المراهقة مفهوم وأنواع المراهقة
مفهوم المراهقة لغويَّاً :
ما الذي نقصده بالضبط عندما نقول — إن نجلنا قد وصل إلى مرحلة المراهقة، أو عندما نقول — إن فلاناً قد أصبح شاباً مراهقاً ؟
ترجع لفظة المراهقة إلى الفعل العربي (راهق) الذي يعني الاقتراب من الشيئ، فراهق الغلام فهو مراهق— أي قارب الاحتلام، ورهقت الشيء رهقاً قربت منه، والمعنى هنا يشير إلى الاقتراب من النضج والرشد .
المراهقة في الاصطلاح :
اصطلاح المراهقة في علم النفس يعني — الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي ، ولكنه ليس النضج نفسه، لأنه في مرحلة المراهقة يبدأ الفرد في النضج العقلي والجسمي والنفسي والاجتماعي ولكنه لا يصل إلى اكتمال النضج إلا بعد سنوات عديدة قد تصل إلى 9 سنوات ، أما الأصل اللاتيني للكلمة فيرجع إلى كلمة ADOLESCERE تعني التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي والعاطفي أو الوجداني أو الانفعالي ، ويشير ذلك إلى حقيقة مهمة ، وهي أن النمو لا ينتقل من مرحلة إلى مرحلة فجأة، ولكنه تدريجي، ومستمر ومتصل، فالمراهق لا يترك عالم الطفولة ويصبح مراهقاً بين عشية وضحاها، ولكنه ينتقل انتقالاً تدريجياً، ويتخذ هذا الانتقال شكل نمو وتغير في جسمه وعقله ووجدانه، فالمراهقة تعد امتداداً لمرحلة الطفولة، وإن كان هذا لا يمنع من امتيازها بخصائص معينة تميزها من مرحلة الطفولة.
مرحلة المراهقة :
المراهقة تشير إلى تلك الفترة التي تبدأ من البلوغ الجنسي PUBERTY حتى الوصول إلى النضج MATURITY وهكذا يعرفها سانفورد — فالمراهقة إذن تشير إلى فترة طويلة من الزمن ، وليس لمجرد حالة عارضة زائلة في حياة الإنسان فالمراهقة مرحلة انتقال من الطفولة إلى الرجولة ، وعلى كل حال يجب فهم هذه المرحلة على أنها مجموعة من التغيرات التي تحدث في نمو الفرد الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، ومجموعة مختلفة من مظاهر النمو التي لا تصل كلها إلى حالة النضج في وقت واحد وهكذا يعرفها " انجلسن " فهي مرحلة الانتقال التي يصبح فيها المراهق رجلاً ، وتصبح الفتاة المراهقة امرأة، ويحدث فيها كثير من التغيرات التي تطرأ على وظائف الغدد الجنسية والتغيرات العقلية والجسمية . ويحدث هذا النمو في أوقات مختلفة في الوظائف المختلفة. ولذلك فإن حدودها لا يمكن إلا أن تكون حدوداً وضعية أو متعارفاً عليها تقليدياً بين علماء النفس ، وهذه الحدود هي : من 12 – 21 سنة بالنسبة للولد الذكر ، ومن 13 – 22 سنة بالنسبة للفتاة المراهقة ، وواضح من هذا أنها تمتد لتشمل أكثر من أحد عشر عاماً من عمر الفرد، ووصول الفرد إلى النضج الجنسي SEXUAL MATURITYلا يعني بالضرورة أن يصل الفرد إلى النضج في الوظائف الأخرى ، كالنضج العقلي مثلاً ، فعلى الفرد أن يتعلم الكثير حتى يصبح راشداً ناضجاً، ولذلك تعرف المراهقة بأنها: الانتقال من الطفولة إلى الرشد .
واجبات النمو:
ويفضل بعض العلماء تحديد هذه المرحلة بتحديد واجبات النمو التي ينبغي أن تحدث في هذه المرحلة ومن هذه الواجبات ما يلي :
o إقامة نوع جديد من العلاقات الناضجة مع زملاء العمر من الجنسين .
o اكتساب الدور المؤنث أو المذكر المقبول اجتماعياً لكل جنس من الجنسين .
o قبول الفرد لجسمه أو جسده، واستخدام الجسم استخداماً صالحاً، لأن هناك بعض البنات اللاتي يشعرن بالخجل من بزوغ صدورهن، أو نمو أردافهن، أو كبر الأنف واليدين، ومن الذكور من يخجل من خشونة صوته.
o اكتساب الاستقلال الانفعالي عن الآباء وغيرهم من الكبار، فالمراهق لا ينبغي أن "ينتظر حتى تغطيه أمه لكي ينام".
o الحصول على ضمانات لتحقيق الاستقلال الاقتصادي.
o اختيار مهنة، والإعداد اللازم لها.
o الاستعداد للزواج وحياة الأسرة.
o تنمية المهارات العقلية والمفاهيم الضرورية للكفاءة في الحياة الاجتماعية.
o اكتساب مجموعة من القيم الخلقية التي تهديه في سلوكه.
الفرق بين مفهوم المراهقة ومفهوم البلوغ :
يخلط كثير من الناس بين مفهوم المراهقة ومفهوم البلوغ الجنسي، لذلك ينبغي أن نميز بين المراهقة وبين البلوغ الجنسيPUBERTY :
o فالبلوغ يعني بلوغ المراهق القدرة على الإنسان، أي اكتمال الوظائف الجنسية عنده، وذلك بنمو الغدد الجنسية عند الفتى والفتاة، وقدرتها على أداء وظيفتها.
o أما المراهقة فتشير إلى التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي.
وعلى ذلك فالبلوغ إن هو إلا جانب واحد من جوانب المراهقة، كما أنه من الناحية الزمنية يسبقها، فهو أول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة، ويميل الكتاب إلى اعتبار مرحلة المراهقة ممتدة من سن 9 سنوات إلى 21 سنة، ويقسمون هذه الفترة إلى مرحلة المراهقة المبكرة، والمتوسطة، ثم مرحلة المراهقة المتأخرة، التي ينتقل بعدها مباشرة إلى مرحلة الرشد والكبر.
