن تعاني الأم من آلام ، وفي بعض الحالات الشديدة يتسبب ذلك بانفجار الرحم في أية حمل لاحق مما يؤدي إلى وفاة الجنين أو إصابته 0وأخيرا  فان عسر الولادة لا يؤثر على الجنين فحسب وإنما يضر المرأة بشكل مباشر0 فهو يؤثر على خصوبة المرأة وحدوث إصابات في الجهاز العصبي مما يؤثر لاحقا على عملية المشي (Tsui, 1997)0
 
6-ارتفاع ضغط الدم:
 تعاني 6% من النساء الحوامل من ارتفاع في ضغط الدم، وبالتالي فإنه يتوقع أن يتأثر الجنين بشكل مباشر بهذه الإصابة بسبب عدم حصوله على التغذية المناسبة أو إصابة الجهاز العصبي المركزي أو فشل في الجهاز التنفسي أو التسمم0 وبالإضافة إلى هذه المخاطر، فإنه يتوقع أن تتعرض حياة الأم والجنين سويا إلى الخطر أو الإصابة والمعاناة في أفضل الحالات (Ashford, 2004) 0
 وعلى الأغلب ، فان إصابة الأم سوف تخلف آثارا سلبية شديدة على أسرتها والمجتمع ككل لما يحدثه ذلك من تغيرات في الأسرة ومسؤولياتها ونفقاتها ووضع الأسرة الاقتصادي (Ashford, 2004)  0ومن هذه الآثار ما يلي :
– تؤثر مصاريف العلاج الطبي للأم على مستوى الاستهلاك الاقتصادي للأسرة وتقلل من مدخرات الأسرة 0
– تؤثر عدم قدرة الأم على الإنتاج على مصدر رزق الأسرة مما يستوجب عمل الأطفال ودخولهم سوق عمالة الأطفال0
– يعاني أطفال الأمهات المريضات من سوء في التغذية وتردي الحالة الصحية والنظافة0
– يضطر الأطفال الأكبر سنا وخاصة الفتيات إلى التخلي عن الدراسة للقيام بدور الأم0
– يعاني أفراد من مشكلات نفسية من مثل الإحباط أو الشعور بالعزلة والوحدة 0 

 وللتغلب على الآثار المترتبة على إصابة الأم والجنين ، فانه لابد من التفكير الجدي في تفعيل إجراءات التدخل العلاجي والوقائي المبكر لما له من آثار إيجابية في الحد من تأثير تلك المسببات0 فتدهور صحة الأم الحامل له آثارا سلبية جمة على الطفل أولا ثم على إنتاجية المرأة وقدرتها على الإنجاب (Ashford, 2004) 0 ويشمل التدخل الصحي على سبيل المثال :
1- إجراء عمليات جراحية ، ونقل دم ، وذلك بهدف التغلب على مضاعفات مثل  ارتفاع الضغط  وفقر الدم 0
2- توفير طاقم طبي مدرب وأجهزة وتسهيلات ومعدات طبية ونظام إحالة فعال وإشراف جيد0
3- تيسير نقل الأم الحامل عند حدوث أية مضاعفات إلى مراكز الرعاية الصحية القريبة في أسرع وقت ممكن0
4- توفير رعاية طبية ملائمة بعد الولادة أو الإجهاض وذلك لحل المشكلات المترتبة على النزيف والالتهابات أو تلف بعض أعضاء الجسم التي تحدث عادة بعد الولادة أو الإجهاض غير الآمن0
5- تدريب الأمهات الحوامل على الولادة في مرحة مبكرة من الحمل0
6- تشجيع  المرأة  الحامل على زيارة الطبيب على الأقل 4 مرات في الثلاثة أشهر الأولى من الحمل 0 وقد تتولى مراكز الرعاية الصحية المجتمعية هذا الدور وتقوم بزيارات منزلية للأمهات الحوامل0
7- تثقيف النساء بالعادات الصحية السليمة والغذاء المناسب ، بالإضافة إلى تزويدهن ببعض الفيتامينات 0 وكذلك توعية الأمهات الحوامل بالمؤشرات التي يجب الانتباه إليها لتفادي أية مضاعفات وكيفية التصرف عند الطوارىء 0 كما يجدر توجيه المرأة لتناول الأغذية السليمة حتى لو كانت الموارد الأسرية محدودة0فسوء تغذية المرأة الحامل ونقص الفيتامينات سيقلل من مقاومتها للأمراض والالتهابات وارتفاع الضغط وإصابتها بأمراض أخرى غير محددة  0
 
