الحمى مجهولة السبب : أنواعها، أسبابها، تشخيصها، علاجها

عندما يعاني المرء من الحمى، يصاحبها عادةً أعراض أخرى تفسر سبب الإصابة بها مثل الألم أو السعال. ولكن أحياناً قد يصاب البعض بالحمى بدون أيّ سبب ظاهر. وعندما تكون الحمى مستمرة، يطلق عليها الأطباء تسمية الحمى مجهولة السبب. يعرف هذا الشكل النادر من الحمى بأنه ارتفاع حرارة الجسم فوق 38.3 درجة مئوية “على نحو متقطع أو مستمر” لأكثر من ثلاثة أسابيع بدون أي سبب محدد.

أظهرت الأبحاث أنه يمكن تحديد سبب الحمى مجهولة السبب، بنسبة 85-95% من حالاتها، بعد إجراء فحص شامل للمريض في المستشفى. يحتاج الأطباء لإجراء اختبارات تشخيصية مختلفة لتحديد السبب الدقيق لهذا النمط من الحمى غير المفسرة. وتضم هذه الاختبارات الفحوص الدموية والفحص الجسدي والدراسات الشعاعية (تصوير بالأشعة السينية للصدر و/أو تصوير مقطعي محوسب للصدر والبطن) كخطوة أولى في التحري عن سبب الحمى.

أنواع الحمى مجهولة السبب

يوجد أربعة تصنيفات للحمى مجهولة السبب: الحمى التقليدية وحمى المستشفيات وحمى عوز المناعة وحمى الإيدز (متلازمة عوز المناعة المكتسب).

· الحمى مجهولة السبب التقليدية: تصيب الأشخاص الأصحاء، وتعرف بأنها حمى غير مفسرة تدوم لثلاثة أسابيع. قد يكون سببها العدوى أو الأورام أو الاضطرابات الأخرى مثل الأمراض التي تصيب النسج الضامة.

· حمى المستشفيات: ويصاب بها المرضى أثناء إقامتهم في المستشفى. حيث يدخلون إلى المستشفى لعلاج سبب آخر غير الحمى فيصابون بالحمى فيها. تتضمن الأسباب الشائعة: الصمة الرئوية والتهاب الوريد الخثاري الإنتاني والالتهاب المعوي القولوني والتهاب الجيوب.

· حمى العوز المناعي: يصاب بها المرضى ذوي الجهاز المناعي المضعف. وهذا ما يضعهم في خطر متزايد للإصابة بالعدوى. وقد ينتج عوز المناعة عن المعالجة الكيميائية.

· حمى الإيدز: يسببها فيروس العوز المناعي المكتسب بذاته. بالإضافة إلى أنه يجعل المريض أكثر استعداداً للعدوى التي تسبب الحمى أيضاً.

المسببات المحتملة

تمتلك الحمى مجهولة السبب مجالاً واسعاً من التشخيص التفريقي. تعد العدوى والأورام وأمراض النسج الضامة أكثر الأسباب شيوعاً. كما أظهرت العديد من الدراسات الاستباقيّة والاستعاديّة أنّ الحمى مجهولة السبب هي عرض لا نموذجي لمرض شائع أكثر من كونها نتيجة سبب خارجي المنشأ. بالرغم من اختلاف مسببات الحمى مجهولة السبب تبعاً للمناطق الجغرافية، سجلت دراسة حشدية استباقية معتد بها وتقييم استعاديّ آخر النسب التالية للمسببات: العدوى 15-30% ، الورم 10-30% ، أمراض النسج الضامة 33-40% ، متنوعة (مثل الحمى الدوائية وفرط نشاط الدرقية والحمى الصنعية) 5-14% ، حمى غير مشخصة 20-30%.

وفيما يلي الأسباب الشائعة للحمى مجهولة السبب:

· العدوى: الخراج البطني، السل المنتشر أو الخارج رئوي، التهاب الشغاف العدوائي، العدوى العظمية المفصلية، الحمى التيفية أو المعوية، الفطار المتوطن، العدوى بفيروس إبيشتاين بار، العدوى بالفيروس المضخم للخلايا، داء البروسيلات، داء الليشمانيات، التهاب البروستات، الملاريا، العدوى بالريكتيسيات، الخراج السني، التهاب الجيوب المزمن.

· الأورام: الليمفومة، الورم الكبدي، النقائل الكبديّة، سرطانة الخلايا الكلوية، ابيضاض الدم، سرطان الكولون، سرطان البنكرياس.

· اضطرابات النسج الضامة: الذئبة الحمامية الجهازية، التهاب المفاصل الروماتويدي اليفعي، التهاب الكبد بالمناعة الذاتية، التهاب وعائي جهازي، مرض النسيج الضام المختلط، ألم العضلات الروماتزمي، داء الأمعاء الالتهابي، الساركويد، داء كيكوشي.