فالنمو والتغيرات التي تطرأ عليه تحدث على مدى زمن طويل، ومن هنا كانت صعوبات تعريف مرحلة المراهقة، فهي التي تلي مرحلة الطفولة المتأخرة، والتي ينتقل الطفل خلالها من مرحلة الطفولة المتأخرة إلى مرحلة الرشد، ومراحل الانتقال في حياة الفرد دائماً مراحل حرجة في حياة الفرد والجماعة، كما أنها مرحلة تغير سريع ومتلاحق، ودائماً يصاب الإنسان بالتوتر والقلق في الفترات التي يتعرض فيها للتغيير، وقد تطول أو تقصر فترة المراهقة تبعاً لتعقد النمط الحضاري الذي يعيش فيه المراهق، فالمجتمعات تتطلب من المراهق إعداداً علمياً أو مهنياً طويلاً ونضجاً كاملاً وقوياً حتى يتمكن من مسايرة الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية السائدة، وتزداد أزمة المراهقة كلما طال البعد الزمني الذي يفصل بين البلوغ والاستقلال الاقتصادي، فكلما استطاع المراهق أن يحقق لنفسه الاستقلال الاقتصادي وتكوين الأسرة قلّت فترة تعرضه للأزمات النفسية، لذلك فأزمة المراهقة أخف في الريف منها في المدينة، وذلك لبساطة الحياة، ولقرب إمكان الوصول إلى الاستقلال الاقتصادي في الريف، وإمكان الدخول في مجتمع الرجال، والاشتراك في أنشطتهم، وتحمل مسؤولياتهم، والقيام بالأعمال التي يقومون بها مثل الرعي والصيد.
وتحدد بداية مرحلة المراهقة ببداية البلوغ الذي يحدث تقريباً في سن الحادية عشرة بالنسبة للفتاة، وفي سن الثالثة عشرة بالنسبة للفتى، حيث يحدث أول قذف للفتى، وتحدث أول دورات الطمث أو الحيض عند الفتاة. ولكن ينبغي الإشارة إلى أن هناك فروقاً فردية واسعة في السن الذي يصل فيه الطفل إلى مرحلة البلوغ أو النضج الجنسي، وعلى ذلك فيجب أن تؤخذ على سبيل التقريب، فليس من الضروري أن يصل كل طفل إلى هذه المرحلة في سن الثالثة عشرة، ولكنه يصل تبعاً لمعدله الخاص في سرعة النمو الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي — ( نقول : إن الشرع قد جعل سنّ الخامسة عشرة سن البلوغ لمن لم تظهر عليه العلامات الأخرى ) ، من هنا يجب ألا ينزعج الآباء عندما يتأخر نمو أطفالهم عن الوصول إلى مرحلة معينة من مراحل النمو.
المصدر : من كتابه سيكولوجيا المراهق المسلم المعاصر د. عبد الرحمن العيسوي
أنواع المراهقة :
الواقع أنه ليس هناك نوع واحد من المراهقة فلكل فرد نوع خاص حسب ظروفه الجسمية والاجتماعية والنفسية والمادية، وحسب استعداداته الطبيعية، فالمراهقة تختلف من فرد إلى فرد، ومن بيئة جغرافية إلى أخرى، ومن سلالة إلى سلالة، كذلك تختلف باختلاف الأنماط الحضارية التي يتربى في وسطها المراهق، فهي في المجتمع البدائي تختلف عنها في المجتمع المتحضر، وكذلك تختلف في مجتمع المدينة عنها في المجتمع الريفي، كما تختلف من المجتمع المتزمت الذي يفرض كثيراً من القيود والأغلال على نشاط المراهق، عنها في المجتمع الحر الذي يتيح للمراهق فرص العمل والنشاط، وفرص إشباع الحاجات والدوافع المختلفة .
كذلك فإن مرحلة المراهقة ليست مستقلة بذاتها استقلالاً تاماً، وإنما هي تتأثر بما مر به الطفل من خبرات في المرحلة السابقة ، والنمو عملية مستمرة ومتصلة، وجدير بالذكر أن النمو الجنسي الذي يحدث في المراهقة ليس من شأنه أن يؤدي بالضرورة إلى حدوث أزمات للمراهقين، ولكن دلت التجارب على أن النظم الاجتماعية الحديثة التي يعيش فيها المراهق هي المسؤولة عن حدوث أزمة المراهقة، فقد دلت الأبحاث التي أجرتها مارجريت مد M.MEAD ( وهي من علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية ) في المجتمعات البدائية أن المجتمع هناك يرحب بظهور النضج الجنسي، وبمجرد ظهوره يقام حفل تقليدي ينتقل بعده الطفل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة مباشرة، ويترك المراهق فوراً السلوك الطفولي ويتسم سلوكه بالرجولة، كما يعهد إليه المجتمع – بكل بساطة – بمسؤوليات الرجال، ويسمح له بالجلوس وسط جماعاتهم، ويشاركهم فيما يقومون به من صيد ورعي، وبذلك يحقق استقلالاً اقتصادياً واجتماعياً، وفوق كل هذا يسمح له فوراً بالزواج وتكوين الأسرة، ومن ثم يتمكن من إشباع الدافع الجنسي بطريقة طبيعية—- وبذلك تختفي "مرحلة المراهقة" من هذه المجتمعات البدائية، الخالية من الصراعات التي يقاسي منها المراهق في المجتمعات المتحضرة — فالانتقال من الطفولة إلى الرجولة في المجتمعات البدائية انتقال مباشر، أما في المجتمعات المتحضرة فقد أسفرت البحوث عن أن المراهقة قد تتخذ أشكالاً مختلفة حسب الظروف الاجتماعية والثقافية التي يعيش في وسطها المراهق، وعلى ذلك فهناك أشكال مختلفة للمراهقة منها:
o مراهقة سوية خالية من المشكلات والصعوبات.
o مراهقة انسحابية حيث ينسحب المراهق من مجتمع الأسرة، ومن مجتمع الأقران، ويفضل الانعزال والانفراد بنفسه حيث يتأمل ذاته ومشكلاته.