حوادث الطرق :
 تشكل حوادث الطرق نسبة عالية من الوفيات والإعاقة خاصة بين الشباب وتشير الإحصائيات إلى وفاة 000ر700 نسمة سنويا في العالم من جرائها0 تنتج معظم هذه الحوادث عن عدم الالتزام بالسرعة المقررة وعدم المبالاة والإهمال في القيادة وصيانة السيارات0 وعن الأسباب الحقيقية لحوادث المرور ، غياب الثقافة المرورية وعدم الوعي بالقوانين المروريـة ( منظمة الصحة العالمية )0
فقد أشارت تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن حوادث الطرق ستحتل المرتبة الثالثة في عام 2020 في قائمة منظمة الصحة العالمية للأسباب الرئيسية للأمراض والإصابات في العالم ، بدلا من المرتبة التاسعة التي كانت تحتلها عام 01990 وأكدت المنظمة أن عدد حالات الوفاة التي أسفرت عن حوادث الطرق عام2002 بلغت نحو 18ر1 مليون حالة وفاة على المستوى العالمي، إضافة إلى ما بين 20 و50 مليون إصابة، وحدثت خمسة ملايين حالة عجز دائمة0 وإذا استمرت هذه المعدلات في الارتفاع ، فسيتضاعف معدل الوفيات والإعاقة الناتجة عن إصابات حوادث الطرق  بنحو 60% في المستقبل متفوقة في ذلك على بعض الأمراض المستعصية0  وتؤكد منظمة الصحة العالمية أيضا والبنك الدولي أن حوادث الطرق تعد السبب الثاني من بين الأسباب الرئيسية للوفاة بين سكان العالم، وذلك في المرحلة العمرية من 5 إلى 29 سنة0 كما أن حوادث الطرق عامة تؤدي إلى الإصابة بالإعاقة لما بين 20 إلى 50 مليونا شخص على صعيد العالم كله 0 وما لم تتخذ إجراءات فورية ، فان من المتوقع بحلول عام 2020 أن تزداد نسبة الوفيات الناجمة من حوادث الطرق ، بنحو 80% في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط  ( منظمة الصحة العالمية ، المكتب الإقليمي للشرق الأوسط ، يوم الصحة العالمي 2004) 0
 وعلى الصعيد الإنساني فإن ما يتعرض له الفرد المصاب أو أسرته أو مجتمعه نتيجة لحوادث الطرق وما يترتب على الإصابة من آثار اجتماعية ونفسيه وصحية، يجعل من الضروري الإسراع في توفير الخدمات الملائمة0 ولا تتوقف الآثار المترتبة على الإصابة على النواحي الصحية أو الاجتماعية أو النفسية فحسب، بل تتعداها إلى النواحي الاقتصادية0 ففي البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط ، تقدر تكلفة الإصابات الناجمة عن حوادث الطرق بنحو 65 مليار دولار ، أي ما يفوق كل ما تحصل عليه هذه البلدان من معونات إنمائية0  كما تكلف الإصابات هذه البلدان مابين 1% وبين 2% من إجمالي الناتج القومي أي حوالي 518 مليار دولار سنويا ( منظمة الصحة العالمية ، المكتب الإقليمي لشرق المتوسط : يوم الصحة العالمي 2004)0
الإصابات الرياضية وغيرها
 تشمل الكسور ، والجروح ، والتقلصات والتمزقات العضلية ، والإصابات الدماغية، وتهتك الأعضاء الداخلية0 وقد تعود بعض هذه الإصابات إلى الانزلاق والسقوط أو الصعقات الكهربائية، أو تناول المواد الكيماوية كالمطهرات والمنظفات والمبيدات الحشرية، مما يؤدي إلى إصابة الدورة الدموية والجهاز التنفسي0 وقد تؤدي الحالات الشديدة من هذه  الإصابات إلى تعرض الأفراد  لإعاقات دائمة0
 
