الغش …الحاله النفسيه و الظاهره الاجتماعيه
الأخطر انه بدا في مشاهد الغش المأساوية المتتابعة, ان الداء لم يصب الطلاب فقط, أو يتغشي فقط بعض المعلمين الذين استباحوا تسريب وبيع الاسئلة, وانما بدا في المشهد ان الاباء وأولياء الأمور طرف اساسي ضالع في هذه المصيبة, وان بعض اركان المسئولية التنفيذية والنقابية ـ ضاربون جميعا بالدفوف, يرقصون علي جثمان التعليم, يستبيحون المؤسسة التعليمية برمتها لتحقيق نجاح ضرير لاولادهم لن ينفعهم في حياتهم شيئا لانهم سيتخرجون جهلة غشاشين, لا العلم تعلموه وحصلوه, ولا القيم والاخلاق ادركوها, بل كبروا بعون ومدد وتشجيع ابائهم علي الضرب فيها!
اخطر من جنوح الطلاب, تواطؤ الاباء وتشجيعهم أبناءهم علي هذا الجنوح الضرير, يشترون لهم الامتحانات, أو يوفرون اسباب شراء ذمم المراقبين والبدلاء وبياعي الاسئلة, أو يرتبون الامتحان بالمناطق النائية بعيدا عن الرقباء, أو يعينون بالمال والنفوذ علي ترتيب لجان الغش الجماعية!
اكبر الكوارث ان هؤلاء الاباء , قد فارقوا قيم التعليم معني التربية!.. سحبوا منطق الفهلوة والغش والمكر والخديعة إلي ما يظنون انه تأهيل واعداد لابنائهم, لايعون انه اعداد اسود لمستقبل اشد سوادا كله جهالة وظلام واظلام وخيبة وفشل واخفاق!
ظنوا ان الشهادة هي التربية وهي التعليم وهي التأهيل وهي القاعدة والاساس حل في نظرهم الضرير الشكل الفارغ الضحل, محل المضمون الثري الذي ينير فعلا لا شكلا جنبات العقل وصفحة الوجدان وملكة الفهم وينمي القدرة الفعلية علي العطاء والنجاح.. ظنوا ان النهب هو السلاح الابدي المحصن النافذ بلا عوائق! الم يفلح فيما يفرضونه من هيلمان يخضع أو يشتري كل شيء حتي الذمم؟! فلماذا لايفلح من بينهم؟! لايتوقفون ليسألوا انفسهم ماذا سوف يجدي بنيهم بعد رحيلهم أو ذهاب سلطانهم؟! هل ستنفعهم الشهادة المضروبة المحصول عليها بالغش والخديعة؟! ان الآلاف من حملة الشهادات لايجدون فرصة عمل في سوق منافسة لاتنفتح في النهاية إلا لأصحاب الكفاءة, لا المظاهر والأحساب؟!
نري في القرآن الحكيم ان الله تعالي بعث بالانبياء ليعلموا الناس الكتاب والحكمة, بينما يسعي الغشاشون طلابا وآباء إلي الجهل والجملة والغش والخداع!.. نسمع من حديث رسول القرآن عليه السلام ما نحل والد ولدا من نحل افضل من ادب حسن.. فلانجد شيئا من هذه التربية والأدب الحسن الذي يزرع قيم الصدق والاستقامة, وينهي عن الالتواء والغش والخداع والمكر والتزييف والاعتداء علي حقوق غير الحق بغير حق!
الغش في التعليم, اشر من تطفيف الموازين أو الغش في البيوع, بل هو اشر من كل انواع الكذب والخداع, لانه يجاوز الضرر الشخصي بالمدلس عليه إلي الضرر الذي يصيب المجتمع كله في قيمه وفي واقعه وفي بنيانه وفي حاضره وفي مستقبله!
الغش العادي وقتي ينتهي بواقعته والمجني عليه فيها, بينما الغش في الامتحان والتعليم ذو اثر مستمر وممدود يجاوز أثره الحاضر إلي المستقبل, يدفع إلي مقدمة الصفوف ـ بغير حق ـ ببلداء غشاشين كذابين مخادعين, ويؤخر عنهم المجتهدين الاكفاء الصادقين الاسوياء!
حاصل ذلك اختلال بوصلة التعليم, وفقدان دورها في فرز الكفاءات وبناء الاجيال, وهذه كارثة تضرب جوهر التعليم والعدالة وتكافؤ الفرص في الصميم, وتصادر حاضر ومستقبل الوطن!
تتفق الاخلاق مع جميع الأديان في شجب كل صور الغش والتنفير منه, يجمعها حديث رسول القرآن عليه السلام من غشنا فليس منا! من يتأمل هذا الحديث يلحظ عمومية العبارة التي جاوزت المناسبة إلي قاعدة عامة تدين كل انواع الغش بغير تقييد أو تخصيص, وتخرج الغشاش من الجماعة!
تتفق علي هذه الادانة كل الاديان, شاملة الغش والكذب والزور, فيتعدد في القرآن المجيد أنه لايوجد اظلم مما يفتري كذبا, ويشهد الله تعالي بكذب المنافقين المنافقون1 وبأن الكذب والخداع يحيق بأهله وان يك كاذبا فعليه كذبه غافر28 تتوعده الآيات الحكيمة بعذاب يخزيه هود93 وتقول: ان الله لايهدي من هو كاذب كفار الزمر3 لماذا؟ الآن الكاذب يقاوم الهداية ولايفتح لها قلبه وانما يناهضها بكل السبل!.. لذلك نري في القرآن الحكيم انه لايفتري الكذب إلا الذين لايؤمنون بآيات الله فأولئك هم الكاذبون النحل105 وتنهي الوصايا العشر في العهدين القديم والجديد عن شهادة الزور, وهي مزيج من الكذب والغش وفي سفر الأمثال بالعهد القديم والشاهد الكاذب يظهر غشا12:17! وتصف مزامير داود الغشاش بأن فمه مملوء لعنة وغشا وظلما7/10 ويورد سفر الأمثال ان غباوة الجهال غش14:8.
في الدول المتحضرة يحرم المتهربون من الضرائب والتجنيد من المناصب العامة, وفي الحديث النبوي الذي مررنا به شيء من ذلك, فهو يخرج الغشاشين من الجماعة, ويلفت إلي ما في الغش من اثر ممدود, ينحر بالسلب في قيم وبناء المجتمع, ويقضي علي بوصلته في سواء حياته وفي تصنيف افراده وكفاءاته ويعوق غايته في اقامة صرح حياته علي الواقع الصحيح الذي لاغش ولاخديعة فيه! شيوع الغش تزييف للحاضر, ومصادرة وتدمير للمستقبل!
د. ياسر متولى
ع المقال الاكثر من رائع
مبدع بمعنى الكلمع