· أسباب متنوعة: الحمى الدوائية، الحمى الصنعيّة، حمى البحر الأبيض المتوسط، الخثار الوريدي العميق والصمة الرئوية، فرط الغدة الدرقية.

وتتضمن الأدوية الأكثر شيوعاً في إحداث الحمى: البنسلينات والسيفالوسبورينات ومضادات التدرن والكينيدين والبروكائين أميد والميثيل دوبا والفينيتوئين.

الأعراض والعلامات

إن العرض الرئيسي للحمى مجهولة السبب هو ارتفاع درجة حرارة الجسم لأكثر من 38.3 درجة مئوية في فترات متقطعة أو باستمرار لمدة ثلاثة أسابيع وعدم معرفة سببها حتى بعد الفحص التشخيصي الشامل. وتعتمد الأعراض الأخرى على أعراض السبب المستبطن. على سبيل المثال، قد يشير ضعف الأطراف السفلية وألم الظهر وعدوى المسالك البولية المتكررة إلى أن المسبب هو التهاب العظم والنقي، وخصوصاً عند المرضى ذوي الأعضاء الاصطناعية. وقد تشير النفخة القلبية المرافقة إلى أنّ المسبب هو التهاب الشغاف العدوائي.

التشخيص

يشكل وجود القليل من الأعراض تحدٍّ تشخيصي للأطباء ومنها الحمى. ولكن إذا أجري تقييم دقيق ومنطقي وشامل، سيحدد التشخيص في معظم الحالات. يجب البحث بشكل دقيق في التاريخ الطبي السابق للمريض، بالإضافة للتاريخ العائلي والإجتماعي والسفر للحصول على أدلة مهمة.

الخطوة الأولى في التشخيص عادةً هي البحث عن وجود العدوى. يوصى عموماً بالاختبار الجلدي واختبارات التحري الأخرى عن الأمراض مثل السل، وفحص الدم والبول والبراز. يمكن قياس مستوى الأضداد لعوامل عدوى متعددة، وفي حال ارتفاعها، يدلنا ذلك على وجود عدوى نشطة.

كما تعد الدراسات الشعاعية قيمة أيضاً. بالإضافة للفحوص المعيارية، تتوافر الآن فحوص مطورة تستخدم تقنيات شعاعية حديثة، مثل الأمواج فوق الصوتية والتصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغناطيسي. تعطي هذه الإجراءات الأطباء القدرة على فحص مناطق لم يكن ممكناً الوصول إليها سابقاً إلا بالجراحة. علاوةً على ذلك، توجد الآن اختبارات جديدة تستخدم المواد المشعة (الطب النووي)، باستطاعتها كشف مناطق العدوى والالتهاب التي كان من المستحيل سابقاً إيجادها، حتى بالجراحة.

يمكن أخذ خزعات من أي منطقة مشبوهة (اكتشفت بتصوير الأشعة السينية) باستخدام تقنيات الجراحة التقليدية أو الجديدة. ثم يفحص اختصاصي في علم الأمراض العينة ليبحث عن أسباب الحمى. قد تقدم هذه الطريقة دليلاً على وجود العدوى أو الورم أو أمراض أخرى. وترسل أجزاء من الخزعة إلى المختبر من أجل الزرع في محاولةٍ لتنمية المتعضيات المسببة للعدوى وتعيينها.

العلاج

ينصح الطبيب المريض بالراحة وشرب كميات وفيرة من السوائل. وربما يطلب منه التوقف عن تناول أدوية الأمراض الأخرى، لأنها قد تكون سبب الحمى. وفي حال كان المريض مصاباً بمشكلة قلبية أو رئوية أو كان طفلاً مصاباً باختلاجات ناتجة عن الحمى، فسيصف الطبيب غالباً أدوية متاحة بدون وصفة لتخفيض درجة الحرارة.

ومن الأدوية المستخدمة:

· الباراسيتامول.

· الأسبرين والأدوية المضادة للالتهاب غير الستيروئيدية الأخرى. يجب تجنب إعطاء الأسبرين للأطفال الصغار بسبب خطر الإصابة بمتلازمة راي، والتي قد تكون مميتة وتسبب تأثيرات مؤذية على أعضاء عديدة أخرى، خصوصاً الدماغ والكبد. والتي تحدث نتيجة تناول الطفل للأسبرين أثناء إصابته بأحد الأمراض الفيروسية مثل الجدري.

وفي حالة الإصابة بالعدوى، ربما يصف الطبيب صاداً أو مضاداً فطرياً أو مضاداً فيروسياً، وذلك بالاعتماد على سبب العدوى.