o مراهقة عدوانية، حيث يتسم سلوك المراهق فيها بالعدوان على نفسه وعلى غيره من الناس والأشياء ——— ——- ———— ——–
مشكلات المراهقة وعلاجها :
من أبرز المشاكل التي تظهر في مرحلة المراهقة— الانحرافات الجنسية، مثل الجنسية المثلية أي الميل الجنسي لأفراد من نفس الجنس، والجنوح، وعدم التوافق مع البيئة، وانحرافات الأحداث من اعتداء، وسرقة، وهروب، وتحدث هذه الانحرافات نتيجة لحرمان المراهق في المنزل والمدرسة من العطف والحنان والرعاية والإشراف، وعدم إشباع رغباته، ومن ضعف التوجيه الديني، وكذلك نتيجة لعدم تنظيم أوقات الفراغ، ولذلك يجب تشجيع النشاط الترويحي الموجه والقيام بالرحلات والاشتراك في مناشط الساحات الشعبية والأندية.. إلخ، ومن الناحية التربوية ينبغي أن يلم المراهق بالحقائق الجنسية عن طريق دراستها دراسة علمية موضوعية، كذلك من المشكلات المهمة التي تظهر في المراهقة : ممارسة العادة السرية أو الاستمناء MASTURBATION ويمكن التغلب عليها عن طريق توجيه اهتمام المراهق نحو النشاط الرياضي والكشفي والاجتماعي والثقافي والعلمي، وتعريفه بأضرار العادة السرية. وينتج عن النمو السريع في أعضاء جسم المراهق إحساسه بالخمول والكسل والتراخي، كذلك تؤدي سرعة النمو إلى جعل المهارات الحركية عند المراهق غير دقيقة ، فقد تسقط من يد المراهق الكوب التي يحملها دون أن يكون ذلك نتيجة إهمال أو تقصير، ومع ذلك يلقى الكثير من اللوم والتأنيب من جانب الكبار. وكثيراً ما يعتري المراهق حالات من اليأس والحزن والألم التي لا يعرف لها سبباً. فالمراهق طريد مجتمع الكبار والصغار، إذا تصرف كطفل سخر منه الكبار، وإذا تصرف كرجل انتقده الرجال أيضاً، وعلاج هذه الحالة يكون بقبول المراهق في مجتمعات الكبار، وإتاحة الفرصة أمامه للاشتراك في نشاطهم، وبتحمل المسؤوليات التي تتناسب مع قدراته وخبراته. ومن المشكلات التي تتعرض لها الفتاة ، في هذه المرحلة، شعورها بالقلق والرهبة عند حدوث أول دورة من دورات الطمث، فهي لا تستطيع أن تناقش ما تحس به من مشكلات مع المحيطين بها من أفراد الأسرة ، كما أنها لا تفهم طبيعة هذه العملية، ولذلك تصاب بالدهشة والقلق، إن إحاطة الأمور الجنسية بهالة من السرية والكتمان والتحريم تحرم الفتاة من معرفة كثير من الحقائق العلمية التي يمكن أن تعرفها من أمها بدلاً من معرفتها من مصادر أخرى، ومن الملحوظ في هذه المرحلة أن الفتاة يعتريها الخجل والحياء، وتحاول إخفاء الأجزاء التي نمت فيها عن أنظار المحيطين ، وينتج عن تعليقاتهم غير الواعية على مظاهر النمو هذه وعلى التغيرات الجديدة، شعور الفتاة بالحياء والخجل، وميلها للانطواء أو الانسحاب، ولذلك ينبغي أن ينظر الكبار لهذه التغيرات على أنها أمور طبيعية وعادية.
ومن أهم المشكلات التي يعانيها المراهق : الإصابة بأمراض النمو، مثل فقر الدم، وتقوس الظهر، وقصر النظر، وذلك مرجعه أن النمو السريع المتزايد في جسم المراهق، يتطلب تغذية كاملة وصحية حتى تساعد الجسم، وتمده بما يلزمه للنمو، وفي الغالب لا يجد المراهق الغذاء الصحي الكامل الذي تتوفر فيه جميع عناصر الغذاء الجيد، ولذلك يصاب ببعض هذه الأمراض. فلهذا يجب العمل على توفير الغذاء الصحي الكافي للمراهق، أما حالات تقوس الظهر : فإنها تنتج من العادات السيئة من ثني الظهر والانحناء في أثناء الكتابة والقراءة ، وكذلك قصر النظر ينتج عن اتباع عادات سيئة خاصة بالقراءة عن قرب ، ولذلك يجب تنبيه المراهق إلى أضرار هذه العادات ومساعدته على تجنبها، ونتيجة لنضج الغدد الجنسية واكتمال وظائفها، فإن المراهق قد ينحرف ويمارس بعض العادات السيئة، كالعادة السرية، ولا ينبغي أن يكون توجيه المراهق للابتعاد عن هذه العادة قائماً على أساس التخويف والتهويل في أضرارها، ولكن ينبغي أن يكون أساسه التبصير المستنير، والإقناع، والحقيقة العلمية ذاتها، كذلك يتحقق العلاج عن طريق إعلاء غرائز المراهق والتسامي بها SUBLIMATIONوتحويلها إلى أنشطة إيجابية بناءة، والمعروف أن تخويف المراهق من هذه العادة يخلق عقداً نفسية تدور حول الجنس عامة، وقد يميل المراهق في هذه المرحلة إلى قراءة القصص الجنسية والروايات البوليسية وقصص العنف والإجرام، ولذلك يجب توجيهه نحو القراءة والبحث الجاد في الأمور المعرفية العادية، وأهمها وأنفعها التراث الديني الإسلامي، واستغلال نزعة حب الاستطلاع لديه في تنمية القدرة على البحث والتنقيب وغير ذلك من الهوايات النافعة، ويجب الاهتمام بقدرات المراهق الخاصة والعمل على توفير فرص النمو لهذه القدرات.
ومن المشكلات الوجدانية في مرحلة المراهقة : الغرق في الخيالات، وفي أحلام اليقظة التي تستغرق وقته وجهده وتبعده عن عالم الواقع، وكذلك يميل المراهق إلى فكرة الحب من أول نظرة، فيقع في حب الفتاة معتقداً أن هذا الحب حقيقي ودائم، ولكنه في الواقع ينقصه النضج والاتزان، وكثيراً ما تنتهي الزيجات التي تتم في سن مبكرة بالفشل، لأنها لا تقوم على أساس من النضج الوجداني، ولا تستند إلى المنطق السليم. كذلك يمتاز المراهق بحب المغامرات، وارتكاب الأخطار، ويمكن توجيه هذه النزعة نحو العمل بمعسكرات الكشافة والرحلات، والاشتراك في مشروعات الخدمة العامة والعمل الصيفي. وفي العصر الحالي ظهرت نزعات وفلسفات تتصف باللامبالاة عند الشباب الأوروبي – كما هو الحال في جماعات الهيبز وغيرها – وليست هذه السلبية إلا تعبيراً عن ثورة الشباب، وسخطه على المجتمع، ونتيجة للفشل التربوي. وعلى كل حال، فإن المراهق يميل إلى التقليد الأعمى، وإلى البدع، و(المودات) الجديدة، ولذلك ينبغي توجيه المراهقين عندنا وجهة إيجابية تتفق مع فلسفة المجتمع المسلم وأهدافه في التقدم والرخاء، وعلى هدى من تعاليم إسلامنا الحنيف. كذلك يقع على عاتق علماء المسلمين، ورجال الثقافة والإعلام والتربية والإصلاح والقادة مسؤولية تزويد المراهقين بالحقائق والمعلومات المقنعة التي تثبت إيمانهم وترسخ عقيدتهم، وتحميهم من نزعات الإلحاد والشك—- ومن الوسائل المجدية : اشتراك المراهق في المناقشات العلمية المنظمة التي تتناول علاج مشكلاته، وتعويده على طرح مشكلاته، ومناقشتها – مع الكبار في ثقة وصراحة – وكذلك ينبغي أن يحاط المراهق علماً بالأمور الجنسية عن طريق التدريس العلمي الموضوعي، حتى لا يكون فريسة للجهل والضياع أو الإغراء.
الصراعات التي يعاني منها المراهق :
يعبر الدكتور أحمد عزت راجح عن الصراعات التي يعاني منها المراهق على هذا النحو:
o صراع بين مغريات الطفولة والرجولة.
o صراع بين شعوره الشديد بذاته وشعوره الشديد بالجماعة.
o صراع جنسي بين الميل المتيقظ وتقاليد المجتمع، أو بينه وبين ضميره.
o صراع ديني بين ما تعلمه من شعائر، وبين ما يصوره له تفكيره الجديد.
o صراع عائلي بين ميله إلى التحرر من قيود الأسرة، وبين سلطة الأسرة.
o صراع بين مثالية الشباب، والواقع.
o صراع بين جيله والجيل الماضي.
ويضاف إلى ذلك صراعات تنتج من وجود أهداف متعارضة في داخل نفسه يرغب في تحقيقها معاً، ولكنها بطبيعتها إذا استطاع أن يحقق أحدها أصبح تحقيق الآخر أمراً مستحيلاً كالرغبة في الاستذكار وفي اللعب في الوقت نفسه، أو الرغبة في الطاعة والتمرد.
من كتاب : سيكولوجيا المراهق المسلم المعاصر –
المراهقة وخطورة المرحلة:
حين كان الشباب أقوياء كانت الأمة قوية ، وحين ضعف الشباب وضعفت هممهم وعزائمهم ، وتشتت أهواؤهم ، وفقدوا هويتهم في كل عصر مر بتاريخ هذه الأمة فقدتهم الأمة ، وذلت وضعفت وهانت ، وإن هذه الحقبة التي نعيشها من تاريخ أمتنا أكبر شاهد على تلك الحقيقة التي قررناها، وكلما قوي الشباب في الأمة وتبصروا وتزودوا بالفهم والوعي والإرادة والقدوة ؛ قويت الأمة بهم وعزت وانتصرت وسادت ، وإن مرحلة المراهقة بخصائصها ومعطياتها هي أخطر منعطف يمر به الشباب ، وأكبر منزلق يمكن أن تزل فيه قدمه ؛ إذا عدم التوجيه والعناية ، وهاهي أبرز المخاطر التي يعيشونها ويمرون بها في تلك المرحلة :
o الخطر الأول : افتقاد الهوية :
فترى الشاب لا يعرف ابن من هو، لا يعرف إلى من ينتمي، لا يعرف أصله ، لا ينتسب إلى نسب ، إنما نسبه أصنام وضعت له زورًا وبهتانـًا ، إنما اعتزازه بجاهلية، إما من صنع أعداء الأمة، وإما من زيف صنعناه نحن لأنفسنا، نعم فقدان الهوية والانتماء ، حين ضاع الشباب بين الغرب بثقافته وفكره وأخلاقه ، فوجدنا بعضا منا قد انتمى إلى ذلك الفكر وتلك الحضارة انتماء ، مطلقـًا ، خاصة ممن ذهبوا إلى هنالك ، جاءوا كافرين بمجتمعاتهم وقيمهم وأخلاقهم وأعرافهم، لا يعرفون منها معروفـًا ، ولا ينكرون منها منكرًا . جاءوا وما على وجه الأرض شيء أبغض إليهم مما راحوا وهم عليه من الأخلاق والقيم والعادات والتقاليد ، جاءوا يسارعون الخطى حتى يكسروا تلك الحواجز والقيود ، ويتحللوا من تلك القيم البالية التي خدعوا فظنوها سبب تخلفهم وتأخرهم عن ركب الحضارة ، خدعهم العدو ، وغلبهم على عقولهم وأفكارهم وطائفة أخرى أيضـًا منا إنما هم همج رعاع مقلدون ؛ الكبار منهم ، لا يعرفون حقـًا من باطل ، ولا يميزون حضارتهم بقيمها وأخلاقها من حضارة مادية ملحدة كافرة جائرة بفسادها وهلاكها ، وبين هؤلاء وأولئك ضاع الشباب والمراهقون ، وامتلأت جيوبهم ومحافظهم بصور لاعبي الكرة ، بصور المصارعين ، بصور الممثلين والممثلات ، طبعـًا من غير أبناء جلدتنا ، بين هؤلاء وأولئك ضاع الشباب في فتن الشهوات والأهواء والشبهات . لم يلتفت أولياء الأمور إلى ذلك الخطر الداهم الذي يهدد الأمة بأسرها ، إلى الشباب وما يصابون فيه من غزو فكري وأخلاقي ، حينما يضيع شبابها بين تلك الأهواء والشهوات والشبهات ، بافتقاد هويتهم ، وافتقاد انتمائهم ، لا ينتمون إلى وطن ولا إلى دين ، ولا إلى حضارة ، إنما هم مقلدون تقليدًا أعمى يسيرون وراء من ظنوا فيهم حضارة وتقدمـًا ومدنية، ووسائل الإعلام للأسف ، ومنافذ الفكر والثقافة ، ترسخ ذلك الضياع وتؤصله في الشباب ، حين تعرض تلك الصورة الزائفة للغرب بحضارته ، وتعمي عينها عن الإسلام وما فيه من قيم عظيمة طالما عزت الدنيا بها ، إنه خطر عظيم .
o الخطر الثاني : افتقاد الهدف :
فالشباب بين نواصي الطرقات وبين ساحات الملاعب والمباريات وبين مجالس اللهو وإزجاء الأوقات ؛ لأنهم لم يعرفوا هدفـًا يسعون إليه ، وليس من ورائهم قصد يعملون له ، لسان حالهم ولسان مقالهم معـًا يردد مقالة الشاعر الضائع :
جئت لا أعرف من أين ولكــــنــــي أتـــــيــت
ولقد أبصـــرت قدامــي طــريقــــــًا فمشــــيت
كـيــــــف ســــــــــرت كيف أبصرت طريقي
لــــســــــــــــت أدري
ولماذا لســــــت أدري
لــــســــــــــــت أدري
هم يرددون تلك الأشعار ، ويطربون لها ، هم يعيشون على أشرطة الكاسيت التي تترنم بتلك المعاني الضائعة ، إن لم تشد بالشهوات الفاحشة المنكرة ، لا هدف يعيش له الشباب ؛ لأن الأمة لم تتخذ لنفسها هدفـًا ، إنما سارت سير الأعمى الكليل وراء عدوها ، يا سبحان الله ! أعمى يقود بصيرًا ، لا أبا لكم تالله ضل من العميان تهديه أعمى في حضارته ، في أخلاقه ، في فكره ، الغرب الكافر يقودنا نحن المبصرين ! يقودنا نحن أصحاب القرآن ، أصحاب السنة ، أتباع محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ إنها والله الخسارة العظيمة أن ننقاد ، وأن ينقاد شباب الأمة كلها إلى ما لا يعلمون، افتقاد الهدف في الحياة التي يعيشونها ، يعيشون ليأكلوا ، أم يأكلون ليعيشوا ، هم لا يعرفون ، وهي معادلة يتندرون بحلها ، نعيش لنأكل ، أم نأكل لنعيش ، لأنه لا شيء عندهم إلا الأكل والحياة ، إلا الحياة الدنيا ؛ بلهوها ، ولعبها ، وقيمها المادية التي لم يردها الله تبارك وتعالى لذاتها ، إنما أرادها وسائل لتحقيق العبودية له جل شأنه ، نعم لا يعرفون لماذا يعيشون ؛ لذلك غلبنا أعداؤنا على أمورنا وقضايانا ، فصرنا لا نفكر بعقول أنفسنا ، بل بعقولهم هم ، إرادتنا مكبلة ، عزيمتنا لا وجود لها ، إنما نتحرك بإرادة عدونا ، وبتدبير عدونا ، بتصريف عدونا ، ذلك لأننا لا هدف لنا نسعى إليه. غاية ما يمكن أن نصرح به أننا نسعى إلى تحقيق التقدم والرفاهية ، وهل هذا هدف تسعى إليه أمة ؟!! إن هذا لا يصلح أن يكون هدفـًا ، إنما الهدف هو ما يمكن أن يعيش له الإنسان من وراء هذه الدنيا ، أما أن تكون أرحام تدفع ، وأرض تبلع ، وما بين هذا وذاك ملعب ومرتع … !!
o الخطر الثالث : تناقض القيم :
تناقض القيم التي يعيشون فيها والتي يعيشون معها ، فبين قيم الأمس والماضي ، وعادات وتقاليد الآباء والأجداد ، والتي استقيت من الإسلام وشرائعه ، وبين القيم المعاصرة ، وبين قيم الحضارة المعاصرة الواردة إلينا وما فيها من تناقض ، مع ما ألفناه وورثناه ، يعيش شبابنا التناقض بين هذا وذاك ، ولا يرشدون إلى اختيار الأوفق والأولى لهم ، فضلاً عن أن يكون هو دينهم ، لا يرشدون إلى ذلك ؛ إنما يتركون لشهواتهم التي تحركهم لتختار لهم ، وما عسى أن تختار لهم شهواتهم إلا التردي ، وما عسى أن تختار لهم شهواتهم إلاّ الانتكاس إلى البهيمية والحيوانية ، يتركون من غير ما بصيرة ولا ترشيد ، الحبل على الغارب ، والشباب ـ إلا من رحم الله وعصم ـ أحيط بكل أسباب الغواية ووسائلها ، وبكل أسباب التردي والانتكاس الخلقي والفكري ، فلا يليق ولا يستقيم أن تكون عقول أبناء الأمة آنية مفتوحة لتسقط فيها زبالات الحضارة المعاصرة اليوم ، ولتستقبل كل ما ورد إليها دون تصفية ؛ بحجة الحرية والانفتاح على العالم وثقافته وأفكاره ، فتترك عقول أبنائنا مفتوحة لثقافة الدش ، والكيبل ، والإنترنت والصحافة المضللة ، والمجلات المستوردة ، والأفكار الباطلة ، لا يليق ذلك بأمة دينها الإسلام ، وكتابها القرآن ، ونبيها محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ . الخطر الرابع : مشكلة الفراغ : ذلك لأنه لا هوية ، ولا انتماء ، ولا هدف يسعى إليه الشباب والمراهقون ، وبين قيم متناقضة ووسائل غواية مهلكة ، يعيش الشباب بلا شك فراغـًا ، ولا يبقى الفراغ فراغـًا ؛ إنما يكون مقتلة بعد ذلك عظيمة ، ولا يبقى الفراغ فراغـًا ؛ إنما لابد سيملأ ويشغل بالباطل ، سيبحث المراهقون عن النجوم في مجالات الفن والرياضة والموسيقى والغناء . سوف تعج بهم الأسواق ، وتمتلئ بهم النواصي والطرقات . سوف تجدهم في المقاهي ، في السينما ، أمام الكيبل … إلخ . ونفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ذلك الفراغ القاتل الذي هو نتيجة تلك الأسباب التي مضت ؛ بلا شك عامل من عوامل الانحراف والهدم لكل خير يوجد في هؤلاء الشباب ، ولكل وازع من دين أو خلق . ————
معوقات التربية الفكرية
عدنان حسن صالح باحارث
المعوقات :
تحول دون بلوغ الولد كمال التمتع بما وهبه الله من ذكاء وفطنة ، وغير ذلك من الملكات العقلية معوقات تحد من نشاط الفرد العقلي، وتعيق نموه الفكري وسيره العلمي ، ومن أهم هذه المعوقات ما يلي:
o أولاً : التقليد الأعمى :
التقليد منه ما هو حق وواجب، ومنه ما هو مذموم مكروه، فأما التقليد الواجب فهو تقليد الرسول صلى الله عليه وسلم بحسن اتباعه، والاقتداء به، وكذلك تقليد أهل الإجماع من علماء الأمة الأفاضل، فهذا النوع من التقليد ليس مذموماً، أما التقليد المذموم الذي ذم الله أصحابه، وشبههم بالبهائم، فذلك التقليد الذي يجعل صاحبه بلا كيان ولا رؤية، فيقبل قول غيره من العامة بلا دليل ولا برهان. قال الله تعالى في أرباب هذا النوع: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون * ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداءً صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون) البقرة170-171 . فهؤلاء المقلدون لا يعلمون شيئاً، ولا يفقهون سوى أنهم يسيرون على طريق آبائهم، دون أن يعرفوا هل هو طريق حق أو باطل، فمقياس الحق عندهم ما كان عليه الآباء، والباطل ما لم يكونوا عليه، فهم يتبعون الناعق دون علم أو روية، فألغوا بذلك شخصياتهم، وجمّدوا عقولهم، ولم يستعملوها فيما أمر الله به من النظر والتدبر والتفكر، ورضوا بأن يصافّوا البهائم، العجماء، فيهينوا أنفسهم، ويذلوها— ومن المعلوم "أن احترام النفس هو حجر الزاوية في التربية الصحيحة"— ولما كان احترام النفس منتفياً مع التقليد الأعمى، كان حرص الأب على تنفير الولد من هذا النوع من التقليد واستهجانه، وإظهار قبحه، يعد أمراً مهماً في التربية، إذ يرفع من معنويات الولد، ويعطي لنفسه مكانتها، ولرأيه وزنه، ولشخصيته احترامها وتقديرها، ولا يعني هذا أن يقف الولد مع أبيه عند كل قضية، يسأله عن دليله فيها ليقوم بتنفيذها، إذ إنه ليس من الصواب أن يطلب الدليل لكل قضية، ولكل أمر من أمور الدنيا، بل إنما يطلب الدليل في الحلال والحرام، والمعتقدات، وما هو مفتقر إلى الدليل الشرعي، أما أمور الدنيا من المباحات فلا دليل عليها سوى أن الولد مأمور بطاعة والده، وطلب رضاه، وطاعته في المباحات من الواجبات، ولكن لا بأس أن يدعّم الأب أمره للولد بحجة منطقية يمكنه إدراكها وفهمها. فإذا طلب الأب من ولده الهدوء ريثما تنتهي المكالمة الهاتفية، يبين له بإيجاز أن رفعه لصوته مزعج، وأنه لم يتمكن من سماع الطرف الآخر على الهاتف، والأمر مهم، ولا بد من الهدوء ريثما تنتهي المكالمة، فإن لم يفعل فإن المكالمة سوف تنتهي دون فائدة، والمتوقع في هذه الحالة إقلاع الولد عن الإزعاج، لأنه اقتنع وفهم، بل ربما تعود الولد هذا الأدب بعد ذلك، فإذا سمع جرس الهاتف التزم الهدوء والسكينة. أما ما يتعلق بالحرام والحلال مما يتطلب دليلاً شرعياً، فالولد في بادئ الأمر لا يفرق بين الأوامر، فلا يعلم ما يفتقر منها إلى دليل، وما لا يحتاج إلى دليل، والأب يبدأ مع ولده في هذا الجانب، ويعلمه طلب الدليل، والسؤال عن السبب إذا اقترن الأمر بكلمة حرام، أو حلال، أو واجب، أو لا يجوز، أو نحو ذلك من العبارات، فإذا كان الجواب بأن الله تعالى أمر بكذا، أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كذا، أو أن العلماء أفتوا بهذا، وجب على الولد أن يتأدب بالسمع والطاعة، ويعوده الأب الخضوع لهذه الأحكام عند صدورها عن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلماء الأمة، وبهذا الأسلوب تنمو شخصية الولد، ويشعر بكيانه كفرد في المجتمع له مكانته ومنزلته، كما أنه ينفر من التقليد الأعمى وأسلوب الإمّعات، ويضرب الأب لولده مثل المقلِّد الأعمى كمثل البعير المقطور رأسه بذنب بعير آخر، فهو لا يعلم، ولا يفقه شيئاً، بل يقوم بحركات مفروضة عليه، وليس له من الأمر شيء، وكذلك المقلِّد الأعمى الذي لا يميز بين من يقلِّد ومن لا يجور تقليده إلا بالدليل، فتراه لا يستفيد من عقله وقدراته الذهنية في تقرير مصير نفسه، واتخاذ القرار الصحيح في المواقف المختلفة.
o ثانياً : اتباع الهوى :
وكما أن التقليد الأعمى مذموم ، فإن اتباع الهوى واتخاذه معياراً للمحبوب والمكروه مذموم أيضاً . يقول الله سبحانه وتعالى واصفاً حال أصحاب الأهواء : (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً * أم تحسبُ أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إنْ هم إلا كالأنعام بل هم أضلُ سبيلاً ) . الفرقان 43-44 في هاتين الآيتين يصور القرآن الكريم نموذجاً من البشر انفلتت أنفسهم من المعايير الثابتة ، والموازين ، فأصبحوا يُحكمون شهواتهم ، ولا يعرفون حجة ولا برهاناً ، سوى ما تهواه أنفسهم، وبهذا التجرد من الخصائص التي منحها الله للإنسان من الإدراك والقدرة على التمييز انحطت شخصياتهم لتكون أقل من درجة البهيمة العجماء، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذم اتباع الهوى قوله: [ أما المهلكات : فَشُح مطاع ، وهوىً متَّبع ، وإعجاب المرء بنفسه] رواه الترمذي، وقال أيضا ً: [ ما تحت ظل السماء من إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع ] أورده المنذري في الترغيب والترهيب. ولما كان الهوى بهذه الدرجة من الذم والقبح، فإن مسؤولية الأب في تكوين الإرادة الصادقة في نفس ولده تعد أفضل حلّ لصد الهوى عن التحكم في عقل الولد وعواطفه، فإن "تربية الإرادة" تنمي في الإنسان حرية الاختيار السليم، حيث يختار الخير وينفذه، وحيث تؤثر الإرادة على الفكر والعاطفة، فلا يكون الهوى هو المسير له، بل إرادته القوية المستمدة من التفكير السلم، والاختيار الصحيح هو المسير والدافع الحقيقي. وهذا لا يتحقق إلا بالتربية السليمة، والتوجيه الصحيح، إذ يقوم بتقوية إرادة الولد متخذاً الوسائل المناسبة لذلك، فيقوي شخصيته باحترام رأيه، واستشارته في بعض الأحيان، مع تكليفه ببعض المهام، وإثابته على الإنجاز، ويتجنب الأب الإهانة، والتحقير، والسخرية، فإنها ذل للولد، وإلغاء لكيانه، وتحطيم لمعنوياته. بل يتخذ لعقابه عند خطئه الوسائل المناسبة من إقناعه بخطئه، ولومه، والتدرج في ذلك، متبعاً منهج التربية الإسلامية الصحيحة في إيقاع العقوبات. ومن أعظم الوسائل المساعدة على قهر الهوى: إشعار الولد بأن اتباع الهوى ذل للنفس، واحتقار لها، إذ إنها تشعر بالذل، والهزيمة أمام الهوى أما إن انتصرت وخالفت هواها شعرت بالعز والانتصار، فالولد إن تغلب على نفسه مرة أو مرتين، فإنه يشعر بعلو همته وقوة شخصيته، ويكون ذلك الانتصار حافزاً لمزيد من الجد والمجاهدة في هذا السبيل. وفي هذا كله لا يتغافل الأب عن ولده، بل يساعده، ويكافئه مشجعاً له على مخالفته لهواه وانتصاره على شهواته. ولعل ضرب المثل للولد بالبهيمة العجماء – التي لا تعرف إلا شهوتها من مأكل ومشرب -: يعد خير مثال لتنفير الولد من الاسترسال في اتباع الهوى والشهوة. ولا ينبغي ذم كل هوىً في النفس والطبع ، فإن "الهوى ميل الطبع إلى ما يلائمه، وهذا الميل خلق في الإنسان لضرورة بقائه، فإنه لولا ميله إلى المطعم والمشرب والمنكح، ما أكل ولا شرب ولا نكح، فالهوى مستحث له لما يريده.. فلا ينبغي ذم الهوى مطلقاً، ولا مدحه مطلقاً، فإن مخالفة كل أنواع الهوى والميول والقيام بالعقول فقط يخص الملائكة، كما أن اتباع الهوى والشهوات دون عقل أو تفكير من أفعال البهائم، أما الإنسان فهو وسط بين الاثنين، فهو عقل وشهوة. إن فهم هذا المبدأ على النحو الذي ذكر يجعل الأب معتدلاً ومتوسطاً في أسلوب تعامله مع الأولاد، فلا يترك لهم العنان فيتبعوا شهواتهم وأهواءهم بغير هدًى، كما أنه لا يحجم نشاطاتهم ويكبت ميولهم ورغباتهم المباحة، فإن إشباع النفس بالحلال المباح، يكفّها عن التطلع إلى الحرام المحظور.
o ثالثاً : انحرافات المدرسة :
يظن بعض الآباء أن كل ما يتلقاه الأبناء في المدرسة من علوم وسلوكيات وغير ذلك هو خير لهم، وهذا التصور ليس بصحيح، إذ بينت بعض البحوث في هذا المجال "أن الطريقة التي تتبع في المدارس في البلاد الإسلامية لا تؤدي إلى تكوين باحثين.. كما أنها أخفقت في تخريج أبناء يحملون رسالة الإسلام ويعيشون في سبيلها، ويناضلون من أجلها، فليس كل ما يقال في المدرسة حقاً كما أن الأساتذة والمعلمين ليسوا كلهم على درجة جيدة من ناحية التخصص، كما أنهم ليسوا جميعاً من أهل الصلاح والتقوى، ممن يعتمد عليهم في توجيه النشء. فالأستاذ الذي لا يصلي، لا يمكن أن يحث الأولاد على الصلاة، والتزام الدين، والأستاذ الذي يستهزئ بالدين وأهله، لا يمكن أن يوجه الطلاب إلى التزام منهج الله عز وجل في واقع الحياة. ويخطئ من يظن أن رسالة المدرسة تقتصر على الناحية الأكاديمية فحسب، بل إنها في الحقيقة تتعداها لتحوي الاهتمام بالأخلاق الإسلامية في أوسع معنى لها، فإذا كان هذا هو المفهوم الذي يجب أن تعتني به المدرسة، فإن الواقع يخالف هذا. "فمدارسنا تفتقر إلى التربية التي تقوي الجسم، وتوجه طاقاته توجيهاً سليماً، وتكاد تنعدم فيها التربية التي تغذي الروح، وتلجم نزوات العواطف، وليس فيها القدر الكافي من النشاط الاجتماعي الذي يعين التلاميذ على تنمية الصفات الخلقية والاجتماعية المرغوب فيها". ومما سبق تتضح مسؤولية الأب المسلم في متابعة ما يتلقاه ولده في المدرسة، فيقوم ما يحتاج إلى تقويم من الأفكار، والتصورات الدخيلة المنحرفة التي تعيق التربية الفكرية الصحيحة، ويجب عليه أيضاً أن يكمل ما قد يحصل من نقص في عمليتي التربية والتعليم في منهج المدرسة، ولا يجوز له – بحالٍ – أن يهمل ولده في هذا الجانب، أو يشعره أن كل ما يُلقى إليه من معلومات في المدرسة هو صحيح يجب اعتقاده، فهذه خيانة للأمانة، وغش للولد، وتهرُّب من المسؤولية. ومن واجبات الأب في هذا المجال ، تخصيص أوقات متفاوتة أثناء السنة الدراسية لزيارة مدرسة الولد ، ليتعرف على مديرها ، وأساتذتها ، ومن خلال لقاءاته المتكررة المستمرة يمكنه أن يعرف مستويات الأساتذة، ومدى التزامهم بالدين ، واستقامتهم عليه ، فإن تيقن من انحراف أحد الأساتذة ، أو انتمائه إلى مذهب فكري منحرف أو متطرف ، وجب عليه أن يبلغ عنه المسؤولين والقائمين على التعليم في البلاد، فإن عجز عن ذلك، نقل ولده إلى فصل آخر بالاتفاق مع مدير المدرسة، وإن تطلب الأمر نقله من المدرسة بالكلية، وجب، وتعين نقله حماية له من الانحراف المتوقع. أما في المناهج التي يتتلمذ عليها الأولاد، فإن اطلاع الأب المستمر عليها لمعرفة مادتها العلمية، ومدى صلاحها للأولاد، يعد من واجباته التي تساعد على حماية الولد من الانحرافات الفكرية، فإذا وجد فيها ما ينافي مفهوماً من مفاهيم الدين، أو وجد فيها عرضاً سيئاً لقضية من قضاياً الدين وتصوراته، فإن دوره في إنكار ذلك، أن يرفع للمسؤولين عن هذا الخطأ في المنهج، ويطالب بتغييره أو تعديله، فإن عجز عن ذلك وجب عليه أن يُفهم ولده خطأ تلك الفكرة في المنهج وانحرافها مؤيداً كلامه بالأدلة العلمية الشرعية، وبذلك يكون قد ساهم في حماية ولده من انحرافات المدرسة، وخفف من أسباب إعاقة التربية الفكرية الصحيحة للولد. ومن القضايا المهمة التي لا بد أن تكون واضحة في ذهن الأب، قضية حسن اختيار المدرسة: إذ يجب أن يكون من بين الشروط التي يضعها لنفسه عند إلحاق الولد بالمدرسة أن يكون مدير المدرسة ومعظم الأساتذة من أهل الخير والصلاح، ولا يكتفي الأب بأن تكون المدرسة قريبة من المنزل، أو جديدة البناء، ومكيفة الفصول، أو أنها تضيف إلى منهجها تعليم اللغات الأجنبية، إن هذه المميزات لا بأس بها – بعد التأكد من صلاح القائمين على المدرسة، فإن صلاحهم أهم بكثير من باقي المميزات المادية – وحماية الولد وسلامة فكره من الانحراف أغلى عند الأب والأمة من كل شيء، لهذا كان اختيار المدرسة مهماً للغاية. ولقد تفطن أعداء الإسلام إلى أهمية التربية والتعليم ودورهما في توجيه ورعاية النشء الجديد، فقد اهتموا بإنشاء رياض الأطفال، والمدارس، ودور الحضانة في بلاد المسلمين، وذلك ليشرفوا بأنفسهم على تربية الأجيال من أبناء المسلمين على ما يريدونه من الانحراف الفكري والزيغ عن دين الإسلام .
إن واجبات الأب في هذه الناحية كبيرة، فيحتاج أن يتأكد من المدرسة قبل إلحاق ابنه بها، فإن كانت تنصيرية، أو منحرفة الإدارة، نبذها واختار غيرها، فإن عجز عن ذلك وكان قادراً على أن يلحقه بمدرسة خاصة يدفع له مصاريفه السنوية مع ضمان استقامة إدارتها، وخلو مناهجها من الانحراف، فإن هذا الإجراء حسن، بل هو الواجب ، وله عند الله الأجر والمثوبة ، لجهاده ومحافظته على أولاده ورعايته لهم قال الله تعالى : (والذين جاهدوا فينا لَنَهدينَّهم سُبلَنَا وإن الله لَمَع المحسنين ) [العنكبوت:69 ] ومن المسائل الخطيرة المتعلقة باختيار المدرسة مسألة الاختلاط بين الذكور والإناث في المرحلة الابتدائية، فإن بعض المدارس تعتمد هذا الاختلاط في المرحلة الابتدائية فقط، وبعضها تعمل به في جميع المراحل، والواجب على الأب حفظ ولده من هذا الاختلاط في جميع المراحل، حتى المرحلة الابتدائية، فإن حدوث الإثارة الجنسية، والميل إلى البنات، واحتمال حدوث الانحراف كل ذلك ممكن خاصة إذا بلغ الولد العاشرة، وبلغت البنت التاسعة. وما يكتبه بعض المهتمين بالتربية، مؤكدين أهمية وضرورة الاختلاط بين البنين والبنات في المراحل الابتدائية يعد خطأ فاحشاً لا يجوز العمل به. ويحذر الأب من مثل هذه الآراء المنحرفة ويعمل جاهداً على اختيار المدرسة التي تقوم على الفصل بين الذكور والإناث، ليحمي ولده من أسباب الانحراف الخلقي. وقضية أخرى يتنبه إليها الأب وهي عدم الإلحاح على الولد في متابعة دراسته، بعد أن يتحصل على العلم الأساسي الذي لا يستغني عنه أحد، كتعلم القراءة والكتابة والحساب، وذلك لأن إجباره على إكمال الدراسة ربما كان عائقاً له عن تحقيق ميوله، ورغباته، في تعلم حرفة، أو صنعة ما. وليست المدرسة هي الطريق الوحيد للتحصيل العلمي، فإن الاطلاع الخارجي برغبة وشغف، مع الاتصال بالعلماء من وقت لآخر، يعد طريقاً جيداً للتحصيل العلمي، فلا بد من إعطاء الولد الفرصة للاختيار، مع تقديم النصائح والإرشادات الأبوية الخالصة، والمبنية على المعرفة الصحيحة بقدرات الولد وميوله وإمكاناته العقلية والنفسية. وقضية أخيرة حول المدرسة تتعلق بالسن المناسبة التي يفضل إلحاق الولد فيها بالمدرسة. حيث يميل كثير من الآباء نحو إلحاق الولد بالمدرسة في سن مبكرة رغبة في الفائدة، ومسابقة للزمن، والصحيح ما درج عليه الناس في القديم والحديث، وما اهتدت إليه الخبرات الإنسانية من تعيين سن السادسة لبداية التعليم المنظم المباشر، فيفضل للأب التقيد بذلك حفاظاً على نفسية الولد، ومراعاة لقدراته الطبيعية التي وهبه الله عز وجل.
مريم الاشقر – دولة قطر
من كتاب مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد
أعاني منذ ثلاث سنوات من الفزع أثناء النوم، وكثيراً ما أفيق من نومي على صراخي بطريقة غريبة، حيث أنني أشعر بصراخي لكنني لا أستطيع التوقف عن الصراخ لا يتكررالأمر يوميا لكن أحيانا
فيما معناه ان الشباب هو الذي سينصره.وانشاءالله سنكون عند حسن ظن نبينا.امين
شكرا موضوع غزير..وبالنسبة لي اجمل مرحلة هي فترة المراهقة..فقد عرفتٌ الله ربي حق المعرفة فيها.وحددتٌ لنفسي هدفا لن اتنازل عنه انشاءالله.فأنما اوصى نبينا بالشباب وقال ف
شكرا على هذه المعلومات التي تفيدنا في بحوثنا العلمية وتنمية ثقافتناوقد إحتجت إليها في مذكرة التخرج لدي .