الحـــــروب :
 يعتبر الأطفال من أكثر الفئات تعرضا لمخاطر وآثار الحروب الأهلية ، فهم إما يتعرضون للقتل  أو الإعاقة أو التشريد عن منازلهم أو الانفصال عن ذويهم 0 بيد أن الآثار  الواقعة على الأطفال  في الحروب تفاقمت بتدريب الأطفال وتشجيعهم أو إجبارهم على المشاركة في المعارك كجنود فعليين0 ففي عام 1988 تم تقدير عدد الأطفال المشاركين  في الحروب الأهلية بنحو 000ر200 طفل0 وفي عام 1995م أرتفع هذا العدد ليصل إلى 000ر300 طفل ، حيث تستخدمهم الجيوش النظامية للقيام بكافة أنواع الأعمال كالطهاة ، أو المحاربين أو الجواسيس أو كأدوات للكشف عن الألغام 00 الخ0
فعلى سبيل المثال فانه يطلق على الحرب الأهلية التي دارت في سيراليون بحرب الأطفال وذلك نظرا لأن معظم المحاربين من الجانبين كانوا من الأطفال 0 أما في راو ندا فقد رصدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة ( اليونسيف عام 1995) حالات لأكثر من 3000 طفل تعرضوا لإصابات شديدة خلال عمليات التطهير العرقي التي جرت عام 1994م0
 ونتيجة للحروب بشتى أشكالها وأنواعها وما يترتب عليها في بعض الأحيان  من وفاة أو إصابة معيل الأسرة يضطر الطفل الأكبر للقيام بدور الأب في إعالة الأسرة وتوفير الحدود الدنيا من مصادر المعيشة الأساسية0 وقد قدرت منظمة العفو الدولية عدد الأطفال الذين يقومون بإعالة أسرهم بنحو 000ر6 طفل ثلاثة أرباعهم من الفتيات0 أما في حالات اللجوء أو النزوح الناتجة عن الحروب وغيرها من الكوارث البيئية، فان الأطفال يعتبرون أكثر عرضة للإصابة بسبب عوامل عديدة منها سوء التغذية ، والإصابة بالأمراض والالتهابات0
 
 
المراجع
o العوا ، عادل (1986) 0 العمدة  في فلسفة القيم 0 دار طلاس، دمشق 0
o مسح اجتماعي ثقافي حول العوامل المؤثرة في السلوك الإنجابي في سوريا0 تقرير غير منشور – سوريا 0
o القريوتي، يوسف وآخرون(2000)، المدخل إلى التربية الخاصة0 دار القلم ، دبـي0
o السرطاوي ، عبد العزيز، والقريوتي يوسف (1990)0 الإعاقة العقلية في المملكة العربية السعودية : أسبابها وبعض المتغيرات الأخرى، مجلة كلية التربية ، جامعة الإمارات ع 5 0
o Action on Disability and Development (1997).  Unpublished Report.
o Ashford, Lori (2004).  Hidden Suffering: Disability from pregnancy and childbirth in less developed countries.  http://www.prb.org
o Ashton, B. (1999).  Promoting the Rights of Disabled Children Globally.  Disabled Children Become Adults: Some Implications.
o Burkhalter (2000).  Consequences of Unsafe Motherhood in Developing Countries.
o Coleridge, Peter (1993).  Disability, Liberation and Development, Oxford: Oxfam 
o  Coles, G.S. (1987).  The Learning Mistake.  New York: Pantheon Books.
o Elwan, Ann, (1999).  Poverty and Disability – A Survey of the Literature, World Bank.
o Hurst, Rachel (1999).  Disabilities People’s Organizations & Development: Strategies for Change.
o Hurst, Rachel (2002).  Disability Aware in Action (DAA).  Personal correspondence.
o Khattab, Hind (1992).  The Silent Endurance.  UNICEF and Population Council.
o Lee, Helen (1999).  Discussion paper of Oxfam: Disability as a Development Issue and How to Integrate a Disability Perspective into the SCO. Oxford: Oxfam.
o Metts, Robert (2000).  Disability Issues, Trends and Recommendation for the World Bank.  World Bank.  Moll, Kevan
o (2001).  Disabled People in Development; Moral Obligation or Socio-economic Imperative (Unpublished Report).
o National Institute of Mental Health (1999).  Leading Ten Cases of Disability.
o Rebecca, Y. (unpublished Report).  ADD: Action on Disability and Development.  Chronic Poverty and Disability.
o Tsui, A. & et. al. (1997).  Reproductive Health in Developing Countries.  National Academy Press, Washington, DC.
o UNESCO (1988).  Review of the present situation of Special Education. Paris.
o U.S. Census Bureau, (1995).  Americans with Disabilities (online).
o U.S. Census Bureau, (1997).  Americans with Disabilities (online).
o U.S. Census Bureau, (2003).  Americans with Disabilities (online).
o Yeargin, M. & Boyle, W. (2000).  Etiology of Childhood Vision Impairment, Paediatr Perinat Epidemiol, 14(1).  

أ0د0 عبد العزيز السرطاوي- رئيس قسم التربية الخاصة- كلية التربية- جامعة الإمارات العربية المتحدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *